سليم خلبوس: قمنا بإنجازات من الصعب التسويق لها سياسيا.. وانتخابي على رأس الـ”AUF” فخر لتونس

  حاورته أمل الصامت –

أثارت استقالة سليم خلبوس من منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي بعد انتخابه لتوّلي خطة المدير التنفيذي للوكالة الجامعية للفرنكوفونية مؤخرا، ردود افعال متباينة لدى الرأي العام ووسائل الاعلام وحتى السياسيين.

ولم يتم تسجيل أي رد فعل تقريبا عن الأستاذ الجامعي في تكوينه والذي تقلد مسؤوليات عدة على رأس الجامعة التونسية ومن ثمة مؤسسات الدولة، حول التصريحات التي وصلت إلى حد اتهامه بخيانة المبادئ التي كان ينادي باتباعها، خاصة فيما يتعلق بهجرة الكفاءات وضرورة التصدي لها.

حقائق اون لاين كان لها حوار مطول مع سليم خلبوص الذي اعتبر من الكفاءات الشابة في حكومة الشاهد وهو الذي لم يتجاوز الـ 45 سنة من عمره، والمنتخب حديثا من بين 15 منافس على رأس الوكالة الجامعية للفرنكوفونية، قدم فيه تقييمه لعمل الحكومة التي شارك فيها على امتداد 3 سنوات وتحدث عن التحديات والصعوبات والنجاحات واحتى الاخفاقات التي واجهتها سواء بشكل عام او على مستوى المهام التي باشرها.

كما تعرض سليم خلبوس الحاصل على شهادة الدكتوراه في التصرف وشهادة الدراسات المعمقة في التصرف في المؤسسات من جامعة تولوز بفرنسا وشهادة الدراسات المعمقة في العلوم السياسية من معهد الدراسات السياسية بتولوز، في هذا الحوار إلى المسار الذي خاضه ليكون اول عربي افريقي يتم انتخابه على رأس الوكالة الجامعية للفرنكوفونية، والذي اعتبره فخر كبير لتونس قبل أن يكون لشخصه.

تحديات وصعوبات كشف عنها خلبوس لأول مرة ننقلها لكم في الحوار التالي:

بعد الاستقالة من منصبك على رأس وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في حكومة لم يعد أمامها الكثير لتسليم العهدة للحكومة الجديدة، يمكن القول انك أخذت مسافة كافية لتقييم عمل الحكومة خلال السنوات الثلاثة الماضية؟

لا نستطيع تقييم اداء الحكومة دون النظر إلى الظروف العامة التي عملت فيها الحكومة.. أكثر التقييمات مجردة وكأن الحكومة اشتغلت في ظروف عادية ملائمة للانتاج والانتاجية.. وهذا ليس تبرير لبعض الاشياء التي لم تنجح.. ولكن حقيقة الأمر أن الوضعية التي عملنا فيها كانت غير عادية سواء من ناحية الصعوبات المالية للبلاد التي كانت نتاج سنوات قديمة لم تسجل فيها إدارة بالطريقة الصحيحة، أو من ناحية غياب سند سياسي، بل ووجود قوى سياسية تلعب ضد نجاح الحكومة يوميا.

كذلك يجب الأخذ بعين الاعتبار الحالة الديناميكية المجتمعية والتغيير القويين الذان خلقا ضغوطات اجتماعية غير مسبوقة وإن كانت المطالب مشروعة، لكن وجدت في ظل أزمة مالية وغياب سند سياسي أو نقابي، ضف إلى ذلك العالم الاتصالي الذي شهد أيضا تغيرا كبيرا جدا، إذ هناك بعض الأطراف التي فهمت الدور الجديد المحوري للاعلام كسلطة رابعة ولكن للأسف هناك الكثير من لم يفهم ذلك..

هذا الخليط جعلنا لا نعمل في ظروف عادية البتة، دعمتها المشاكل الإدارية باعتبار أن التغيير الاداري العميق لم يحدث بعد مما يضطرك إلى العمل بالادارة القديمة التي لا تواكب العصر.. وهذا ايضا ليس تبرير.. ولكن أريد أن أوجه رسالة لكل من يريد أن يقوم بالتحليل الموضوعي لأداء الحكومة السابقة بانه لا بد أن يأخذ بعين الاعتبار الوضعية التي عملنا فيها سواء لتقييم الفشل أو لتقييم النجاح.

