كاتب وصحفي عراقي: النفوذ الإيراني تغلغل في الدولة ومؤسساتها.. واحتجاجات 2019 ليست كسابقاتها

حاوره مراد بن  جمعة-

يشهد العراق منذ عدة أسابيع احتجاجات شعبية هي الأولى من نوعها منذ تولي عادل عبد المهدي رئاسة الوزراء وتزايدت وتيرة هذه الاحتجاجات يوما بعد آخر، قابلها استعمال للقوة ضد المتظاهرين، ما أودى بحياة العشرات وآلاف الجرحى.

هبة شعبية "لم تأت بدعوة من حزب أو جهة سياسية أو دينية، بل كانت عفوية من قبل شبان غير منتمين سياسيا" جراء "استشراء الفساد المالي والاداري وتردي الخدمات والبنى التحتية والتدخل الايراني الكبير في العراق"، وهو ما تحدث عنه الكاتب والصحفي العراقي مروان الجبوري، والذي كشف أيضا عن "النفوذ الإيراني وتغلغله في الدولة ومؤسساتها بشكل غير مسبوق".

أزمات ومشاكل معقّدة يرزأ تحتها العراق تحدّث عنها الكاتب مروان الجبوري الذي كان لنا معه الحوار التالي:

 

لو توضّح لنا الأسباب الحقيقية للمظاهرات الأخيرة الدامية في العراق.. ما الذي يميزها عن احتجاجات 2016 و2018؟ وهل تعكس فعلا حقيقة الأوضاع المعقدة في البلاد؟

اندلعت الاحتجاجات الأخيرة نتيجة لعدة عوامل، من بينها استمرار تردي الخدمات والبنية التحتية، ووصل الفساد المالي والإداري مراحل لم يصلها من قبل، حتى بات النواب يعايرون بعضهم بذلك على الهواء مباشرة دون أي إجراءات قضائية أو رسمية بحقهم، بالإضافة إلى ارتفاع نسب البطالة بشكل غير معهود، وكانت "القشة التي قصمت ظهر البعير" كما يقال هي تجريد قائد جهاز مكافحة الإرهاب الفريق الركن عبد الوهاب الساعدي من منصبه ونقله إلى منصب هامشي في وزارة الدفاع، حيث يحظى الساعدي بشعبية كبيرة في الشارع العراقي، فتضافرت جميع هذه الأسباب في دفع قطاعات واسعة من الشباب العراقيين للدعوة إلى تظاهرات واسعة.

 
والذي ميز هذه التظاهرات هو أنها لم تأت بدعوة من حزب أو جهة سياسية أو دينية، بل كانت عفوية من قبل شبان غير منتمين سياسيا، ومن مختلف مناطق بغداد ومحافظات أخرى، ولم تنجح محاولات البعض في تسييسها، كما حدث في التظاهرات التي سبقتها خلال الأعوام الماضية. فهي إذاً تظاهرات بدأت مطلبية احتجاجا على تردي الخدمات واستشراء الفساد وارتفاع نسب البطالة لكنها تطورت عبر بعض الهتافات للمطالبة بإسقاط النظام، خاصة بعد تزايد أعداد الضحايا من المتظاهرين.
 
ماهو تقييمكم لحزمة التدابير الاجتماعية التي أعلنت عنها الحكومة اثر هذه الاحتجاجات؟ (تقديم منح للعاطلين عن العمل، انشاء 100 ألف مسكن).. هل هي محاولة لتهدئة الاوضاع أم خطوة حقيقية لإصلاح حقيقي؟
 
أعتقد أن الوعود الحكومية التي قدمت للمتظاهرين غير حقيقية وغير قابلة للتنفيذ بسبب العجز الذي تعانيه الميزانية العراقية، وتمكن الفساد من جميع مؤسسات الدولة، مما يجعل تنفيذها على الأرض صعبا جدا إن لم يكن مستحيلا، لأنها لو كانت ممكنة لتم الشروع بها قبل اندلاع الأزمة، لكن جهاز الدولة الإداري المثقل بكثير من الأزمات غير قادر على تنفيذ ربع هذه الوعود، التي يصفها الكثيرون بالتخديرية. 
 
