ستار جبار رحمان: يجب أن تتخلص المرأة من أنوثتها.. وهذه أهداف منتدى نوال السعداوي لدراسات المرأة

 حاوره: حارث حمزة الخفاجي    
ضمن سعيه إلى توسيع فضاءاته المعرفية على المستويين النظري والتطبيقي، بادر المركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط إلى تأسيس منتدى بحثي يُخلد في عنوانه اسم وأثر إحدى أهم الباحثات في شؤون المرأة، إنه "منتدى نوال السعداوي لدراسات المرأة" ليكون أحد تشكيلات المركز والذي يعنى بمختلف الدراسات النسوية.
وحمل المنتدى اسم المفكرة والمناضلة الراحلة د. نوال السعداوي تخليدا لدورها في الدفاع عن قضايا المرأة. لذا كان لنا هذا اللقاء مع المدير التنفيذي للمركز الأوربي لدراسات الشرق الأوسط ستار جبار رحمان. 
ما الأهداف التي يسعى منتدى نوال السعداوي لدراسات المرأة إلى تحقيقها؟
 المنتدى سيجمع بين النشاط النظري العلمي من جهة، والذي سيتناول الدراسات النسوية والدراسات المتباينة التي تحلل واقع المرأة والجذور الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية والدينية لعدم مساواتها بالرجل، وذلك من خلال إعداد الدراسات وتنظيم الحلقات الدراسية والمؤتمرات العلمية وإصدار المجلات والكتب من جهة والنشاط الجماهيري، حيث سيأخذ على عاتقه تنفيذ الفعاليات الجماهيرية والحملات دفاعا عن قضايا المرأة من جهة أخرى. 
هناك كثير من المنظمات النسوية التي تتفق مع منطلقات المنتدى، فهل ستسعون لنوع من الشراكة والتنسيق؟
بالتأكيد إن الشراكة والتنسيق يساهمان في تبادل الخبرات والتعاون على إنجاز الغعاليات الكبيرة والمهمة، حيث سيعمل المنتدى على التنسيق مع المؤسسات البحثية والحركات النسوية المعنية بقضايا المرأة وتحررها، وستكون لدينا خطة ومعايير في هذا الاتجاه، ترتكز بالأساس على المشتركات مع مختلف المؤسسات والتحالفات والشبكات النسوية.
هل سيكون المنتدى معني بالإنتاج الفكري للراحلة الدكتورة نوال السعداوي ام انه سيتناول قضايا نسوية أوسع؟
حمل المنتدى اسم الراحلة الدكتورة نوال السعداوي تكريما لدورها الكبير لما قدمته من إسهامات فكرية نظرية عميقة بمجمل الحركة النسوية والدراسات النسوية على وجه التحديد، وهو سيعتمد قضايا المرأة وأزماتها وتحررها على وجه الخصوص وهو بذلك سيكون معنيا بالتأكيد بإسهامات الراحلة الدكتورة نوال السعداوي الى جانب كل الإسهامات الفكرية التي تصب في هذا الاتجاه، فالمنتدى سيكون معنياً بمجال الدراسات النسوية وهذا ما تفتقده الحركة النسوية في المنطقة العربية، فالتغييرات الديمقراطية والتحررية للمجتمعات لن تجد لها طريقا دون تحليل علمي للواقع يزود كل المدافعين عن الحرية بالسلاح الفكري.
