رفيق بوجدارية: تونس اختنقت.. وفي المقابل لم تقم السلط بأي خطوة ايجابية

 حاورته: آسيا توايتي      

هل أسقطت الأزمة الصحية منظومة الحكم المريضة؟ ولماذا تغافلت الحكومة عن توفير الأمن الصحي في ظل أزمة كوفيد 19؟ وما الذي أخر تسريع الاجراءات وجلب التلاقيح كما هو الشأن بالنسبة للبدان الأخرى؟ وفشل حكومة المشيشي في مجابهة أزمة  كوفيد 19… كل هذه التساؤلات وغيرها نتباحثها في هذا الحوار مع الطبيب رفيق بوجدارية، رئيس وحدة الكوفيد بمستشفى عبد الرحمان مامي دون نسيان صفته كناشط مجتمع مدني.   

-هل أن الأزمة الصحية عجلت في ظهور تحركات 25 جويلية والأحداث الأخيرة؟ وهل لغياب سياسة صحية دور في ذلك؟ 

سأوضح الفكرة في اربع نقاط مترابطة: الأولى هي أن المواطنين اكتشفوا عندما مرض البعض منهم وفقد البعض الآخر افراد عائلاتهم، وعندما لم يجدوا أسرة تحتضنهم بسهولة في هذه المستشفيات التي كانت ملجأهم الوحيد وإن وجد فسيكون في حالة سيئة جدا لا يتخيلها العقل، بالاضافة الى ضعف الخدمات بما جعل المواطنين يلجؤون الى البحث في العيادات الخاصة وكلنا يعرف تكاليفها والضمان يصل الى 15 الف دينار وهو ما أدى إلى تزاحم المواطنين على المستشفيات وبالتالي كثرة الازدحام. 

وهذا  يطرح السؤال: "أين وعود المترشحين للانتخابات وشعاراتهم من قبيل "تحسين البنية التحتية وتحسين المستشفيات والمرافق العمومية". كانت الصدمة والالم كبيران لما اندثرت هذه الوعود وبالمقابل كان بعض السياسيين و"علية القوم" اذا مرضوا اتجهوا الى افخم المصحات لتوفر الامكانيات واحيانا لا يدفعون مليما او يتم استضافتهم في المستشفى العسكري الذي يمتاز على غيره من المستشفيات العمومية بخدماته وتوفر المستلزمات الطبية. 

التساؤل الثالث يركز على الاموال والتببرعات بصندوق 18-18 التي كان من المفترض ان تحسن الاوضاع.

وكذلك نقص الاطار الطبي في حين أن تونس تذخر بأربعة كليات طب دون معاهد تكوين الممرضين والممرضات. كذلك الكفاءات الطبية العالية- التي هاجر أغلبها – للبحث عن فرص افضل.

التساؤل الموالي هو كيف لتونس التي كانت على مر السنين معروفة بكفاءاتها وحسن خدماتها وتردد المواطنين عليها من بلدان شقيقة، أن تصبح اليوم ضعيفة وضعيفة جدا في هذا المستوى.

نأتي الى النقطة الثانية والمتمثلة في التلقيح: ابتداءا من شهر جانفي 2020، بدأت البلدان المتقدمة والبلدان التي تعادلنا أو التي هي أقل منّا تجربةَ صحية، بالتلقيح وهرعت الى شراء التلاقيح وجهز حكامها ملفاتهم في وقت وجيز وركزوا أنظارهم على الملف الصحي دون غيره لشعورهم بخطورة الوضع.

والمسألة لم تكن متصلة بالأموال فحسب وإنما بالسياسات المعتمدة من قبل الحكومات، كما هو الشأن بالنسبة للسعودية والبرتغال وبلجيكيا وكذلك المغرب التي بلغت نسبة التلقيح فيها 30 بالمائة؟ سلكت هذه البلدان أشواطا في حين كنا مترددين، انطلقنا في التلقيح في وقت متأخر جدا (شهر مارس)، مع ضعف عدد التلاقيح ونقص مراكزه بالإضافة الى تبجيل المواطنين النشيطين أصحاب الاعمال والمسافرين بكثرة والمتنقلين بين المدن او البلدان. 