حققنا الإيجابي وكان هناك أيضا السلبي.. وأعتقد رغم هذه الصعوبات تمكنت الحكومة من القيام ببعض الانجازات رغم أنها ليست كافية لإصلاح الوضعية التي تعيشها بلادنا، واعتقد أن أكبر تحدّ للسنوات القادمة سيكون على المستويين الاجتماعي والاقتصادي لأننا في رأيي الخاص مارسنا الكثير من السياسة ولم نقم بإدارة البلاد إدارة رشيدة بما فيه الكفاية.

هل ترى إذن أن حكومة الشاهد خلفت تركة إيجابية للحكومة القادمة لتبني على أساسها للمستقبل؟

أستطيع أن أؤكد أن الفترة الأخيرة تعتبر أفضل بكثير من الفترة التي وجدت حكومة الشاهد البلاد عليها سنة 2016، وهذا مثبت بالأرقام، ولكن يبقى السؤال هل كنا نستطيع القيام بالأفضل؟ أنا متاكد من هذا.. ولكن لو اشتغلت الحكومة في ظروف عادية لكنا قمنا بنتائج أحسن.. لذلك فعلا نستطيع أن نبني على ما أنجزته حكومتنا، لأن الأهم في كل ما مضى أنها حافظت على مؤسسات الدولة واحترمت القوانين وطبقتها حتى عندما كان ذلك صعبا في ظل الظروف السابق ذكرها..

هناك ايضا تعافي المالية العمومية والذي كان ثمنه باهضا إذ كان على حساب ارتفاع الأسعار وتدهور المقدرة الشرائية للمواطن.. ولكن واجهنا ذلك رغم عدم اقتناع جزء كبير من الشعب بضرورة القيام بذلك، حتى نلمس النتائج على المديين المتوسط والبعيد.. نحن لم نمارس الشعبوية كالحكومات السابقة التي أثقلت كاهل الدولة بديون لا تطاق ولكننا اوقفنا هذا النزيف.. هذا لا يستطيع الكثيرون تفهمه في الوقت الحالي ولكن هذه حقيقة الارقام وهو ما لا يمكن التسويق له سياسيا بسهولة.

النجاح الأمني كذلك.. فلا يعني عدم تسجيل ضربات ارهابية أن الحكومة لم تقم بما يجب القيام به لتحقيق ذلك، بل بالعكس هي عملت على أن لا تتم مثل هذه العمليات.. ورأينا جميعا كيف أن الحكومات السابقة عندما تساهلت بعض الشيء مع الأمور الأمنية ضرب الارهاب في قلب العاصمة.. ولهذا حكومتنا ككل عملت على المحور الأمني الذي يعتبر أساسيا.

ايضا فكرة محاربة الفساد.. من المفرح اليوم أن نستمع إلى العديد من السياسيين وممثلي الاحزاب وهم يتحدثون عن محاربة الفساد في برامجهم حتى من خلال المزايدات على أساس أنها تحارب الفساد أكثر من هذه الحكومة.. وذلك غن دل على شيء فهو يدل على اقتناع الجميع بأن محاربة الفساد أصبحت أولوية الأولويات.. هذا شيء إيجابي…

المهم أن هذه الحكومة هي من وضع على الطاولة هذا الاشكال إذ لم نكن نسمع منذ 2011 وإلى غاية 2016 أي مسؤول أو سياسي يتكلم عن مكافحة الفساد ثم أصبحت مزايدات سياسية.. الكلام سهل لكن نحن كنا نمارس ذلك على أرض الواقع في ظل كل الظروف التي أشرنا إليها ومع ذلك مررنا قوانين بصعوبة شديدة صلب البرلمان وتم إيقاف متهمين وحدث كنس في أغلب الوزارات لعدد من الفاسدين.

لكن هناك عديد التأويلات التي ذهبت إلى أن هذه الحرب ارتكزت على "سياسة الكيل بمكيالين"؟

أنا أعتقد أن هذا كلام صدر عن أطراف لم تكن راضية على وجود مثل هذه الحرب على الفساد.. وضرب هذه الحملة التي أسعدت الرأي العام وأخذت شعبية واسعة لا يمكن أن يتم إلا عبر التشكيك فيها والترويج إلى أنها غير جدية.. هذه طريقة بديهية في تاريخ السياسة لضرب الخصم ولكن مع الأسف الماكينة الاعلامية والفايسبوكية سقطت في الفخ بسهولة.

هناك من لم يطبق عليه القانون مثل غيره هذا ممكن ولا ننكره، وإنما مرده دائما الظروف القانونية والإدارية والأمنية والقضائية الصعبة، ولذلك يجب أن نعي دائما بالفرق بين أخذ القرار وتطبيقه والذي يبقى الأصعب دائما.