تزخر الساحة العربية اليوم بالمنظمات والمؤسسات والجمعيات النسوية، ما هي الإضافة المتوقعة التي سيحققها المنتدى؟
صحيح هناك كثير من المنظمات النسوية في الساحة وهي تساهم- إلى حد ما- بأثر إيجابي لكنها ما زالت في أغلبها بعيدة عن قضية تحرر المرأة، إذ يجب التمييز بحذر بين منظمات ومؤسسات نسوية تؤمن بأن تحرر المرأة جزء لا يتجزء من تحرر المجتمع، والمجتمع الذي لا يضمن مساواة تامة للمرأة بالرجل يعد مجتمعاً غير حر، وبين منظمات "نسوية" تعمل ضدّ مساواة المرأة بالرجل،  كما هناك فرق بين منظمات نسوية تسعى للرعاية الإرشادية وتنظيم ورشات ودورات لتعليم مهن أو محو الأمية، ورغم إيجابية دورها إلا أنه لا يرقى إلى قضية تحرر المرأة كجزء أساسي من تحرر المجتمع، لذا فالمنتدى سيكون ضمن المؤسسات القليلة التي تركز على العمل الفكري النظري والتي تسعى لتزويد الحركات النسوية التحررية بسلاح نظري في صراعها من أجل المساواة التامة بين المرأة والرجل. 
ألا تعتقدون ان التمكين الاقتصادي للمرأة يسهم في تحررها السياسي والاجتماعي؟
المنظمات النسوية هي بالأساس منظمات سياسية حقوقية أكثر من كونها منظمات اجتماعية وخدمية، أي أنها تسعى لإحداث تغييرات جوهرية بالنظام السياسي الاجتماعي الاقتصادي والمنظومة القيمية للمجتمع، لذا فأي أدوار أخرى هي ثانوية ومساعدة لمهام المنظمات النسوية الجوهرية والتي يجب أن لا تفرغ المنظمات النسوية من مهمتها الجوهرية.
من جانب آخر إن التمكين الاقتصادي يساهم في التحرر الاقتصادي لكنه لا يساهم في التحرر السياسي والاجتماعي، فما زال النظام الاجتماعي في كثير من مفاصله ينظر إلى المرأة نظرة دونية، إذ هو مزود ببنية ثقافية وقيمية وأخلاقية ودينية تضع المرأة في مكانة أدنى من الرجل، بالإضافة إلى ذلك علينا الوقوف عند شكل هذا التمكين الاقتصادي: اين يقع دور المرأة بعملية الإنتاج الوطني؟ فليس المهم فقط ان يكون للمرأة دخل خاص من عمل هامشي ضمن عجلة الإنتاج الوطني، ولكن علينا كباحثين تتبع حجم دورها ومكانتها بعملية الإنتاج الوطني.
على سبيل المثال ان جمع التبرعات وتوزيع المساعدات على المحتاجين والفقراء عمل إنساني، لكنه بنفس الوقت لا يناضل ضد الاستغلال الاجتماعي والتوزيع غير العادل للثروة، كما أنه يساهم من جانب آخر "وبحسن نية" بإخفاء الظلم الاجتماعي. 
يشكل الدين أو المقدس اليوم مكوناً أساسياً من الوعي الاجتماعي لمنطقتنا العربية، حيث تشكل كثير من المفاهيم التحررية تقاطعا مع المنظومة القيمية والدينية.. ما رايك بذلك؟
السلطة والقوى الاجتماعية التي تقف وراءها تخوض في سبيل الحفاظ على مكاسبها صراعاً توظف فيه كل ما يقع تحت يدها من أدوات. ومن بين تلك الأدوات الدين، لذا فإن الصراع الاجتماعي غير موجه ضد الدين كعقيدة وإيمان وعبادات وانما الصراع هو ضد توظيف الدين اجتماعياً، لذا فالسلطة والقوى الاجتماعية التي تقف وراءها تختبئ خلف المقدس، فتنقل المعركة من صراع ضد الظلم الاجتماعي واضطهاد المرأة إلى نقد الدين، وإذا كانت قيم المجتمع وعاداته تتناقض مع أي من قيم المساواة التامة بين البشر والعدالة والكرامة، فعلينا بالفعل النضال من اجل قيم اجتماعية أكثر إنسانية.
