الفنّان المسرحي طلال الدرجاني: نشأة المسرح العربي زائفة.. لا أؤمن بالموهبة.. وجامعاتنا بلا منهج

يسرى الشيخاوي-
هو فنان مسرحي يغرّد خارج السرب، يعلي راية العلم والمنهجيات الأكاديمية في أعماله المسرحية، ويصرخ دون انقطاع  ليعرّي النشأة الزائفة للمسرح العربي مرورا بالرواد وصولا إلى الأصرحة الأكاديمية، هو المخرج والسينوغراف والباحث في المسرح طلال الدرجاني.
 
والمسرحي طلال الدرجاني من الفنانين اللبنانيين الملتزمين الذي اختاروا طريقا معبدة بالأشواك لم يلقوا بالا لوخزها ومارسوا الفن من أجل الفن بعيدا عن الابتذال والاستسهال، وبالتوازي مع فضحه للمغالاة في اعتبار بعض المسرحيين العرب روّادا وتعرية العلل الأكاديمية في ظل غياب مناهج تعليمية، يتجاوز الدرجاني الهموم المسرحية ويشكل ملامح مسرح لا يشبه إلاه.
 
للحديث عن "معاناة المسرح العربي" من "النشأة الزائفة" إلى "تغييب المنهج الاكاديمي" وعن الوعي الفكري والثقافي الذي يؤسّس لنهضة المسرح العربي، وعن مقومات العمل المسرحي الجيّد، التقت حقائق أون لاين الفنّان المسرحي والأكاديمي طلال الدرجاني وكان لها معه الحوار التالي:
 
"معاناة المسرح العربي نشأته الزائفة وتغييب المنهج الأكاديمي"، عنوان لأحدث بحوثك وهو ما يعكس قناعة بأن المسرح العربي يغرق في أزمة حتّى أنّك تعتبر ألا وجود لمسرح عربي أساسا، فما مردّ هذه القناعة؟
في الحقيقة الأمر وليد بحث عميق ومطوّل إذ انطلقتُ مما يسمى برواد المسرح العربي وهم مارون النقاش وابو خليل القباني ويعقوب صنوع ومحمد عثمان الجلال، وكان أولهم من يسمى بالرائد مارون نقاش بأول عمل مسرحي "البخيل" الذي أخذه عن موليير وانطلقت من فكرة أن هذه النشأة زائفة وفيها أخطاء وإهانة للأدب العالمي وتحديدا الأدب الفرنسي بالإضافة إلى التراث العربي.
 
والبحث كان نتاجا لسؤال "لماذا نحن في الوطن العربي في أزمة مسرح وليس لدينا مسرح"، وكان الهدف معرفة مكمن المشكل فاتضح لي أن خط الفعل المتصل تاريخيا هو هذه اللغة غير الأكاديمية وغير العلمية وغير المنهجية التي اعتمدت من قبل ما يسمى برواد المسرح العربي.
 
فيما تتجلّى هذه اللّغة التي وصفتها بغير الأكاديمية؟
هم ماذا فعلوا؟ أخذوا نصوصا عن أديب مسرحي كبير هو موليير غيروا المكان والزمان والشخصيات وصنعوا منه زجلا وأضافوا إليه الأغاني الشعبية تلبية لما يريد الجمهور المستهدف يعني مسرحا حسب الطلب وأصبحوا يطورون هذه اللغة الخاطئة في المسرح  وفي الأدب وفي النصوص المسرحية وكأننا أمام مدرسة في التزوير.
 
واعتقد أن الاستعمار الفرنسي كان له دور كبير في عملية ترسيخ هذه المغالطات لأنني اعتقد أنه كان يسعى وراء هدف واحد هو انتشار اللغة الفرنسية دون الاهتمام إلى تزوير أدبهم العظيم، وتواصلت هذه المرحلة إلى حد نشأة المعاهد والجامعات الفنية وهنا برزت قضية أخرى.
 
ماهي هذه القضية؟
هي غياب المنهج، وفي لبنان مثلا هناك جامعات منذ سنة 1965 فيها قسم تمثيل يتخرّج منه ممثلين ولكن لا يوجد إلى هذه اللحظة منهج اعداد ممثل، وهناك المئات إن لم نقل الآلاف من خريجي الجامعات من الممثلين دون طرق أكاديمية، وهؤلاء الممثلين أنفسهم يصبحون فيما بعد مخرجين وهو أمر لا يستقيم.
 
