منصف البوزازي يكتب: حول “الاقتصادي و الاجتماعي” في دستور 2022

بقلم منصف بوزازي عضو المكتب السياسي لحركة الشعب-

يكاد يجمع كل الفاعلين السياسيين والأجتماعيين وأغلب المهتمين بالشأن العام في تونس على أن أهم عناوين ثورة 17 ديسمبر 2010 كانت "العنوان السياسي" بما يتضمنه من حريات وآحكم ديمقراطي و "العنوان الاقتصادي والاجتماعي " بما يتضمنه من سبل لخلق الثروة وتوزيعها بشكل عادل ومنصف.
وبقدر ما تم، الى حد ما، تحقيق بعض النجاحات في المجال السياسي بما يحول دون العودة الى الاستبداد، فإن رهان التنمية وإعادة تركيب الفعل الأقتصادي و الاجتماعي ظل غائبا، بل زاد تأزما وتراجعا عما كان عليه.
 
وإذا كان الهدف النهائي و الأخير لأي عملية سياسية، ثورة كانت أم تحولا ديمقراطي، هو تحقيق الحياة الكريمة للانسان من خلال ضمان شغله وصحته و تعليمه و نقله ، فإن الحصيلة التي لا تقبل الشك لمسار 17 ديسمبر هو فشلها في هذا الرهان.
 
ولما كان الفشل هو النتيجة، كان لزاما على شعب تونس ان يعيد ترتيب أولوياته، وهو ما حصل يوم 25 جويلية 2021 ..
ترتيب الأولويات ، تعني فيما تعنيه، إعادة تشكيل منظومة حكم تضمن تحقيق الغاية القصوى للعملية السياسية وهي الرفاه الاقتصادي والاجتماعي، لذلك نعتقد ان دستور جويلية 2022 هو واحد من الآليات والسبل الممكنة لبلوغ الهدف النهائي.
فهل أن مشروع الدستور المعروض على استفتاء التونسيين لهذه الغاية؟
 
في التوطئة:
أول فقرة  في دستور جويلية 2022 أكدت ثورة شعب تونس على "… التجويع و التنكيل في كل مرافق الحياة " وأضافت "..زاد الفساد استفحالا ، وتفاقم الاستيلاء على ثرواتنا الطبيعية والسطو على المال العام دون أي محاسبة ".. وهي المنطلقات و الأسس والركائز المبدئية والفلسفية والسياسية التي حكمت كل البناء اللغوي والمصطلحي والمنهجي للدستور، ومثلت الاجابة الضمنية على السؤال "لماذا دستور جديد؟".
 
تم التأكيد على أن شعب تونس عبر التاريخ كان يعتمد النص الدستوري للذود به على مصالحه في حال حيف ممن كانوا يسمون بالخاصة، في إشارة الى الزمام الأحمر".. تم توزيعه على السكان الذين كانوا يلوذون بما فيه من أحكام إن توقعوا حيفا ممن كانوا يسمون بالخاصة" ، ويمكن اعتبار هذه الاشارة  جوهر المعادلة القائمة على الصراع الاجتماعي الذي تعيشه تونس المعاصرة بين " الخاصة " من أثرياء الريع الأقتصادي والمالي المتحكم في مفاصل البلاد  وبين عموم الشعب الذي يكابد الفقر والتهميش و "الخصاصة " ، إنه جوهر المعركة الحقيقية بين " الخاصة " من جهة و بين "شعب الخصاصة " من جهة أخرى..
 
 تضيف التوطئة ، التي تعتبر جزءا أساسيا من الدستور، " أن الديمقراطية الحقيقية لن تنجح الا إذا كانت الديمقراطية السياسية مشفوعة بديمقراطية اقتصادية واجتماعية " وهي إشارة في غاية الأهمية ، تعيد ترتيب الأولويات وتوجيه بوصلة الفعل السياسي الديمقراطي نحو غايته المثلى وهي الغاية الاقتصادية و الاجتماعية المحققة لرفاه الشعب.
 
وتؤكد توطئة هذا الدستور " أن النظام الجمهوري هو خير كفيل للمحافظة على سيادة الشعب وتوزيع ثروات بلادنا بصفة عادلة على كل المواطنين والمواطنات" و"أننا سنعمل ثابتين مخلصين على أن تكون التنمية الاقتصادية والاجتماعية مستمرة دون تعثر أو انتكاس".
 
في فصول الدستور: 
وردت الاشارة الى الجوانب الاقتصادية والاجتماعية في أكثر من سبعة عشر(17) موقعا ضمن فصول الدستور ( الفصل 13-15-16-17-18-29-43-44-46-48-61-69-74-77-75-84-85) .
 