ولكن أغلب الذين يقفون ضدّ تحرر المرأة ومساواتها بالرجل يرون أن تحرر المرأة يؤدي للانحلال الأخلاقي؟
هذا يعود بالأساس لسببين: الأول لأن البعض من دعاة حرية المرأة حصر تحررها بالجانب الجنسي وأصبحت هذه الدعوة للحرية مبتذلة وتصب في خانة القوى الرجعية أكثر مما هي تخدم قضايا المرأة وتحقيق حريتها ومساواتها، فحصر التحرر بالجنس والابتذال الجنسي يسيء للمرأة كإنسان واعٍ ومسؤول، إذ من يرى ان المرأة وعاء للجنس ولإشباع الرغبات الجنسية للرجل من جهة، ومن يمارس الابتذال الجنسي من جهة اخرى، كلاهما ينطلقان من نفس جوهر المنطلقات الفكرية وإن اختلفا اختلافا شاسعا بالظاهر. 
فالابتذال الجنسي هو الإفراط في تداول مفاتن المرأة والممارسة الجنسية، فلا يجد بالمرأة غير مفاتنها الجنسية أو يرى أن تلك المفاتن هي الاكثر أهمية، وهو احتقار للمرأة ولإنسانيتها الكاملة والتي لا تختلف عن التعامل معها كجارية وبالتالي فكلا الفريقين يتعاملان مع المرأة كسلعة جنسية ان كانت بثمن عند الفريق الأول او مجانية عند الفريق الثاني.
اما السبب الثاني فيعود لفهمنا لموضوع الأخلاق، وهل الأخلاق قيم ثابته ام متغيرة، فالأخلاق هي معيارنا لتحديد الصواب من الخطأ والذي يعتمد على عدة مصادر، الدين والتربية والعادات والتعلم، لذا فالمنطلقات الفكرية التي تتعامل مع المرأة ككائن قاصر يؤدي بالنتيجة للحكم على انها غير قادرة على تحديد الصواب من الخطأ بشكل حر، وإلا هل حرية الرجل تؤدي للانحلال الأخلاقي؟!!
الاستبداد لا يقوم على فراغ فكري، وإنما يقوم بالأساس على ان الآخر غير قادر على معرفة مصالحة او حماية نفسه، لذا فتسلب حريته لانه يسيء استخدامها، وبلتالي فإن حرية المرأة تعني لدى الفكر الاستبدادي الانحلال الأخلاقي لأنها غير قادرة على إصدار حكم أخلاقي صائب وهذا هو بالأساس المنطلق الفكري للاستبداد واضطهاد المرأة على حد سواء.
أين تجدون مكانة حرية المرأة وضمن اي حراك لإحداث تحولات ديمقراطية؟
تحرر المرأة هو تحرر سياسي واجتماعي والذي يتطلب إحداث تغييرات جذرية بالمنظومة القانونية والقيمية، لذا فإن حرية المرأة ومساواتها التامة حجر أساس باي حراك يراد منه تكريس مفاهيم المساواة والكرامة والحرية، وتشكل دراسات المرأة ودراسات الحركات النسوية أهمية قصوى في تحليل التحولات الديمقراطية ومسار اتجاهاتها. ومكانتها في مجمل الحراك الاجتماعي التحرري.
الأولوية هي "للحس الإنساني الفطري"، يجب ان تتحرر المرأة من أنوثتها، أي انها لا تنظر للعالم من خلال انوثتها، وانما كانسان واعي ومسؤول، وبالتالي لا تكون عبدة ومملوكة لمفاتنها الأنثوية وذلك باستخدام المرأة لأنوثتها والتي تتمثل بجسدها لتحقيق أي أهدافه.
لذا فأي حركة تسعى لاحداث تحولات ديمقراطية جوهرية يجب ان يكون للحركة النسوية دور فيها كما أن أي حركة نسوية لن تحقق أهدافها إن كانت بمعزل عن القوى التحررية الأخرى في المجتمع.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.