بعد ثلاث سنوات شهدت حركية كبيرة على مستوى وزارة التعليم العالي.. ما هي أبرز الصعوبات والتعطيلات التي واجهتموها طيلة فترة عملكم؟

التحدي كان دائما في كيفية إدارة الأزمات التي كانت تعترضنا يوميا في وزارة تشغل 45 ألف موظف ويتبعها 250 ألف طالب و23 ألف أستاذ.. لم يكن يمر يوم دون استقبال ما يقارب 5 ملفات عالقة وأزمات حقيقية سواء بين الطلاب أو بين الطالب والأستاذ أو بين الاستاذ والإداري، زد إلى ذلك النقابات، علما وأن قطاع التعليم العالي الوحيد في تونس الذي تمثله نقابتان كل واحدة لها تمثيلية مهمة وفاعلة سواء من ناحية الطلبة أو من ناحية الأساتذة، ورغم ذلك واصلنا القيام بالتغييرات والاصلاحات ووضع استراتيجيا جديدة للعمل.. في بعض الوزارات الأخرى هذه الضغوطات الادراية والنقابية لم تمكن من وضع الاصلاحات والتغييرات اللازمة.

لقد قمنا بمجاراة الأزمات وهي كثيرة ولكن لم نفرط في كل ما هو تغيير وإصلاح برؤية استشرافية على مدى الـ15 سنة القادمة، وكانت هناك قرارات قد لا تكون مرئية في الوقت الحالي أو لا يمكن التسويق لها بطريقة إيجابية ولكن قمنا بها لوعينا بأنها ستكون في صالح الجامعة التونسية.

في التعليم العالي كانت هناك ايضا مظاهر فساد لكن ليس بنفس خطورة القطاعات الأخرى التي تعنى أكثر بالجانب المالي.. في وزارتنا كانت المشاكل منحصرة أكثر في جودة الخدمات ونقص الشفافية في كل ما له علاقة بالامتيازات الممنوحة للطلبة والاساتذة.. كنا ثاني وزارة أمضت اتفاقية مع الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وعملنا على محورين أولهما الردع ووضعنا لجنة قارة للغرض تضم مديرين عامين من مختلف الإدارات التابعة للوزارة ومسؤولين في الهيئة وكانت تجتمع كل أسبوع، وتابعنا جميع الملفات الواردة دون أي تقصير أو إغفال ملف على حساب آخر.

الشيء الثاني الذي لم تقم به أي وزارة أخرى غير وزارة التعليم العالي هو أننا قمنا بتقديم مقترح للهيئة من أجل العمل سويا على القيام ببحوث حول أسباب تفشي ظاهرة الفساد باعتبارنا الوزارة الوحيدة التي تعنى بالبحث العلمي، والهيئة تفاعلت إيجابيا مع المقترح وقمنا بإنجاز مشروع مهم بقيمة جملية تقدر بمليون دينار النصف تحملته الوزارة والنصف الآخر الهيئة، ووضعنا 8 خابر بحث تتكون تقريبا من 100 باحث من مختلف الاختصاصات التاريخ والجغرافيا والاقتصاد والقانون وعلم الاجتماع وعلم النفس…

وقمنا بهذه المقاربة إيمانا منا بأن الردع وحده لا يكفي لمكافحة الفساد، بل لا بد من فهم المسببات العميقة والأصلية الموجودة داخل المجتمع من أجل إيجاد الحلول الكفيلة بالحد من هذه الظاهرة.. هذا المشروع البحثي سيمتد على 3 سنوات وسوف يتم تقديم تقرير لنصف الفترة قريبا بإشراف مركز الدراسات والبحوث الاقتصادية والاجتماعية.. وأنا فخور جدا بهذا المشروع لأنه مرة أخرى من المشاريع التي لا تعطي نتائج حينية ولكنها تستطيع خلال الأشهر القادمة تقديم قرار علمي للحكومة التي ستأتي فيما بعد حتى تحارب الفاسدين بطريقة جذرية وليس فقط ضرب هذا الشخص أو ذاك لمجرد الشبهة أو حتى ثبوت التهمة ضده… هذه الأشياء التي عملنا عليها التي ورغم أن نتائجها غير ملموسة حينيا إلا أنها ستعطي ثمارها خلال السنوات القادمة.