– أكد الفصل 13 والفصل 18 على ضرورة أن تتولى الدولة تمكين الشباب والمعطلين من الأمكانيات المادية و الوسائل القانونية لبعث المشاريع والمساهمة في التنمية الشاملة .
 
ونعتبر أن دسترة هذه المسألة تعيد ترتيب أولويات النشاط الاقتصادي بما يعيد موقع الرأسمال البشري الشبابي كقوة أنتاج أساسية ومحددة وجب توظيفها بشكل رئيسي في العملية الانتاجية، فلا يمكن لأي مجتمع أن ينهض وشبابه، الذي يمثل قوة العمل الفعلية، موجود خارج دائرة الماكينة الانتاجية ( حوالي 40 في المائة من شعب تونس شباب).
 
– أكد الفصل 16 على أن " ثروات الوطن ملك للشعب التونسي ، و على الدولة أن تعمل على توزيع عائداتها على أساس العدل و الأنصاف .." ، و نعتبر أن هذه المقاربة يجب أن تترجم في مستوى القوانين حتى تنهي بصفة عملية سياسات توزيع الريع الحاصلة اليوم و التي لا يستفيد منها سوى " الخاصة " ..
 
– أكد الفصل 15 على اعتبار " كل تهرب ضريبي يعتبر جريمة في حق الدولة والمجتمع"، وهو ما يؤسس لسن جملة من القوانين التي تمكن الدولة من  ممارسة دورها الردعي في ملاحقة السماسرة والمارقين عن القانون ووضع حد لسياسات "العفو الجبائي" و "الامتيازات المالية والجبائية " التي استثرى منها " الخاصة " عبر عقود.
 
– أكد الفصل 17 أن " تضمن الدولة الشراكة بين القطاعين العام والخاص وتعمل على تحقيق التكامل بينهما على قاعدة العدل الاجتماعي" ، وهو ما يعطي للدولة إدارة العملية التنموية من خلال القطاع العام الذي سوف يكون له دور القيادة في رسم المخططات ويكون للدولة التحكم في المسار الذي لابد أن يضمن العدل الأجتماعي.
 
– أكد الفصل 69 و 75 ضرورة المصادقة من قبل نواب الشعب،  في شكل قوانين، على المعاهدات التجارية والتعهدات المالية للدولة والموافقة على الاتفاقيات وعقود الاستثمار المتعلقة بالثروات الوطنية، وهو ما يقطع مع التفويت في مقدرات البلاد  "تحت الطاولة"  وعلى موائد السفارات ولوبيات الوكالة الخارجية.
 
– أكد الفصل 77 أن "تضبط التوجهات التنموية في مخطط التنمية، وتقع الموافقة عليه بقانون"، وهي استعادة جوهرية وصريحة لمقاربة التخطيط التي تم تغييبها على امتداد عقود، وترك الحبل على الغارب ل " الخاصة " كي يديروا مجمل العملية التنموية كيف ما أرادوا طبقا لمصالحهم ووفق ميولاتهم المندرجة في إطار وكالتهم للرأسمال الأجنبي.
 
– أكد الفصل 84 على أن "تعرض وجوبا على المجلس الوطني للجهات والأقاليم المشاريع المتعلقة بميزانية الدولة ومخططات التنمية الجهوية والاقليمية والوطنية لضمان التوازن بين الجهات والأقاليم"، ونعتبر أن تأسيس الغرفة التشريعية الثانية "مجلس نيابي ثاني" هي مقاربة في غاية الأهمية يتم من خلالها رد الاعتبار للجهات كفاعل رئيسي في رسم التوجهات الاقتصادية والاجتماعية، وليس إستشاري كما عرفته تونس عبر عقود.
 
 بقدر قناعتنا التامة أن الدساتير لا يمكن لوحدها أن تحقق التغيير الحقيقي في مسيرة نهوض وتطور وازدهار الشعوب والأمم، فاننا لا نكون منصفين اذا أنكرنا استجابة هذه النسخة المنشورة من مسودة الدستور للغاية التي ينتظرها التونسيون والتونسيات وهي تحقيق كرامتهم الانسانية.
 
إن مجمل ما ورد في التوطئة وفي باقي فصول هذه الوثيقة يمثل بداية حقيقية للتغيير الاقتصادي والاجتماعي، إن صدقت النية وإن وضعت بين أيادي نظيفة ومؤمنة بها، وقد تمثل هذه النسخة من دستور تونس الجديدة رافعة قانونية وشعبية ومؤسستية في غاية الأهمية إذا شفعت بمنظومة انتخابية مماثلة، معبرة عن جوهر الصراع الاجتماعي الحقيقي ومنتصرة "لشعب الخصاصة" في مواجهة "الخاصة".
 
-هذا المقال لا يعبر إلا عن موقف صاحبه ولا يلزم موقع حقائق أون لاين في شيء

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.