“غلطوني”: يوم اعترف بن علي بممارسة التضييقات وفشل في امتصاص غضب التونسيين

"الوضع يفرض تغييرا عميقا وشاملا.. أنا فهمتكم فهمت الجميع البطال والمحتاج والسياسي وإلي طالب بالمزيد من الحريات.. لكن الاحداث الجارية اليوم موش متاعنا والتخريب موش من عادات التونسي التونسي المتحضر التونسي المتسامح العنف موش متاعنا ولا بد انو يتوقف التيار.. حزني وألمي كبيران لاني قضيت اكثر من 50 سنة في خدمة تونس.. ومنقبلش بش تسيل قطرة دم واحدة من دماء التونسيين.. اولادنا اليوم في الدار وموش في المدرسة وهذا حرام وعيب لانو أصبحنا خايفين عليهم من عنف مجموعات سطو ونهب واعتداء على الاشخاص.. وأعطيت تعليمات لوزير الداخلية وكررت.. يزي من اللجوء للكرطوش الحي الكرطوش موش مقبول معندوش مبرر.. نعم انا قلتلكم انا فهمتكم.. وقررت.. الحرية الكاملة للاعلام بكل وسائله وعدم غلق مواقع الانترنيت والمجال مفتوح من اليوم لحرية التعبير السياسي بما في ذلك التظاهر السلمي المؤطر والمنظم والحضاري..

بهذه الكلمات أراد رئيس الجمهورية الاسبق زين العابدين بن علي امتصاص غضب الشارع التونسي الذي كان في حالة غليان منذ 17 ديسمبر 2010، تاريخ حرق محمد البوعزيزي لنفسه.

ليلة 13 جانفي 2010 لم تكن عادية، ليلةَ ألقى بن علي خطابا استثنائيّا أمام الشعب التونسي، في شكله ومضمونه، إذ كان خطابا مرتجلا وبلهجة الشعب وكلماته، خلافا لخطاباته السابقة التي كانت قوالب جاهزة باللغة العربية الفصحى، والأهم من ذلك أنه ولأول مرة منذ 23 سنة تحدث بتلك الصراحة، مثلما اعتبر ذلك كثيرون.

وقد أقرّ بن علي يومها بوجود تضييقات على السياسيين وعلى حرية التعبير والتظاهر وعلى كل من يطالب بمزيد من الحريات، كما أقرّ بأنه تمت مغالطته "غلطوني"، في اشارة إلى حجب حقيقة الأوضاع عنه وعدم ابلاغه بحقيقة ما يجري.

كما أنه تعهّد من خلال خطابه الشهير "أنا فهمتكم.. غلطوني" بأنه سيحاسب بشدة كل من تسبب في إراقة دم التونسيين وأعطى تعليماته بإيقاف استعمال "الكرطوش الحي".

وبقدر ما تعبر كلمة "غلطوني" عن حالة العجز التي بلغها زين العابدين بن علي آنذاك، فإنها تكشف عن سياسة المغالطة وتزييف الحقائق التي كانت تتبعها حاشيته، مهما كانت قبيحة.

ولكن رغم "تنازلات" بن علي واقراره بأنه أخطأ وطلب بطريقة مبطنة فرصة أخرى، واصل معظم الشعب التونسي تحركاته ولم يتأثر بالخطاب، وتوّجت هذه التحركات بمظاهرة كبرى في قلب العاصمة وأمام مبنى وزارة الداخلية شعارها "ارحل"، فما كان منه إلا أن رحل..

تفاصيل ليلتي 13/14 جانفي وأسرارهما ما تزال غامضة إلى اليوم، فرغم مرور 12 سنة على أحداث الثورة وتعدد شهادات من كانوا يتحملون مسؤوليات في الدولة في تلك الفترة، تبقى نفس الأسئلة مطروحة، من دفع ببن علي لمغادرة تونس؟ ما الصورة التي كانت تُنقل له عن حقيقة الأوضاع في الميدان؟ ومن أعطى الأوامر بأن لا يعود من السعودية؟.. وغيرها من الأسئلة الأخرى التي سيكشف عنها التاريخ..

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.