عبد الرحمان الأدغم: الحوار الذي يريده سعيد نوع من أنواع الاستقطاب.. 25 جويلية عيد للجمهورية فقط وما أتى بالصندوق يجب أن يسقط بالصندوق

حاورته مروى الدريدي-

طفت مؤخرا على الساحة السياسية، مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب"، التي يرى مطلقوها أنها "أرضية جامعة لكل من يرى فيها نفسه من قوى حزبية أو مناهضة للانقلاب"، وأنها تستهدف "إلغاء حالة الاستثناء التي أعلن عنها رئيس الجمهورية قيس سعيد في 25 جويلية 2021".

ولمزيد تسليط الضوء على هذه المبادرة تحدثت حقائق أون لاين إلى الطبيب والسياسي والوزير الأسبق المكلف بالحوكمة ومقاومة الفساد في حكومة حمادي الجبالي، عبد الرحمان الأدغم بن المناضل والوزير الأول السابق الباهي الأدغم، وقد التحق بمبادرة مواطنون ضد الانقلاب "لما وجد فيها من مبادئ يدعمها ودعا إليها".

وعبد الرحمان الادغم (74 سنة) قيادي سابق في حزب التكتل، تحصل على شهادة الباكالوريا في جوان 1964 ثم واصل تعليمه العالي في الطب بتونس ثم باريس ليصبح دكتورا مختصا في أمراض الأذن والأنف والحنجرة، بعد ذلك شغل خطة أستاذ محاضر مبرز بكلية الطب بتونس في ديسمبر 1983 ورئيس قسم جراحة أمراض الأذن والأنف والحنجرة بمعهد صالح عزيز من جوان 1989 إلى أكتوبر 2007 كما أشرف على اللجنة الطبية لهذا المعهد طيلة سنوات عديدة.

انضم الأدغم رسميا لصفوف حزب التكتل إثر الثورة فشارك داخل اللجنة السياسية كأحد المقررين في صياغة البرنامج السياسي ثم في أواخر شهر جويلية 2011 أصبح عضوا في اللجنة الوطنية التوجيهية لانتخابات الحزب ليتم ترشيحه أخيرا على رأس قائمة في دائرة منوبة.

وقد بين عبد الرحمان الأدغم في الحوار التالي أهم أهداف "مواطنون ضد الانقلاب"، متحدثا عن "أخطاء" قيس سعيد التي يمكن أن تسير بالبلاد إلى "ما لا تحمد عقباه"..

ماهي ظروف إطلاق مبادرة مواطنون ضد الانقلاب وأهدافها؟ 

كان هناك حراك احتجاجي للتصدّي لما اعتبر انقلابا على الدستور، بدأ بالمسيرات والمُظاهرات في شارع الحبيب بورقيبة، على اثر ذلك رأى بعض الأخوة ضرورة أن تترجم هذه الاحتجاجات إلى مبادرة سياسية تكون بنّاءة وأن لا تبقى الأمور رهينة الاحتجاجات. وتضم المبادرة العديد من الأسماء الوطنية وأساتذة جامعيون، وشخصيات ناشطة سياسيّا، على غرار جوهر بن مبارك، وعبد الرؤوف بالطبيب، وسميرة الشواشي، ورضا بالحاج وعياض اللومي وأحمد الغيلوفي والحبيب بوعجيلة وغيرهم.. وكانت الفكرة في اطلاق هذه المبادرة للعوة إلى الشرعية وللرجوع إلى الجادة.

لكن ألم يكن هناك ترذيل للمشهد السياسي وتغلغل للفساد في جميع القطاعات زمن "الشرعية"؟

نحن نريد الخروج سريعا من الأزمة الخانقة، ولا ننكر أن تونس تعيش وضعية صعبة دامت سنتين، وتأزمت الأمور شيئا فشيئا، نحن نقر أن المؤاخذات بخصوص المشهد البرلماني فيها شيء من الحقيقة، وندرك أن هناك فسادا سياسيّا واجتماعيّا، وأصبح هناك ما يسمى بـ"دمقرطة الفساد"، فقبل 14 جانفي كانت هناك أقليات تتحكم في دواليب الاقتصاد والدولة وبعدها توسع الفساد أكثر، ورغم القوانين التي سُنّت والمجهودات التي قامت بها الحكومات المتتالية والتي لم تظهر على أرض الواقع ما يزال الفساد موجودا رغم ترسانة القوانين.