إذا كانت هناك تنازلات قدمتها وزارة التعليم العالي في سبيل إنجاح السنة الجامعية خاصة في ظل الصراع الذي عاشته مع الجانب النقابي وخاصة نقابة إجابة.. ما هي هذه التنازلات وما هي ضريبتها؟ 

لم نكن متشددين مع النقابة بقدر ما كنا متشددين من أجل القيم.. إشكالنا مع النقابات بصفة عامة كان حول الطريقة باعتبار أن المطالبة بتحسين الظروف أمر عادي ومشروع ومطلوب، وعندما نعيش في بلد ديمقراطي لابد من وجود نقابات تكون ممثلة جيدة لمنظوريها.. كنا نرفض التصرفات غير اللائقة بصفة عامة، وبصفة خاصة عندما تصدر عن الجامعيين الذين يفترض ان يقدموا المثال للمجتمع من خلال المطلبية في ظل الاحترام المتبادل..

وخلافنا الثاني طريقة الاحتجاج.. اليوم وأنت في بلد حريات لماذا تذهب مباشرة للأقصى وتجعل غيرك يدفع فاتورة مطالبك؟.. وصلنا لتهديد سنة جامعية لأول مرة في تاريخ الجمهورية التونسية وأخذ الطلبة كرهائن، وهذا ما لم نقبله.

حقيقة أن وضعية الاستاذ الجامعي تدهورت لا يستطيع أحد انكارها، وأنا تحدثت عن هذا أكثر من مرة حتى قبل الاضرابات التي تم تسجيلها.. قبل 15 سنة كان أجر الاستاذ الجامعي محترما مقارنة ببقية القطاعات أما اليوم فالجميع تمتع بتحسين الوضعية إلا هو بقي في مكانه.. أنا كممثل للقطاع قلت ذلك ومقتنع به ولذلك واصلت عملي إلى أن تم التوصل إلى اتفاق يحسن وضعية الاستاذ الجامعي.

كنا أول حكومة وأول وزارة تعترف رسميا بـ"إجابة" كنقابة في إطار التعددية النقابية ولم نتراجع عن أي اتفاق عقدناه معها ولكن الطريقة هي التي كانت مرفوضة خاصة من اشخاص يمثلون نخبة المجتمع التونسي.. في بعض الأحيان كان اختلافنا الجوهري مع الاتحاد العام التونسي للشغل أكثر من إجابة لكن توصلنا معهم لحلول عملية مكنت من تحسين وضعية الاستاذ الجامعي ونجحنا في ذلك بالحوار.

اليوم الاستاذ الجامعي تمتع بترفيع في الأجر لم يتم تسجيل مثيل له في تونس منذ الاستقلال إلى اليوم ويتراوح بين 450د و1000د حسب الاصناف وهو ترفيع عادي لأن هذه الفئة لم تتمتع بزيادات منذ سنوات طويلة، كما قمنا بالعمل على امتداد 3 سنوات على الجانب الاجتماعي لجعل الاستاذ يتمتع بامتياز "التغطية الصحية المتبادلة" (mutuelle) وذهبنا في ذلك إلى الأقصى بحيث تتحمل الدولة نصف مصاريف العلاج، ومن المفترض أن ينطلق ذلك من السنة الحالية، إضافة إلى تخصيص منحة لأبنائهم من أجل التمتع بمنحة جامعية، زد على ذلك تأمين خلاص كل مهمة يقوم بها الاستاذ الجامعي خارج ساعات التدريس المخصصة له من تأطير وتنسيق، إلى جانب تخصيص منحة للعودة الجامعية تعادل نصف الأجر الشهري الذي يتقاضاه كل أستاذ حسب الصنف.

ببساطة ما تحقق للأستاذ الجامعي غير مسبوق، وهذا مستحق نظرا للمجهودات التي يقوم بها من جهة ولكن كذلك من أجل توفير أساليب العمل المريحة التي تساعد على تحفيزه على المشاركة في القيام بالاصلاحات الضرورية لتحسين مستوى الجامعة التونسية.

هذا بالنسبة للاساتذة.. ماذا عن الطالب؟

هناك 3 محاور أساسية عملنا عليها في الوزارة من أجل مصلحة الطالب.. الأول جودة التدريس وإصلاح منظومة التعليم والثاني تحسين الخدمات الجامعية والثالث التشغيلية.

