حوار/ سلسبيل القليبي: استفتاء 25 جويلية ليس مبنيّا على أية قاعدة تشريعية.. وآليات الرقابة غائبة

هبة حميدي-

تشهد بلادنا خلال الشهر المقبل محطة انتخابية مهمة، حيث دعي التونسيون من خلال أمر رئاسي الى المشاركة في الاستفتاء المزمع تنظيمة في 25 جويلية 2022.

محطة انتخابية كثر حولها الجدل بين مؤيد ورافض في ظل ضبابية مسار الاستفتاء، وعن ماهية الاستفتاء وأنواعه وآليات مراقبته، تحدثت حقائق اون لاين، مع استاذة القانون الدستوري سلسبيل القليبي، التي اعتبرت ان الاستفتاء الدستوري دقيق جدا ويحمل العديد من المخاطر، لانه ليس استفتاء على مسألة معينة وواضحة يمكن الاجابة عليها بنعم  او لا، اذ لا يمكن تقديم اجابة قطعية في مسألة متشعبة، اضافة الى انه استفتاء مباشر لا يمر عبر هيئة مداولة تختلف فيها الأراء لتكوّن موقفا ورأيا لدى عامة الناس.

وفي مايلي نص الحوار:

ماهو الاستفتاء وماهي أنواعه؟ 

الاستفتاء هو التوجه بسؤال لعموم الناخبين والناخبات وطلب الاجابة بنعم او لا على سؤال معيّن، وله اصناف ومعايير مختلفة.

المعيار الاول يتعلق بموضوع الاستفتاء ويمكن ان يكون استفتاء تشريعيا: وهو استفتاء حول نص قانوني قوامه طلب الناخبين بالاجابة بنعم او لا  لاعلى تبني نص قانوني او يمكن ان يكون استفتاء دستوريا موضوعه نص دستوري.

والاستفتاء الدستوري نفسه يمكن تفريعه الى قسمين: استفتاء دستوري تأسيسي يعني النصّ المعروض على الاستفتاء هو نص دستوري جديد في إطار مسار تأسيسي جديد، ويمكن ان يكون الاستفتاء الدستوري تعديليّ، حول عملية تعديل اي تغيير دستور قائم،  والتغيير او التنقيح يجب ان يتم وفق اجراءات النص الدستوري القائم وموضوعه تعديل هذا النص.

ويوجد تصنيف اخر حول مآل الاستفتاء، ونتحدث هنا عن استفتاء استشاري حيث يطالب الناخب بالاجابة بنعم أو لا، حول قضية محدّدة  لكن لا يترتب عليها ظهور نصّ قانوني جديد،  مثلا اصلاحات أو سياسات او استراتيجيات مقبلة، والاستفتاء ذو الطابع الاستشاري لا يقيد السلطة التي طلبت الاستفتاء او يلزمها بأي امر.

وبالنسبة للاستفتاء التقريري، فإن الاجابة التي سيقدمها الشعب ستقيد السطة التي طلبت الاستفتاء وتفرض عليها الاحتكام الى موقف الشعب إما بتنبني النص اذا كانت الاجابة بنعم او بسقوط النص وابقاء الوضع على ما هو عليه إذا تمت الاجابة بـ لا.

كما يوجد استفتاء يتعلق حول الجهة التي طالبت بالاستفتاء ونميز بين الاستفتاء الذي تطالب به سلطة قائمة تتمثل في رئيس جمهورية أو رئيس حكومة، وإذا كان الطلب قادما من قبل الشعب عندها نتحدث عن مباردة شعبية او استفتاء شعبي..

ماهي الاستفتاءات التي شهدتها تونس؟ 

تونس عرفت الاستتفتاء من دستور 1959 وليس في نسخته الاصلية وانما بعد التعديلات المتعددة التي طرأت عليه، وكانت الصيغة وجوبية بالنسبة للمعاهدات واختيارية للاستفتاء على الدستور، وفي كلتا الحالتين العرض على الاستفتاء لا يكون مباشرا ويعقب دائما عرضه على المجلس النيابي.

اول حقبة تاريخية  شهدت الاستفتاء وفق دستور 1959، كانت على خلفية التنقيح الدستوري لسنة 1976، والاستفتاء الوحيد وفق دستور 1959 في تلك الفترة هو الاستفتاء حول المعاهدات الدولية التي تندرج ضمن الوحدة المغاربية المرتبطة بالعلاقات بين دول المغرب العربي.