حين غادرنا الحكومة في 2014 تركنا حوالي 5 مشاريع قوانين تتعلق بمقاومة الفساد، وكان هناك اضاعة كبيرة للوقت ولم يتم التصويت عليها حتى سنة 2017/ 2018، ثم بعدها تم وضع استراتيجية وطنية لمقاومة الفساد لكن لم تتواصل وهو ما يدل على أن هناك إضاعة للوقت في علاقة بمقاومة الفساد.

كان هناك أمر ايجابي وهو ارساء الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد التي بحوزتها آلاف وآلاف الملفات، وكان لديها مهمة صعبة وحتى القوانين التي سُنّت فيما بعد المتعلقة بتضارب المصالح والتي فرضت على الالاف من المواطنين التصريح بمكاسبهم، كانت تعجيزية بالنسبة للهيئة، والحال أنه كان يجب الاكتفاء بالمسؤولين الكبار في الدولة في البداية على الأقل.

نحن نفهم أن الوضعية لم تمكن مقبولة لكن كانت هناك طرق أخرى لمعالحة المسألة بالاحتكام للقانون والدستور، والفصل 80 بدوره كان يمكن أن يفعل بطريقة أخرى.

كيف تشخص الوضع الحالي لتونس؟

نحس أن "البلاد ستذهب إلى الهاوية وهي فعلا في هاوية"، الان نحن على مشارف الافلاس وربما في وضع افلاس، حتى المانحين الدوليين لا يريدون التفاعل معنا لانهم يريدون إطارا شرعيا للتفاوض، هناك تصويت على ميزانية الدولة وقانون المالية وكلاهما مجمّدان، بالاضافة إلى أن طريقة إقالة الحكومة غير قانونية وهذا أمر ليس فيه أي شك فالبرلمان من له صلاحية اسقاط الحكومة بالتصويت، وفي الحقيقة ما أتى بالصندوق يجب أن يسقط بالصندوق.

الشعب التونسي لم تكن له فكرة عن الصندوق وكان عازفا عن الانتخاب ونتائج التصويت التي كنا نراها في العهد السابق من 80 و90 بالمائة لم تكن صحيحة، وبعد الثورة كان هناك اقبال على الصندوق وانفتح الشعب على المشاركة في الحياة السياسية والاقتصادية، وفهم ان صوته يمكن ان يؤثر في حياته اليومية فاقبل على التصويت، وللاسف لم يُعر رئيس الجمهورية كل ذلك أي اعتبار وبجرة قلم قام بإلغاء كل شيء والسيطرة على كل مؤسسات الدولة من برلمان وحكومة وقضاء بتعلّة مقاومة الفساد والخطر الداهم، حتى صار هناك إحساس عام لدى المواطن بأنه ليست هناك أي قيمة لصوته.

إزاء كل ما قمت بتشخصية مالحل الذي تدعو إليه المبادرة للخروج من الأزمة.

أنا شخص مخضرم عشت في فترة بورقيبة وبن علي، وعاصرت عدة أحداث، وأستطيع القول أنه لا يمكن القبول بالعودة إلى الحكم الفردي حتى لو لم تكن نية قيس سعيد ذلك، لكن كل المؤشرات تدل على ذلك.

نحن نطالب أولا بانتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها في أقرب وقت، ولكي يحدث ذلك لا بد من قانون انتخابي، وللتسريع هناك قانون انتخابي موجود في رئاسة الجمهورية صوّت عليه البرلمان سنة 2019، وندعو ثانيا إلى عودة البرلمان ليس كأشخاص بل كمؤسسة. أشير هنا إلى أن رئيس البرلمان راشد الغنوشي استجاب بطريقة غير مباشرة للمبادرة وقال "أنا مستعد للاستقالة والمغادرة في حال عدنا للحياة البرلمانية العادية"، يعني الحلول موجودة.

أريد الاشارة ايضا أنه في حال لم يتم تجديد ثلث أعضاء الهيئة الذين يصوت عليهم البرلمان، فسنجد أنفسنا في وضعية تنظم فيها وزارة الداخلية الانتخابات.