لماذا طال أمد ملف الفساد؟ وما السبيل إلى مواجهته؟ هل من آليات حقيقية لوضع حدّ له أم ان العراق يحتاج إلى ثورة لمحاربة الفساد؟
 
في الحقيقة يمكن القول أن مهمة مكافحة الفساد في العراق عسيرة جدا، ولا يمكن لأي أحد تحقيقها خلال السنوات الخمس القادمة على الأقل لعدّة أسباب منها أن العملية السياسيّة التي بنتها ورعتها الولايات المتحدة وإيران قد أُنشئت على أساس المحاصصة الحزبية والطائفية، وتم توزيع الحصص فيها مسبقا، حيث أن كل حزب يدير بعض الملفات في الدولة.
 
وقد أدى غياب الرقابة وافتقاد الحكومة لأي رغبة في محاربة الفساد الإداري والمالي خلال السنوات الماضية إلى استشراء هذا الفساد وتغوله في جميع المؤسسات حتى الدينية منها، وفق سلسلة متصلة تبدأ من المسؤول الكبير حتى اصغر موظف في تلك المؤسسة، ممّا يجعل التخلص من حلقة واحدة في هذه السلسلة غير كاف لتحقيق الرغبة في النزاهة. وقد أثبتت الكثير من التجارب السابقة أن أي محاولة للتخلص من هذا الفساد ستواجه بحرب من قبل المتنفذين والمستفيدين، وتكون نهايتها إما انخراط الشخص الراغب بمحاربة الفساد في الفساد بنفسه أو حزبه، وإما إخارجه خراج المؤسسة بحجج قانونية ودستورية.
 
تعرضت مقار بعض وسائل الإعلام المحلية والدولية إلى هجمات ومداهمات.. السلطات حملت المسؤولية إلى "مجهولين".. تعليقكم؟
 
تعرّضت عدد من المؤسسات الإعلامية إلى هجمات من مليشيات مسلحة، لم تفصح عنها الحكومة حتى الآن، حيث تم تكسير مقرات هذه القنوات والمؤسسات والعبث بمحتوياتها والاعتداء بالضرب على الموظفين المتواجدين، ومصادرة هوياتهم، والمفارقة أن معظم هذه المؤسسات تقع في مناطق حيوية من العاصمة بغداد وتحظى بحماية قوات رسمية، لم تحرك ساكنا لدفع هذه المليشيات ومنعها من هذه الاعتداءات. وبحسب منظمات حقوقية وصحفية فإن هناك 43 انتهاكا مختلفا تعرض له صحفيون ومؤسسات إعلامية في الايام الأولى فقط من هذه الاحتجاجات. 
 
ماهي برأيكم أهم التحديات التي تواجهها حكومة عادل عبد المهدي في ظل رفض شعبي لمجمل العملية السياسية؟
 
أهم التحديات التي تواجه عبد المهدي هي انعدام التوافق السياسي بين الكتل التي تشكل حكومته، وخاصة الفتح والنصر، وخاصة حول ملفات محاربة الفساد، الذي يشترك فيه الجميع، كما تعاني الحكومة حتى اليوم من عدم اكتمالها، بسبب شغور منصب وزارة التربية الذي تأخر حسمه بسبب الصراع عليه بين العديد من الكتل والأحزاب السياسية. وتعاني الحكومة من ضعف في تحقيق الإنجازات على الأرض، وغياب لسلطاتها الأمنية في العديد من المناطق التي تشهد صدامات عشائرية، فضلا عن التردي المستمر للملف الخدمي.
 
دعا زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الحكومة العراقية إلى الاستقالة وإجراء انتخابات مبكرة تحت اشراف أممي.. فماهو تعليقكم ؟
 
أعتقد أن الاحتجاجات الحالية قد سلبت من مقتدى الصدر ورقة قوية كان يفاوض بها الحكومة، حيث أنه قد تبنى بشكل أو بآخر التظاهرات السابقة، لكنه قبيل انطلاق الاحتجاجات الأخيرة أعلن عبر سياسيين تابعين إلى تياره أن هذه التظاهرات لا تمثله، حيث لم يكن يتوقع أحد أن تكون بهذا الحجم والتأثير. وبالرغم من عدم تبني الصدر لهذه التظاهرات إلا أن العديد من المتظاهرين تربطهم صلة مباشرة أو غير مباشرة بتياره، لكنهم في النهاية خرجوا بشكل شخصي ومنفرد، مما يجعل دعوة الصدر هذه المرة غير مؤثرة كما كانت في السابق.
 