في المحور الأول اشتغلنا على تعديل نظام "إمد" الذي لاقى عديد الانتقادات منذ إدراجه في نظامنا التعليمي منذ أكثر من 12 سنة تقريبا ولكن لم يحاول أحد البحث عن مبعث الخلل، اغتنمنا الفرصة وقمنا بتغيير جذري لهذا النظام دون الاستغناء عنه خاصة وأنه معتمد من قبل 66 دولة حول العالم بينهم فرنسا وألمانيا اللتان تعتبران من بين أفضل النظم التعليمية حول العالم.. وتساءلنا لماذا أثبت نجاعة عندهم ولم ينجح في تونس، فوجدنا أن المشكل الأساسي في طريقة التطبيق إذ أن المحاور الأساسية المفترض اعتمادها تم الغاؤها على غرار المواد الإضافية التي تتعلق باللغات والثقافة العامة والتربصات المكثفة سواء في تونس أو خارجها، وكل ذلك من أجل التقشف في المصاريف..

إذا قمنا بإلغاء تقسيم "الإجازة التطبيقية" و"الإجازة الأساسية" وجعلناها إجازة موحدة تحت عنوان "الإجازة الوطنية"، وذلك بعد تشخيص معدل التوجيه الذي لم يكن عادلا ونوعية المواد التي يتم تدريسها والتي في جزء كبير منها تكون هي نفسها لكلا الإجازتين، وبالتالي أصبحت الإجازة في كل الجامعات تقوم على الجانبين النظري والتطبيقي دون تفرقة تجعل النظرة دونية لإجازة عن الاخرى.. كما رقمنا بتعميم الجانبين النظري والتطبيقي وأدخلنا المواد الإضافية وإجبارية التربصات سنويا إضافة إلى المهارات اللينة المتمثلة في المبادرة الخاصة وعلوم الاتصال والعمل في مجموعات، وغيرنا طريقة الامتحان إذ كانت 30 بالمائة مراقبة مستمرة و70 بالمائة امتحان رسمي وهو غير عادل بالنسبة للطالب وغير محفز.

ولكن ألا ترى أن العمل على تحسين جودة التعليم لا يجب أن يقتصر فقط على المستوى الجامعي باعتبار أن سنوات التكوين السابقة تكون أطول بكثير وتعتبر هي الأساس الذي يحدد توجهات الطالب في التعليم العالي؟

(غير متردد) نعم فعلا.. ولقد قمنا في هذا الإطار وبالشراكة مع وزارة التربية بإصلاح منظومة التوجيه الجامعي التي لم تتغير منذ 25 سنة.. فمن المفروض أن الطالب يتخرج من الباكالوريا متمكنا على الأقل من اللغات الثلاث وهذا غير موجود اليوم.. لذلك وضعنا لجنة خاصة بين الوزارتين لندرس هذا الخلل.. وهذا اصريت عليه بعد تجربة 5 أشهر في وزارة التربية لاحظت فيها هذا النقص وعاينته عن قرب.. الاشكال الكبير الاول الذي عايناه هو عدم اتقان اللغة وهو ما ساهم في تسجيل إخفاق كبير لدى الطالب الذي يتلقى تكوينه عامة باللغات الأجنبية وبالتالي تصبح مشكلته لغوية وليست تقنية..

وفي هذا الإطار، قمنا بتنفيل المعدلات في اللغات وكذلك المواد الأساسية لكل شعبة وزدنا على ذلك التمييز الإيجابي دون المساس من الجودة بما يعني اننا أضفنا لكل شعبة 8 بالمائة من القادمين من الجامعات الداخلية الذين لم يتحصلوا على التوجيه المرغوب المرة الاولى بمعدل أقل من المطلوب بـ2.7 على 200 نقطة وبالتالي عوض أن يتحصل على شعبة الطب بمعدل 17.55 يكفي أن يكون حاصلا على معدل 17.20 يعني الفرق ضئيل وضئيل جدا دون المساس دائما من الجودة.

كما أضفنا التوجيه بالمهارات لصالح التلاميذ الموهوبين الذين لهم مهارات عالية في اختصاصات معينة مثل الاختصاصات التكنولوجية ولكنهم لا يتحصلون على معدلات كافية لدخول جامعات الاختصاص.. لذلك بعثنا لجان خاصة تقوم بتقييم مهارات هؤلاء عن طريق امتحان تطبيقي إذا تخطاه المعني بالأمر يتم تمكينه من الشعبة حتى وإن كان معدله العام في الباكالوريا لا يخوله لذلك ولكنه اثبت موهبة سواء علمية او فنية أو أدبية خاصة في الصحافة.

