كاتب عام نقابة الفولاذ: أكثر من 500 مليار ديون شركة الحديد.. وبرنامج الاصلاح على طاولة الحكومة منذ 2015!

مروى الدريدي-

ما تزال الشركة التونسية لصناعة الحديد "الفولاذ" ببنزرت، تكابد صعوبات عديدة حتى تواصل تزويد السوق بمادة الحديد، وتستعيد دورها الاساسي في تعديله.
وقد تأسست الشركة منذ ستينات القرن الماضي (1965) في إطار مجهود الدولة في تركيز مؤسسات كبيرة يكون لها دور صناعي واجتماعي، ولديها أربعة خطوط إنتاج تتمثل في صنع حديد الصّلب المستخرج من الخردة وتحويله إلى حديد مدرفل إضافة إلى تصنيع الأسلاك المسحوبة والهياكل المعدنية، كما تؤمن حوالي 1000 موطن شغل، وكانت رائدة منذ بعثها من حيث الجودة في صناعة الحديد وتأمينه في السوق.
 
لم يتواصل "مجد" هذه الشركة الوطنية العريقة فقد عانت منذ سنوات من عجز مالي كبير وصعوبات هيكلية، دفعت إدارة الشركة بالتعاون مع النقابة الاساسية والاتحاد العام التونسي للشغل لاعداد برنامج اصلاحي، تم عرضه منذ سنة 2015 على الحكومة، وهو إلى الان محلّ نظر..!
 
وحول الوضعية الحالية لشركة الفولاذ حاورت حقائق أون لاين، كاتب عام النقابة الأساسية للفولاذ غازي بن عمار، الذي كشف عن الوضعية المالية الحالية للشركة وحجم ديونها والبرنامج الاصلاحي الذي يمكن أن ينقذها ويعيد لها دورها الريادي والحيوي في تعديل السوق والأسعار.
 
يشار إلى أنه قبل 4 سنوات كان سعر حديد البناء 12 دينارا، والان في حدود 34 دينارا، أي بزيادة فاقت الـ100 بالمائة..
 
ديون مثقلة..
بيّن غازي بن عمّار، أن شركة الفولاذ تعاني منذ سنوات طويلة من ديون متراكمة ومثقلة جراء تراكم الفوائض، وهي في حدود 560 مليارا، والجزء الأكبر منها (حوالي 80 بالمائة) هي ديون لفائدة المؤسسات البنكية (في حدود 200 مليار) والبقية مقسمة بين صندوق الضمان الاجتماعي، وبعض شركات القطاع الخاص وشركة الكهرباء والغاز (الحصة الأكبر من باقي الديون).
 
ولفت غازي بن عمار إلى أن الاشكال في عدم التمكن من سداد جزء من هذه الديون، يتمثل في أن البنوك ترفض مدّ الشركة بالقروض لضمان نشاطها إلا بضمان من الدولة، والحال أن الظرفية الحالية لا تسمح بضمان الدولة. ما يجعل الوضعية الحالية تتمثل في أنّ ما تبيعه الشركة من انتاج يُغطي فقط احتياجاتها من أجور وشراء المواد الاولية دون التمكن من خلاص الديون المتراكمة، وهو ما يأزّم الوضعية المالية عاما بعد عام.
 
معدات قديمة..
تعاني الشركة حسب غازي بن عمار من اهتراء مُعداتها، حيث قال إنهم تأمّلوا خيرا بعد الثورة للنهوض بالمؤسسة وتعصير مُعداتها وتأهيلها ووضعها في إطار تنافسي، إلا أن هذا الأمر لم يحدث ممّا ساهم في تراكم الديون، مضيفا أن جلب قطع الغيار وعمليات الاصلاح تكلفتهما كبيرة، وفي بعض الاحيان لا يمكن توفير قطع الغيار لعدم وجود من يصنعها. 
 
ولفت إلى أن المعدات الموجودة في الشركة حاليا تحتاج ما يقارب 1400 عون على اعتبار أنها غير عصرية وتحتاج إلى يد عاملة كبيرة، في مقابل أن عدد أعوان الشركة حاليا في حدود الـ1000 عون، مضيفا أنه يمكن الحفاظ على هذا العدد بشرط تحديث المعدات وعصرنتها.
 
وبين أن العمل يدوي وشاق في مصنع الفولاذ، وتم في المدة الأخيرة انتداب 70 عونا لكنه عدد غير كاف.
 
الانتاج حاليا.. 
في سنة 2010 كان معدل الانتاج في حدود 85 ألف طن سنويا، وفي سنة 2021، كان الانتاج في حدود 83 ألف طن سنويا، علما وأن الشركة عرفت عجزا ماليّا وتوقفت عدة مرات عن الانتاج بسبب نفاذ مخزون المواد الأولية، وتوقفت ايضا زمن الجائحة في مناسبتين (2020-2021)، فضلا عن زيادة اسعار النقل البحري التي اثرت على الشراءات، وفق محدثنا.
 