لكن هناك رفض من فئة كبيرة من الشعب لعودة البرلمان إلى العمل بشكله الحالي؟

هناك من يقول سيعيدون لنا البرلمان التعيس، هو في الظاهر تعيس، وبه أقلية فاسدة وغير مسؤولة ودخلت للبرلمان لغاية في نفس يعقوب، ورأينا مظاهر غير لائقة من قبيل العنف والصراخ ومكبر الصوت وهي أمور مزرية في حقيقة الأمر، لكن هذا لا يمنع أنه بالإمكان تكليفه بمهام معينة التي يمكن أن يتم تحديدها من خلال حوار وطني مثلما حدث في 2013، حيث حددت للمجلس الوطني التأسيسي مهام كتابة الدستور والتصويت عليه والتحضير للانتخابات وهو ما حدث بعد 9 أشهر.

يحب أن يفهم الناس أن الصندوق هو من يلغي الصندوق وليس الشارع واستعماله اداة ضغط، يمكن احداث انتخابات سابقة لأوانها مثلما حدث من قبل في تونس عام 1981 عند تولي محمد مزالي رئاسة الحكومة، ومثلما حدث في 1989 بعد ما أخذ بن علي الحكم في 1987، وذلك ايمانا بوجود تسلسل يجب أن يستمر، حتى المرور من الملوكية إلى الجمهورية تم بسلاسة وبتصويت من المجلس ولم يخرج الشعب الى الشارع وطرد الباي من قصر قرطاج، كما نذكر بأن تونس في 1861 كان لديها أول دستور. وأنا استحضر كل هذا لأقول إن لتونس تاريخ في الديمقراطية.

حتى بن علي عندما اخذ مكان بورقيبة تم ذلك بطريقة شبه ديمقراطية لأنه طبق الدستور في فصله 51 الذي ينص على أن الوزير الاول هو من يأخذ مهام رئيس الدولة في حال لم يقدر على تسيير البلاد.

وفي 2011 ايضا طبقنا الفصل 56 وبعد 14 ساعة طبقنا الفصل 57 وتولى فؤاد المبزع الحكم ولم يقل احد لا، لان الطبقة السياسية كانت شاعرة بضرورة ضمان الاستقرار وتطبيق القوانين الموجودة، ثم البرلمان فوض للرئيس المؤقت المبزع ليحكم بالمراسيم ومن ثم قام بحل نفسه.

رغم ذلك هناك من يدعوا إلى عدم العودة إلى ما بعد 25 جويلية؟

أقول إن 25 جويلية هو عيد للجمهورية فقط، ولا يجب أن نتلاعب بالاسم، من اغتال محمد البراهمي اختار 25 جويلية حتى يقترن ذلك التاريخ بالدم، ربما هناك ارادة لنسيان ذلك التاريخ والالتهاء في مسألة أخرى.. لأول مرة رئيس الجمهورية لم يحضر حفل عيد الجمهورية في 25 جويلية 2020 في المجلس وكأنه لا يعترف به، وهو أمر غير مقبول.. فمصلحة تونس وشعبها فوق كل اعتبار.

دعوتم إلى حوار وطني لكن رئيس الجمهورية لا يريده حوارا مثل 2013 ويرفض مشاركة أحزاب بعينها فيه على غرار حركة النهضة، ما رأيكم في هذا؟

أوّلا يجب الذهاب نحو حوار وطني بسرعة دون إقصاء أي أحد، تونس في حاجة للجميع والفصل الاول من الدستور والتوطئة يلُخصان كل شيء، فيهما الحريات العامة واحترام الدستور والتداول السلمي على السلطة، نريد الابتعاد عن الخطاب الذي يقسم التونسيين بين "شعب الله المختار" و"الشياطين" نحن لا هذا ولا ذاك نحن الشعب التونسي الذي لديه قواسم مشتركة، يحب أن ننسى هذا الفلكلور الايديولوجي الحاصل الان.

وبصفة عامة لا يمكن اقصاء أي أحد، فرنسا ضنت أنها أقصت الشعب التونسي لمدة 50 سنة، لكنها تفاجأت بأنه موجود بكل حذافيره، ليس من المقعول أن يقول قيس سعيد هذا نعم وهذا لا من هو ليقصي، كل من له شبهة فساد فليطبق عليه القانون، لكن لا تأخذ خصومك وتحيلهم على محاكم عسكرية. الدستور قالها صراحة لا لمحاكمة المدنيين في المحامن العسكرية حتى لو كان هناك اشكال مع عسكري وذلك لتوفير أكثر ظروف للدفاع عن النفس.