تفيد تقديرات للبنك الدولي بأن 25 في المائة من سكان العراق، البالغ عددهم 40 مليون نسمة، يعيشون البطالة في بلد له رابع اكبر احتياطي من النفط في العالم.. كما يعاني منزل من بين 6 منازل أحد أشكال انعدام الأمن الغذائي وفق نفس التقديرات.. هل من آليات جدية للتغيير؟
 
كما أسلفت فإن الوعود بالقضاء على البطالة وتحسين الأوضاع بشكل عام في ظل المعادلة السياسية الحالية والمحاصصة السياسية والحزبية والطائفية تكاد تكون ضرباً من الخيال. 
 
88 مليار تقديرات الحكومة العراقية والبنك الدولي لتمويل الإعمار.. ماهي آخر التطورات المتعلقة بهذا الملف؟
 
حتى الآن تعاني المدن التي استعادتها الحكومة من داعش من غياب شبه كامل للخدمات الأساسية، فضلا عن تعثر عملية إعادة البناء والإعمار، ففي الموصل على سبيل المثال لا زالت هناك مئات الجثث لم تنتشل من تحت الأنقاض في المدينة القديمة التي تهدم معظمها أثناء عمليات التحرير، وهو ما يدفع مئات الألوف من سكان محافظات نينوى وديالى وصلاح الدين والأنبار وبابل وغيرها للبقاء في مخيمات كنازحين بسبب عدم قدرتهم على العودة إلى مناطقهم المحرّرة التي تعاني من الدمار وغياب الخدمات وتهدّم البنى التحتية بشكل كامل. 


ظهر هاشتاغ العراق ينتفض في أكثر من 190 ألف مشاركة من العراق ومن عدد كبير من الدول العربية والأوروبية واجهته السلطات بحجب الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي.. فماهو تقييمكم لصوت الشارع اليوم؟
 
عمليا أدى حجب الإنترنت بشكل كامل في العراق –باستثناء إقليم كردستان- إلى تراجع زخم هذه الاحتجاجات، وخسائر مادية كبيرة قدرت بخمسين مليون دولار يوميا، وتوقف وتعطل العديد من المشاريع الاقتصادية والمعاملات الإدارية، وعزلة كاملة عن العالم الخارجي، وهو ما أحدث ردود فعل واسعة في الشارع العراقي وتحرك عدد من المحامين لرفع دعوى قضائية ضد وزير الاتصالات بسبب هذه الخطوة، رغم أن القرار اتخذ من جهات سياسية وأمنية عليا. 
 
يعتقد بعض الخبراء أن رد فعل الحكومة العراقية ازاء الاحتجاجات مبالغ فيه وأنها تسببت في إبراز الإحتجاجات إلى صدارة المشهد الإعلامي والإهتمام السياسي لدول مثل الولايات المتحدة ومنظمات دولية عدة.. فماهو تعليقكم؟
 
حتى الآن ما زال الموقف الدولي غير صريح أو واضح، وإنما هي مجرد دعوات لوقف العنف ضد المدنيين وضبط النفس، ولم تتخذ الحكومات الغربية مواقف قوية أو تطلق تحذيرات للحكومة بوقف اعتداءاتها على المتظاهرين السلميين، لكن يبدو أن الوضع لن يبقى كذلك في المستقبل، فقد بدأت العديد من المنظمات الحقوقية والمحامين في رفع دعاوى قضائية ضد المسؤولين العراقيين، وبدأ تفعيل ملف الانتهاكات التي حصلت، ويمكن أن تتصدر المشهد قريبا، ربما مصاحبة لأي تحرك أميركي ضد إيران في العراق، خلال الأشهر المقبلة. 
 
هل الحل في إطلاق حوار وطني شامل؟
 
سبق وأن أطلقت الحكومة والعديد من الأحزاب ما أسمته بـ"الحوار الوطني الشامل"، وتم توقيع العديد من الوثائق والاتفاقات التي تنصّ على حرمة الدم العراقي، لكن ذلك لم يُحقق أي نتيجة تذكر على الأرض، لذا فقد قيمته الحقيقية على الأرض، لم يعد جاذبا حتى كديكور للأحزاب والقوى السياسية، لأن نتيجته معروفة مسبقا. 