تحويل الخردة..
أفاد محدثنا بأنه قبل سنة 2003 كان الانتاج متركزا على الفرن العالي، ثم فيما بعد بتعلة التلوث والبيئة تم ايقاف الفرن العالي عن العمل والاكتفاء بتحويل الخردة وتذويبها لاستخراج الحديد، لافتا إلى أن معدل الانتاج كان في حدود 220 ألف طن في العام وتراجع إلى 60 ألف طن. وفي سنة 2006 كان هناك استثمار صغير حيث وقع تركيز فرن كهربائي وارتفع الانتاج إلى حدود 100 ألف طن أي نصف الكمية المنتجة في 2003.
 
وبخصوص تصدير الخردة، قال غازي بن عمار: "عندما لا يتمكن مصنع الفولاذ من خلاص مزودي الخردة، يقومون بالالتجاء من خلال علاقاتهم في وزارة الصناعة والتجارة، للضغط من أجل خلاصهم، فتلجأ الوزارة إلى السماح لهم بتصدير نسبة قليلة لخلاص احتياجاهم المالية.
 
وبين أنه حاليا ومنذ 6 أشهر تقوم شركة الفولاذ بخلاص مزودي الخردة مع تحيين الأسعار في حال ارتفعت أسعار المحروقات أو الحديد، مستبعدا أن تمنحهم الوزارة رخصة في التصدير لأن مشروع تأهيل الشركة على طاولة الحكومة، ولأن أول عنصر في نجاحه هو تأهيل مخزون كاف من الخردة للتمكن من العمل.
 
مشروع الاصلاح والتأهيل..
أفاد غازي بن عمار بأن برنامج اصلاح شركة الفولاذ وإعادة هيكلتها عُرض منذ سنة 2015، على الحكومة، وهو منقسم إلى جزءين، أولا التطهير المالي وثانيا التطهير الاجتماعي.
 
أمّا التطهير المالي فهو إمّا أن تتكفل الدولة بالديون وهو أمر صعب، وفق تقديره، وإمّا إعادة جدولتها على المدى البعيد لايقاف نزيف الفوائض البنكية، بالاضافة إلى تركيز معدات جديدة للترفيع من طاقة الانتاج، وبين أن البرنامج الذي وقع تقديمه للحكومة بُني على انتاج بـ600 ألف طن من العروق الفولاذية على مرحلتين، الاولى 300 ألف طن والمرحلة الثانية عندما يحقق البرنامج تقدما يتم الانتقال لانجاز 300 ألف طن أخرى.
 
وبالنسبة للتطهير الاجتماعي فيتمثل في إحالة العمال الذيم قضّوا قرابة الـ 25 سنة في العمل على التقاعد المبكر وعددهم 110 تقريبا، ذلك أن العمل في الشركة اصبح أكثر ارهاقا نظرا لسنوات العمل التي قضوها.
 
وأشار إلى أنه تم القيام بمجلس وزاري منذ 3 أسابيع خاص بالشركة، وتم البدأ بالنظر في الجانبين المالي والاجتماعي، كما بدأت المفاوضات مع البنوك التي معها الجزء الأكبر من الديون، على أمل التوصل قريبا لاتفاق معهم.
 
3 فرضيات لانقاذ الشركة..
تتمثل الفرضية الاولى حسب غازي بن عمار، في أن تستثمر الدولة في الشركة وتضخ أموالا لذلك، والفرضية الثانية هو ضمان من الدولة للتعاقد مع شركة أجنبية لتركيز معدات والاستثمار فيها، أمّا الفرضية الثالثة فهو إدخال شريك استراتيجي له خبرة في الحديد السائل، بنسبة 49 بالمائة، في مقابل 51 بالمائة للدولة ويطالب برتكيز معدات للرفع في الانتاج. 
 
واعتبر أن تعاقب الوزراء والحكومات بالاضافة للتجاذبات السياسية والأحداث التي جدّت في البرلمان عطلت مسار الاصلاح داخل شركة الفولاذ وعرقلته.
 
تغوّل القطاع الخاص؟
وفي سؤال بشأن تحكم الخواص في قطاع الحديد في تونس، قال غازي بن عمار: "نحن لسنا ضد القطاع الخاص لكن لا يجب أن يكون مبنيّا على منطق الربح فقط ولا يهمه المواطن، ودور شركة الفولاذ تعديلي، وهي مؤسسة عمومية ليس لها جانب ربحي كبير، وهو أمر في صالح المواطن وعلى الدولة الانتباه لذلك.
 
وقال إنه منذ بداية الالفية السابقة منحت الدولة تراخيص للخواص للانتصاب في الصناعات التحويلية، مما أثر في نسبة مبيعات شركة الفولاذ في بنزرت، دون وضع حقوق للنهوض بها والاستثمار فيها وتعصير معداتها والترفيع في طاقة انتاجها، واستمر هذا الوضع إلى حدود 2011.
 
وأفاد بأن السوق اليوم يستهلك 600 ألف طن تقريبا من الحديد والكمية التي يقع انتاجها محدودة ولا تغطي احتياجات السوق، مما أدى الى استيراد العروق الفولاذية من الخارج لسد النقص الحاصل، وقد أثر ذلك على شركة الفولاذ لأن بقية حاجيات السوق يقع استيرادها من الخارج ومن طرف الخواص.
 
ولفت إلى أن عدد المصانع الخاصة بلغ 6 تقوم بتحويل العروق الفولاذية الى حديد صالح للبناء وهو ماجعل نسبة مبيعات الشركة في السوق تتقلص حوالي 10 الى 15 في المائة.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.