كان الوقت يداهمنا في حين كان المواطنون بصدد فقدان افراد من عائلاتهم بسبب كوفيد 19. كل البلدان كانت تتقدم في حين كنا نتلكأ بما أدى الى الغضب الشعبي وطرح التساؤل حول ما إذا كانت صحة المواطنين تهم القائمين على الحكم وفي الوقت ذاته لم تعتمد الوقاية على أساليب علمية بمعنى، انه في الوقت الذي كنا مطالبين بإعلان الحجر الصحي الشامل لم يتم ذلك بعد طلب ونداءات متعددة من الإطارات الطبية ويقوم بفرض الحجر الصحي في أسبوع العيد، إجراء لم يكن له اي محل من الاعراب. بل على العكس من ذلك، أدى إلى اكتظاظ شديد بسبب عدم توفير وسائل النقل وإعلان الحجر في الدقيقة تسعين.  

بعد ذلك مباشرة أصبحنا في مواجهة متحور دلتا مع قرارات لا علمية تسببت في الموجات المتتالية في القيروان والقصرين وتونس الكبرى وغيرها.

نتحدث إذا عن أمن صحي شبه منعدم أو منعدم وسياسة صحية غير محكمة أو ربما لم توضع من الأساس؟ 

صحيح، فبعد كل هذا تأتي الحصيلة بمعنى عدد الوفيات وهو عدد مريع.. نذكرأنه في شهر اكتوبر كانت لدينا 60 حالة وفاة ثم بدأ العدد في الانفجار وها قد وصلنا اليوم الى ما يفوق 19 ألف حالة، بما جعل تونس الأولى عربيا وإفريقيا ومتوسطيا وهو أمر مخجل بالنسبة لبلد كانت من أنجب نجباء البلدان العربية في مجال التغطية الصحية تجد نفسها الاخيرة.   

لم يشعر المواطنون بإيلاء الحكومة هذا الوضع الكارثي اهتماما أو حتى قيامها بعمل رمزي لمجابهته بما جعل عدد الوفيات يزداد في حين  عدد الوفيات كان أقل بمصر 16 ألف، المغرب 9 آلاف، ايطاليا 100 ألف ..، وذلك يعود الى كون النخبة السياسية أو القائمون على الحكم في تونس لم يعيروا اهتماما لنداءات الاطباء واستغاثات المواطنين، ما هو الاخطر والاهم من صحة المواطنين؟ 

مواطنون ماتوا بسبب الحاجة الى التنفس وعدم توفير الأكسجين. تونس اختنقت، بالمقابل لم تقم السلط بأي خطوة ايجابية تحسب لها ولن تصدقوا أن حتى بيوت الموتى كانت تعج ولا نجد مكانا  للأموات.. لم نجد أماكن شاغرة لا في الحياة ولا بعد الممات. 

تذكرون حادثة كراء شاحنة كبيرة للتبريد بمستشفى الرابطة لتوضع به جثث المواطنين. صور كانت صادمة بالنسبة للتونسيين بما جعلهم يطرحون التساؤلات حول المتسببن في هذا الوضع. 

عدد الموتى يشهد نسقا تصاعديا وعدد المتضررين تجاريا ومهنيا  من جائحة كورونا أيضا في ازدياد خصوصا أصحاب المهن الحرة. الصحة العامة ليست من أولويات الشخصيات النافذة ومن هم في الحكم الى درجة أن المواطنين فقدوا الحق في الحياة الذي ينص عليه الاعلان العالمي لحقوق الانسان ورأينا ما حدث في مستشفى صفاقس أواخر جوان وصور مستشفى الفحص  التي يندى لها الجبين وكذلك فيديو مدير مستشفى ماطر الذي كان باكيا يتساءل حول ما يمكن فعله؟