وفي ذلك الوقت تم ابرام معاهدة الوحدة بين تونس وليبيا، ثم تراجع فيها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وطرح تراجعه حينها مشكلا افرز ازمة مع دولة ليبيا، وتجنبا للتسرع في  الاجراءات جاء في الفصل 2 من دستور 1959: "ان الجمهورية التونسية جزء من المغرب الكبير تعمل لوحدة في اطار المصلحة المشتركة وان المعاهدات المبرمة في هذا الغرض والتي قد يترتب عنها تحويل ما لهذا الدستور يعرضها رئيس الجمهورية على الاستفتاء الشعبي بعد ان يوافق مجلس نواب الشعب".

وحينها لم يكن الاستفتاء مباشرا مع الشعب.

اما الاستفتاء الثاني كان استفتاء دستوريا حول تنقيح الدستور وجاء في  الفصل 77 في الفقرة 2: "عند اللجوء اللى الاستفتاء يعرض رئيس الجمهورية مشروع تعديل الدستور على الشعب بعد موافقة مجلس النواب في قراءة واحدة بأغلبية مطلقة لاعضائه"، اي بمعني الموافقة الشعبية على التعديل لا تحل محل الموافقة النيابية.

والاستفتاء الثالث جرى في 2002 حول مشروع تعديل الدستور حينها صادق عليه مجلس النواب ثم عرض على الاستفتاء.

ماهي اجراءات الاستفتاء في دستور 2014؟

ضبط القانون التأسيسي عدد 6 المؤرخ في 16 ديسمبر 2011، القاضي بالتنظيم المؤقت للسلط العمومية الذي يعد اول نص اصدره المجلس الوطني التاسيسي بعد انتخابه، الاجراءات التي يتم بمقتضاها المصادقة على الدستور الجديد المزمع وضعه باعتبار اننا لسنا في اطار تعديل وانما في اطار تأسيسي.

ونص القانون في الفصل 3 على انه: يصادق مجلس الوطني التأسيسي على مشروع الدستور فصلا فصلا بالاغلبية المطلقة ثم تتم بعد ذلك المصادقة عليه برمته باغلبية الثلثين من اعضاء المجلس، واذا تعذر ذلك فبذات الاغلبية في قراءة ثانية في اجل لا يزيد عن شهر من حصول القراءة الاولى اذا تعذر ذلك مجددا يتم عرض مشروع الدستور برمته على الاستفتاء العام للمصادقة الاجمالية عليه وذلك باغلبية المقترعين.

يعني الاستفتاء التأسيسي المرتبط بوضع دستور جديد، هو استفتاء احتياطي غير اجباري وانما اجراء احتياطي في صورة اذا اخفق المجلس الوطني التأسيسي على الموافقة على مشروع الدستور الجديد في القراءة الاولى وفي المحاولة الثانية وفي المحاولة الثالثة ان ذاك فقط يتم تحكيم الشعب.

وبذلك فإن دستور 27 جانفي 2014 هو نفسه كرس آلية الاستفتاء بصنفيه التشريعي والدستوري:

فالاستفتاء التشريعي على نص قانوني والشعب سيجيب بنعم ام لا وينظمه الفصل 82 من الدستور، وهو لا يعد الاداة العادية للمصادقة على القوانين وانما اداة استثنائية حول مواضيع معينة حقوق وحريات معاهدات، احوال شخصية، وهو غير مباشر لانه يتطلب مصادقة مجلس نواب الشعب وبالتالي الاستفتاء في المادة التشريعة ووفق دستور لا يتم الا بعد مصادقة المجلس على مشاريع القوانين محل الاستفتاء.

اما بخصوص الاستفتاء الدستوري فهو متعلق بتنقيح الدستور وفق الفصل 144 من دستور 2014، وهو ايضا استفتاء غير مباشر لايتم فيه اللجوء للشعب الا بعد موافقة مجلس الشعب، وبالتالي فإنه لا يوجد في دستور 2014  استفتاء مباشر، ليس لنا امكانية اللجوء مباشرة الى الشعب لاستفتائه في المادة التشريعية او المادة  الدستورية، فكل الاستفتاءات تتم بعد تدخل مجلس النواب للموافقة على ما يعرض عليها اما من مشاريع قوانين او مشاريع تعديل الدستور.

وماذا عن استفتاء 25 جويلية 2022؟

مهما كان الوضع او الخيار سواء في اتجاه تعديل دستور أو وضع دستور جديد نحن خرجنا عن اطار دستور 2014، واجراءات التعديل يجب ان تتم وفق دستور 2014 الذي برمج تعديله، لانه تبنى امكانية تعديله ونظمها.