التغيير في التوجيه الجامعي كان كبيرا جدا والسنة الفارطة سجلنا أقل نسبة رفض لمطالب التوجيه.

لو نتابع الحديث عن بقية المحاور التي اشتغلتم عليها لفائدة الطالب؟

نعم.. المحور الثاني هو تحسين جودة الخدمات الجامعية سواء على مستوى الأكلة الجامعية التي تتكلف أكثر من 7 دينارات للطالب وهو لا يدفع سوى 200 مليم ونقدم تقريبا 80 ألف وجبة يوميا، والتي ورغم الانتقادات الموجهة لجودتها إلا أنها تعتبر محترمة وإلا لتسببت في انتشار الأوبئة في البلاد وهذا بمجهود الدولة الخالص دون مشاركة القطاع الخاص أو غيره. كما قمنا بالضرب على يد الفساد في صفقات التزويد إضافة إلى تكوين الطباخين في الخارج…

كذلك عدد الأسرّة ارتفع إلى 65 ألف سرير في جميع المبيتات الجامعية في الجمهورية التونسية وبالتالي أصبحت وزارة التعليم العالي الأولى في خدمات المطاعم والفندقة في تونس، وأصبح من حق كل طالب التمتع بسنتين في المبيتات الجامعية العمومية ولكل طالبة الحق في 3 سنوات بعد أن كانت سنة واحدة للأول وسنتين للثانية، دون الزيادة في السعر رغم الضغوطات المالية الكبيرة.. إضافة إلى خلق الديناميكية الجمعياتية في الجامعات والتي كانت وراءها الوزارة من خلال التمويلات والتسهيلات والتراخيص والضغط على عمداء الجامعات من خلال التكوين في المجال الجمعياتي وإقناعهم بأن العمل الجمعياتي مهم بالنسبة للطالب حتى في جودة التعليم من خلال الممارسة…

المحور الثالث ارتكز على التشغيلية خاصة بعد اقتران صورة المتخرج الجديد بالبطالة طيلة السنوات الاخيرة وهو أمر غير معقول أو مقبول.. كان يجب وضع منظومة هيكلية تواكب التأطير ولكن ليس بعد التخرج بل خلال سنوات الدراسة وقمنا ببعث مراكز المهن والإشهاد التي ارتفع عددها من 6 مراكز فقط قبل قدومنا إلى الوزارة إلى 150 مركز.. 75 بالمائة من المؤسسات الجامعية الآن تضم هذا النوع من المراكز الذي يسمح بالالتقاء الدوري بين الطالب والاستاذ المؤطر والشركات المشغلة من القطاع الخاص.. وبالتالي أصبح المشغل هو من يطلب من الطالب الذي تعامل معه في تربصات متعددة ليكون معه رسميا بعد الانتهاء من الدراسة.

وهناك أيضا مشروع آخر افتخر به وهو "الطالب باعث المشروع" والموجود فقط في 5 بلدان حول العالم، حتى في أوروبا لم ينطلقوا في تطويره إلا مؤخرا ونحن كنا السباقين في ذلك وقمنا به بالشراكة مع الوكالة الجامعية للفرنكوفونية (AUF)، وهو مشروع يخول للطالب بمجرد الدخول للجامعة بعد التحصل على الباكالوريا من تقديم ترشح للحصول على صفة "طالب باعث مشروع" إذا لمست فيه اللجنة المخصصة للغرض موهبة وقدرة على تطوير تلك الموهبة، ويصبح لديه مدرب أكاديمي ومدرب مهني يتابعانه ويؤطرانه طيلة سنوات الدراسة، وتتم إضافة مشروعه للمواد التي يدرسها مع حذف مواد أخرى يصبح غير معني بها كطالب من فئة خاصة، وتجرى له تقييمات كل 6 اشهر تخول له التدرج من طالب باعث مشروع "مبادر" إلى "مبتكر" إلى "مطور" تتكفل الوزارة بمساعدته فيما بعد على تمويل مشروعه ليكون لا فقط صاحب مشروع بل مشغلا وفاعلا في سوق الشغل.

هذا المشروع انطلق منذ سنتين في جامعتي صفاقس وقرطاج وتم تعميمه خلال السنة الجامعية الحالية بعدما أثبت نجاعة وإقبالا وخاصة تغيرا إيجابيا ملحوظا في عقلية الطالب وطموحه.