إلى أي مدى يصحّ القول أن العراق تحول إلى ساحة صراع بين إيران والولايات المتحدة في ظل وجود فصائل عراقية مسلحة حليفة لايران من جهة وما بين 5 إلى 8 آلاف عسكري امريكي؟
 
العراق تحول منذ ما بعد 2003 إلى ساحة للصراع بين النفوذين الأميركي والإيراني، لكن هذا الأمر ظهر بشكل واضح بعد وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض في الولايات المتحدة، وقد أسهم العراق ممثلا بحكومته في تخفيف قيود الحصار الأميركي على إيران، وما زال العراق ساحة للبضائع والمزروعات والمنتجات الإيرانية، رغم كل العقوبات التي وضعتها إدارة ترمب ضد من يقومون بخرق هذا الحصار. كما أن النفوذ الإيراني بات متغلغلا في العراق بشكل غير مسبوق، حتى في المحافظات السنية، عبر أذرع عسكرية وسياسية، وأعتقد أن مهمة الولايات المتحدة لن تكون سهلة في هذا المجال، خاصة مع وجود سفارة كبيرة تتعرض للقصف بين الحين والآخر من فصائل مسلحة موالية لإيران، تجاهر علنا بأنها ستنحاز لطهران في أي مواجهة مع واشنطن، ويبدو أننا بحاجة لننتظر نتائج الانتخابات الأميركية المقبلة حتى نعرف ما طبيعة التوجه الأميركي الجديد تجاه واشنطن، لأن ترمب يتعامل بحذر شديد خلال هذه الفترة، ربما خوفا من تورطه في أزمة قد تؤثر على حظوظه في الفوز بالرئاسة.
 
تسعى الولايات المتحدة الى الحفاظ على العملية السياسية في العراق من منطلق التزامها باتفاقية الاطار الاستراتيجي لعام 2009 مع العراق.. ماهو تقييمكم؟
 
اتفاقية الإطار الاستراتيجي انتهت عمليا، وبالتالي فإن بنودها غير مفعلة وليست ذات قيمة، لكن الولايات المتحدة حريصة على العملية السياسية لضمان مصالحها الاقتصادية في العراق، كشركات النفط والكهرباء وغير ذلك، ووجود استقرار أمني سيضمن استمرار هذه المصالح وحمايتها، لذا فإن العملية السياسية مهمة لواشنطن، حتى إشعار آخر.
 
برأيكم هل تعكس احتجاجات العراق الاخيرة تذمرا شعبيا من النفوذ الايراني؟ 
 
التظاهرات الأخيرة في جانب كبير منها كانت ضد النفوذ الإيراني، وتغلغله في الدولة ومؤسساتها بشكل غير مسبوق، وقد كانت في مقدمة الهتافات التي أطلقها المتظاهرون هي: "إيران برا برا بغداد تبقى حرة"، ومن اللافت أن هذه الشعارات ظهرت من الجمهور الشيعي هذه المرة، الذي يفترض أن الأحزاب الموالية لإيران تمثله، لكن معظم هذا الجمهور قد سئم هذا التدخل والهيمنة، وبات يرنو للخلاص منها.
 
متى نرى عراقا جديدا؟
 
لا أعتقد أننا سنرى عراقا جديدا في وقت قريب في ظل وجود هذه العملية السياسية، ووجود الكثير من الفقرات في الدستورالتي تضمن هيمنة الأحزاب المتنفذة وسيطرتها على الحكم والسلطة.. كما أن المتظاهرين باتوا يطالبون بتغيير النظام البرلماني الذي يعتبرونه أساسا للمشكلة في العراق، بكل ما يتيحه –من وجهة نظرهم- من إمكانات للفساد الإداري والمالي والتحكم في مؤسسات الدولة من قبل أحزاب معينة، تم تفصيل الدستور على مقاسها. لذا فإن الحديث عن "عراق جديد" ما زال مبكرا، والأيام حُبلى بالمفاجآت، ومن يدري ما هو مستقبل حكومة عبد المهدي، وما هي الآثار الارتدادية التي ستحدثها هذه الحركة الاحتجاجية قريبا أو على المدى البعيد.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.