هذا الاستفتاء الذي سيتم تنظيمه في 25 جويلية 2022 خارج عن نطاق دستور 2014، فإذا كان استفتاء تأسيسيا اي من اجل وضع دستور جديد فالبضرورة هو خارج عن نطاق الدستور، فوضع دستور جديد هو عبارة عن التخلي والقطع مع شرعية دستورية قائمة.

وهذا المسار ليس له اي علاقة بما نصّت عليه اجراءات الباب الثامن من الدستور من تعديله، وهذا المسار ليس خرقا  للاجراءات فقط وانما خرق للظروف المناسبة لتعديل الدستور.

فوفق الباب الثامن يوجد فاعلين رئيسيين في مسار التعديل غائبين، وهما مجلس النواب الذي يجب ان يوافق على التعديل وفق دستور 2014، والفاعل الرئيسي الثاني الغائب هو المحكمة  الدستورية الذي حدد الباب الرابع من الدستور دورها والمتمثل في التثبت من مدى احترام عملية التعديل.

هذه الاجراءات التي ضبطها الدستور وبالتالي لا يمكن بأي حال من الاحوال الحديث عن تعديل دستور 2014 ونحن مخالفون للاجراءات .

اذن الاستفتاء مخالف للاجراءات رغم صدور أمر رئاسي فيه دعوة الناخبين للاستفتاء؟

بالنسبة للامر عدد 506 الذي دعا الناخبين الى الاستفتاء، لا يمكن أن يتأسس على الدستور وهو خارج عن الدستور وقطع معه، ومخالف للمقتضيات الشريعية إذ لا لايمكن ان يتأسس على دستور  2014 وهو ليس متجذرا في اي نصّ قانوني آخر.

هل يمكن الطعن في نتائج الاستفتاء؟ 

 نعم نفس المسار في الانتخابات والقوانين ينطبق على الاستفتاءات، ويمكن الطعن في نتائج الاستفتاء.

مقارنة بتجارب الديمقراطيات هل يعد الاستفتاء المباشر الذي سيجري في 25 جويلية 2022 حرا وشفافا؟

في الدول الديمقراطية لا يوجد استفتاء مباشر، الاستفتاء دائما يكون لاحقا لهيئة نيابية او مجلس نيابي، لا يمكن التوجه مباشرة الى الشعب، لان المجلس النيابي يتداول في النص ويناقشه ثم يتم اللجوء الى الشعب مثل ما نص عليه دستور 2014.

كيف سيتم مراقبة عملية الاستفتاء؟ 

في الديمقراطيات الاستفتاء خاضع للرقابة مثل الانتخابات، تتم الرقابة  اولا على طبيعة السؤال المطروح وتقوم بها المحاكم الدستورية، للكشف هل ان الشعب له أن يبدى رايه حول نص معين ام انه استفتاء يهدف الى اضفاء مشروعية الى طالب الاستفتاء او تزكية او دعم سياسي لشخص ما.

فمثلا من خلال التجربة الفرنسية سنة 1962 والاستفتاء الذي جرى عامها، كان النص القانوني غير مهم ولكن اذا سنقبله سيكون غطاء سياسيا ودعما لطالب الاستفتاء الذي لجأ له شارل ديغول وقد وافق حينها الفرسيون، وكان يتمحور حول تغيير طريقة انتخاب رئيس الجمهورية الفرنسية، وكان يحمل طلب دعم شعبي أكثر من استفتاء على القانون.

ايضا ان المحاكم  الدستورية تراقب الاستفتاء، هل يوجد فعلا طلب تدخل الشعب وابداء رأيه وموقفه اوانحراف بالاستفتاء وتحويله من أداة لاستشارة الشعب الى اداة للتزكية او دعم او منح شرعية للجهة التي طلبت الاستفتاء.

كما يوجد رقابة ثانية على النتائج لا تختلف عن رقابة نتائج الانتخابات وهي موكولة ايضا للقضاء، ويوجد ايضا في القانون الانتخابي لسنة 2014 الذي نص على النزاعات المتعلقة بالانتخابات والنزاعات المتعلقة بالاستفتاء.

لكن نحن في تونس المحكمة الدستورية غائبة اصلا، ولا يوجد ما ينص في الدستور او في قانونها الاساسي على مراقبة الاستفتاء.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.