لو هناك توصيات يقدمها سليم خلبوس للوزير الجديد في الحكومة المنتظرة، ماهي أهمها؟

كنت سلمت الوزير بالنيابة حاتم بن سالم ملفا يضم النقاط الكبرى التي عملت عليها الوزارة والتي تحدثنا عنها اليوم من أجل مواصلة تمويل مراكز المهن وفسرت فيه أين وصلنا في تغيير نظام "إمد" إذ ابتدءنا بالاجازة ومازالت الماجستار والدكتوراه وفيها مشروع موضوع، وأيضا هناك المشاريع الكبرى مثل الجامعات الدولية التي من شانها جلب استثمارات كبيرة لتونس والتي هي ليست جامعات خاصة مثلما يروج له البعض بل هي جامعات عمومية بالتعاون مع القطاع الخاص لتحسين التشغيلية وهي مجعولة لاستقطاب الطلبة الأجانب ليكونوا أحسن سفراء لتونس وفي ذلك مشروعان مع الجانبين الألماني والفرنسي سجلنا فيهما تقدما جيدا ولكن يجب العمل على استكمال الاجراءات لانطلاق التفعيل.

كذلك البحث العلمي الذي قمنا بعديد الاصلاحات من أجل تطويره على غرار جعل البحث العلمي ينفتح على العالم الاقتصادي ولا يبقى مجرد حبر على ورق 

ترددت عديد التهم الموجهة لوزير التعليم العالي المستقيل حول وجهته الجديدة ولكن لم يصدر عنك اي رد يذكر على الأقل لتوضيح المسار المتبع لوصولك إلى هذا المنصب والغاية منه؟

(مبتسما) أولا هذا المنصب لا يستطيع الترشح له سوى أستاذ جامعي له في مسيرته تجربة في تسيير مؤسسات جامعية وهي منظمة غير حكومية موجودة منذ 60 سنة كل الجامعات العمومية التونسية عضو في هذه المنظمة .. وهي منظمة أعرفها جيدا منذ كنت طالبا فأستاذا ثم عندما تعاملت معها كمسؤول على رأس وزارة التعليم العالي، وعلمت أنها أطلقت طلب عروض من أجل انتخاب رئيس جديد لها خلال شهر جوان الفارط الذي تزامن وقتها مع اعلان روزنامة الانتخابات في تونس والتي تقررت انطلاقا من شهر أكتوبر، وكان يفترض أن يشهد أول نوفمبر تنصيب الحكومة الجديدة ولهذا قررت التقدم لهذا المنصب لأنني لم اكن أرى أنني سأواصل العمل على رأس الوزارة مهما كانت الحكومة، ورأيت أنه من الصالح للقطاع ولشخصي تغيير الوجهة دون تغيير الاختصاص ولكن على مستوى دولي وقررت فعلا تقديم ترشحي، وإذا تم انتخابي أكون عندها أتممت مهمتي على رأس الوزارة، وأنا حرّ إن كنت سأعود للتدريس في تونس أو أي وجهة أخرى وذلك كان بعلم رئيس الحكومة يوسف الشاهد.

هذا في ما يتعلق بالمسار.. بالنسبة إلى الغاية لا بد أن نعلم أولا أن ألف جامعة تتبع هذه المنظمة العريقة وهناك 30 بلدا في مجلس الإدارة معنيا بالتصويت لرئاستها وقد وقع الاختيار على المفات في مرحلة أولى على 15 مترشحا ثم بقيت في نصف النهائي 5 أسماء ثم انتقل إلى النهائي اسمان.. علما وأنني قمت بنفس ما قام به جميع المترشحين أمام مجلس الإدارة وخضت 3 اختبارات دون أن أقصر في عملي على رأس الوزارة أو يؤثر منصبي على أي عضو في المنظمة للتصويت لصالحي، وحصلت على منصبي باستحقاق وبمجهود شخصي في ظل منافسة غير سهلة.

كما يجب أن يعلم الجميع أنه ولاول مرة في تاريخ هذه المنظمة الذي يزيد عن 60 سنة، يتم انتخاب شخصية غير أوروبية على رأسها لأنه ومنذ إحداثها كان العميد دائما فرنسي الجنسية.. ونظرا لدورها السياسي والاقتصادي والعلمي الكبير جدا ولما تضمه من اعتمادات مالية ضخمة تضخها البلدان المكونة لمجلس الإدارة مهم جدا أن يكون الشخص الذي سيتم انتخابه على رأسها أهل ثقة للتصرف في الميزانية المخصصة وبالتالي عندما تضع بلدان عظمى ثقة في عربي افريقي اعتبر هذا مفخرة بالنسبة لتونس.