من غير المعقول إقصاء النهضة لأنه بعد النهضة سيتم اقصاء الائتلاف ثم قلب تونس ثم تحيا تونس وبعده الدستوري الحر وهكذا..

ما رأيك في تصور رئيس الجمهورية للحوار الذي يريد إطلاقه؟ 

تحدث رئيس الجمهورية عن منصات للتواصل مع الشباب والمواطنين، يبدون من خلالها آراءهم، وهناك من يجيبهم ويوجّههم نحو اجندة سياسية معينة، أعتبر أن هذا استعمال لأدوات الدولة ولا يفرق في شيء عمن يستعمل سيارات الدولة ومحروقاتها، ويصبح التصويت أيضا عن طريق هذه المنصات وهو عبارة عن استفتاء افتراضي، وهذا نوع من أنواع الاستقطاب ومن غير الممكن استغلال امكانيات الدولة في الظاهر لاستشارة شعبية لكن باطنها تكوين قاعدة بيانات كبيرة وليعرف من خلالها الرئيس من ضده ومن معه وهو من قبيل عملية الفرز..

ماهي الرئاسل الكبرى التي ستتوجهون بها في الوقفة الاحتجاجية يوم الغد أمام مجلس نواب الشعب في باردو؟

هي وقفة احتجاجية سلمية لا سب ولا شتم ولا عنف، نحن ضد كل هذا، وإن حدثت تجاوزات فمن أطراف أخرى، سنطالب بانتخابات تشريعية مبكرة وايقاف الظروف الاستثنائية في أقرب الاجال والذهاب إلى حوار وطني. في نفس الوقت نحن ضد الدكتاتورية وضد الحكم الفردي وضد استغلال المحاكم العسكرية لمحاكمة المدنيين، وضد ترويض القضاء وضد الحكم بالمراسيم. كما سنطالب الرئيس بترجيح العقل وهو رجل قانون ويعرف انه لا يجب إلغاء القانون والحكم بفردانية بتعلة ارادة الشعب..

سنعبر عن رفضنا ايضا للمحاكمات ضد الخصوم السياسيين وإلقاء التهم الفضفاضة من قبيل "المس من معنويات الجيش" و"المس من أمن الدولة" و"إتيان أمر موحش ضد رئيس الدولة" فهي مدعات للسخرية في الخارج، كما لم يحدث أن تم إصدار بطاقة جلب دولية (في اشارة إلى بطاقة الجلب الصادرة في حق المرزوقي)..

ما رأيك في التعزيزات الأمنية المكثفة منذ الأمس في محيط البرلمان؟

إن كانت لتأمين المواطنين في باردو ولتأمين الوقفة، فهو أمر جيد، علما وأن هناك لجنة تنظيم للوقفة، لكن إن كانت للتضييق على المسيرة ومنعها من الوصول إلى البرلمان فهو أمر غير مقبول، ولم يحدث أن تم وضع مدرعات داخل بهو البرلمان، حتى في 7 نوفمبر لم يفعلها بن علي، فقط وضع مدرعات أمام قصر قرطاج حتى خروج بورقيبة من القصر.. حتى في عهد الدكتاتورية لم يحدث ذلك فالدكتاتور يستمع ويحذر وينتبه.

رئيس الجمهورية اتهم اشخاصا في المبادرة بأنهم طامعون في المناصب، ما رأيك في ذلك؟

من معي في المبادرة وطنيون وعقلاء وهناك مناضلون ومن عملوا في الدولة، لسنا في نفس التوجه والتفكير لكن لنا قاسم مشترك وهو البلاد.

انا أجيبه لا أريد منصب ولا أطالبه بمنصب وعشت حياتي في النضال ضد المستعمر ودخلت انتخابات 2011 لمواصلة المسيرة وبناء الدولة لأن اباءنا المؤسسون أنشأوا الدولة ولكنهم لم يصلوا إلى فضاء الديمقراطية. انا من مؤسسي الجمهورية الثانية وابن مؤسس الجمهورية الاولى وأردت مواصلة المشوار من باب المسؤولية وأريد لتونس أن تنجح. وأتذكر في 2011 عندما سلّم الراحل الباجي قائد السبسي السلطة قال إن في نجاحكم نجاحي ونحن نقول في نجاح قيس سعيد نجاح لتونس واذا لم يرد أن يُنجح البلاد وان يأخذنا إلى ما لا تحمد عقباه فسنقول لا لا لا..

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.