كل ذلك كان بمثابة الضربة القاضية وخلق رأي عام وطني مؤمن ومقتنع بانتهاج الحكومة لسياسة الإهمال. في حين كانت النقاشات مرتكزة على التعويضات حيث خرج علينا عبد الكريم الهاروني بكل "وقاحة" ولا أجد تعبيرا غير ذلك،  في هذا  الظرف الحساس.. بلاد باركة ومستشفيات فالسة والادوية غير متواجدة والمواطنون يفقدون الأمل في الحياة بسبب نقص الاكسجين، في تحدّ صارخ لمشاعر التونسيين  مطالبا بتعويضات قيمتها 3000 مليار قبل يوم 25 جويلية.. كان يتوعد الحكومة في اعتقاده ولكنه في الحقيقة أطلق رصاصة الرحمة للأشخاص الذين كانوا لا يزالون على أمل أن الحكومة ستصلح وستقوم بواجبها تجاه المواطنين، لكن هيهات. 

هي منظومة أنانية في الحقيقة لا تفكر إلا بنفسها ومصالحها الشخصية وتغلبها على المصلحة العامة. 

تقصد انشغال بعض المسؤولين بأمور سياسية بدلا من إيجاد حل لمواجهة أزمة كورونا ونسق الوفيات المتصاعد؟ 

نقطة مهمة، في كل البلدان التي بها صوت واحد يقود الحرب ضد الوباء كانت هناك قرارات فيها جانب كبير من المنطق ومن الخوف على صحة المواطن ومن الصراحة ومن البيداغوجيا، فرنسا مثلا. على عكس ما حصل في تونس نقاشات بدائية بين وزير الصحة ورئيس الحكومة، قرارات متناقضة بين اللجنة العلمة وما بدر منها من أخطاء، مقابل قرارات مضادة، تخرج عن اللجنة الاستشارية التي كونها رئيس الحكومة. 

رأينا أحزاب كبرى كحزب النهضة والحزب الدستوري الحر، لا تحترم إجراءات الحجر الصحي التي تمنع التظاهرات والاجتماعات، ورأينا منظمات كبرى كالاتحاد العام التونسي للشغل الذي عقد مؤتمره في سوسة مؤخرا، التي أعلن فيها وزير الصحة الحجر الصحي الشامل، بالمقابل يمنع المواطن العادي من حفلات الزواج والاجتماع بالعائلات والتنقل.

رأينا البعض من قوات الأمن يحرسون حفلات زفاف كبرى، وكأن قانون الحجر الصحي لا يطبق على الجميع، هناك جنازات يحضرها ما لا يزيد عن 10 أشخاص وهناك جنازات مناضلين وأحزاب يحضرها الاف الاشخاص ويحضرها رئيس البرلمان الذي كان من المفترض أن يقدّم المثال في احترام القانون والظرف الحالي. 

انعدمت جدية السلطة في احترام وتنفيذ القوانين في حين تضاعفت مسؤولية مكونات المجتمع المدني من أطباء وصحفيين ونشطاء من كافة المجالات يحاولون تجميع التبرعات نقدا لشراء آلات الاكسيجين ومساهمات جالياتنا بالخارج لانقاذ الوضع، في حين كان رئيس الحكومة، هشام المشيشي، المعني مباشرة بالملف، كان يخجل من طلب مساعدة الدول وانخراطها في مساعدة تونس على الخروج من ازمتها، ألم يخجلوا من حجم الوفيات؟ 

أعرف استاذة جامعية ترددت على السلط في بلجيكيا عن طريق علاقاتها ببرلمانيين بلجيكيين، اصدقاء لها فكانت الاجابة ان الحكومة التونسية هي من يًفترض ان تراسل الحكومة البلجيكية لأنه لا يمكن منح مساعدات لشخص بعينه.

ما نرجوه اليوم هو أن نتخلص من عبء كوفيد 19 وان نصل الى بر الامان. أرجو الصحة لكل التونسيين.                  

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.