فترة المباشرة تمتد لأربع سنوات تتجدد مرة واحدة، والمقر بين مونتريال وباريس، ولها 60 موقعا في العالم و118 بلد عضو في هذه المنظمة رغم انها ليست جميعها بلدان فرونكوفونية ولكن من دور هذه المنظمة، إضافة إلى دورها الاساسي المتمثل في مواكبة الاصلاحات في الجامعات في البلدان الفرونكوفونية مثلما هو الامر في تونس، هو إدخال التكوين الفرنكفوني في البلدان غير الفرنكوفونية حسب طلب تلك البلدان ومقترحاتها.

مهم جدا أيضا أن هذه المنظمة ليست ضد اللغات الاخرى المتداولة مثلما يروج له البعض، على العكس هناك تعاون كبير بين شبكة الجامعات الانقلوفونية.. هذا لا يلغي هذا ولكن هذا مع هذا.. وفي تونس لدينا مكسب ثقافي لغوي اقتصادي لا بد أن نحافظ عليه هذا هو الهدف.

وبالمناسبة أريد ان أقول لجميع من يبنون مواقف إيديولوجية ضد الفرنكوفونية أن هذه العقلية تجاوزها التاريخ.. اقتصاديا في تونس لا بد من التوسع عالميا للتصدير، واليوم أوروبا أصبحت لا تستوعب صادراتنا المرتكزة أساسا على الموارد الطبيعية كزيت الزيتون والتمور وغيرها، وفي المقابل هناك افريقيا حاليا السوق التي يمكن التوجه إليها، وثلثي البلدان الإفريقية اليوم فرنكوفونية وكل الدراسات الدولية تقول أن أكبر تطور اقتصادي وبشري سوف يكون في هذه البلدان الافريقية خلال العشرين سنة القادمة واعتبار تونس بوابة لإفريقيا يجب أن يطبق على أرض الواقع.. التموقع مهم.. لذلك من يعتبر أن الفرنكوفونية اليوم غير مهمة يعتبر غير ملم بالوضع الجيوسياسي في العالم، القوى الاقتصادية العظمى في العالم تموقعت في افريقيا وتونس التي تعتبر بوابة العبور ولها علاقات طيبة وصدى جيد هناك أين هي اليوم في هذه المنطقة؟

بالنسبة لمقولة إن "سليم خلبوس كان ضد هجرة الكفاءات ثم هو أول من هرب"، هذا مردود على أصحابه ومع الأسف هناك احيانا اطراف سياسية هي التي تروج لذلك.. هناك فرق اليوم بين هجرة الكفاءات والحركية الدولية التي تعتبر إيجابية جدا لتونس حتى نكون أصحاب قرار في الخارج لصالح البلاد. 

(ضاحكا) كانت لي عشرات الخطابات طيلة الثلاث سنوات الفارطة ضد هجرة الكفاءات لم يتفاعل معها أحد في وقتها، واليوم عندما تقلدت هذا المنصب تذكروا ما كنت اقوله؟ قلت إن هجرة الكفاءات تصبح معضلة عندما تهاجر الكفاءات أو الطلبة وتكون الدولة على غير علم أو اتصال بهم أو عندما يعود أحدهم لبلده ولا يجد تفاعلا، ولكن عندما يظل باتصال مع بلده يمكن أن ينفعها أكثر من بقائه فيها من أجل الانفتاح على التطورات والتجارب المتقدمة.

ليست المرة الأولى التي أغادر فيها تونس لكسب التجربة والمهارات وأعود إليها لخدمتها، وهو ما سأقوم به حاليا ومن موقعي سوف أقوم بنفع بلدي أكثر مما كنت موجودا فيها من خلال جلب تمويلات ومنح جديدة في نطاق التجديد البيداغوجي، ومن ناحية أخرى تطوير شبكة العلاقات ونحن على أبواب القمة الفرنكفونية العالمية التي ستعقد لأول مرة في تونس وهي التي يتقرر فيها أهم التوجهات الاقتصادية والسياسية في العالم الفرنكوفوني على مدى سنتين. 

ولهذا هذه هي فرصتنا في تونس إذ سيحضر القمة حوالي 80 من رؤساء الدول والحكومات.. مازال امامنا سنة فقط للبناء لمستقبل تونس اعتمادا على هذا الحدث.

من هنأ سليم خلبوص بالمنصب الجديد من زملائه في الحكومة؟

(ضاحكا وغير متردد) رئيس الحكومة وبعض الوزراء.. بالمختصر عدد قليل.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.