ففي الدول الحضارية، وانطلاقا من فترة دراستي بالاتحاد السوفياتي كان هناك معهد خاص بالإخراج وآخر خاص بالتمثيل وآخر بالسينوغرافيا، وككل سنة تعمل لجان على تطوير المواد والمناهج، في حين أن الأكاديميات العربية لا يوجد بها منهج منذ عشرات السنين.
 
ونحن نتبنى اعمالا عظيمة وتحت ذريعة الاقتباس نشوهها ونزورها ونفسدها، وهناك اليوم من يسمي نفسه مخرجا ويختبئ وراء ما يعتبره رؤية خاصة ومدرسة مغايرة ليمنع النقاش معه بخصوص ما قدّمه اقتباسا عن أدب عظيم.
 
إذا في اعتقادك أن الجامعات العربية لا تخرّج ممثلين فماذا عن الممثلين الذين لم يدرسوا بالمعاهد أصلا؟
أنا لا أؤمن إلا بالفنان الاكاديمي، وهذا ينطبق على الاختصاصات الأخرى كالطب والهندسة..  لماذا نحن في الطب والهندسة نتبنى الاكادميين لكن هذا مستباح في الفنون؟ أنا لا أؤمن بالموهبة، أنا أؤمن بالعلم وحتى في علاقة بالعلم ليس كل من يدخل قسم التمثيل أو الإخراج يصبح ممثلا أو مخرجا.
 
وأنا حينما أناقش وضع المسرح لا أعزل اللغة المحلية عن اللغة العالمية إذا لا يمكنني مثلا القول إننا في العالم العربي نسمّي الكل فنانين وممثلين، هذا لا ينفي أن هناك عناصر رائعة في الوطن العربي وتجارب ممتازة ولكنها قليلة جدا جدا وهذه التجارب لا تستطيع إلى حد للحظة ان تقاوم  الطرف الآخر التجاري والسطحي من المسرح والسينما أو التلفيزيون.
 
تقول إنّ جامعة بلا منهج إعداد ممثل لا يتخرّج منها ممثلا، إذا الأطراف الجيّدة التي تحدّثت عنها نتاج أي مدرسة؟
أنا واثق أن في  كل معهد هناك أساتذة كبار ولكن قلائل يتبنون مناهج عالمية ومدارس عالمية ويعملون الطلاب بكل جد وصدق وضمير واخلاص وقناعة تامة بالفن والثقافة، وهذا ما يجري معي في بيروت هناك طلاب لكن قلائل مقتنعون بهذا الاستاذ ويتخرجون ممثلين جيدين ويطورون من انفسهم.
 
هناك ممثلون أعرفهم في بيروت حتى هذه اللّحظة لم يدخلوا السوق التجاري وحافظوا على نظافة التربية الفنية وهم فقراء وبحاجة إلى العمل ولكنهم اختاروا الفن من أجل الفن وخيروا العيش من وظائف أخرى، نعم هناك بجامعاتنا بالوطن العربي أساتذة مميزين وجديين وطلاب من نفس طينتهم. 
 
نحن لسنا بوضع صحي أبدا على المستوى الثقافي تحديدا المسرح وهذا منعكس ايضا على الأدب ففي الوطن العربي ككل هناك عدد قليل جدا من الروائيين الجيدين ومن القصصيين الجيدين في المقابل العشرات والمئات من أصحاب الحالة الآنية، في المسرح والأدب يبقى ما يسمى بالكلاسيك، وقليل فقط سيكونون مرجعا في وقت لاحق.
 
يعني هناك محاولات لتأسيس مسرح عربي؟
نعم هناك.. ولو كنا مُبعثرين بالوطن العربي لكن هذا هو الأمل الوحيد بأن يتم التغيير في جامعاتنا ومسارحنا نحو العالمية ونحو الحضارة العالمية بمسرح أكاديمي عالمي نستطيع أن نتفاخر به في العالم أمام أعمال عالمية. 
 
وأنا لم أبحث كيف أغير، أنا أروي غليلي بما أفعله مع زملاء جيدين، وأنا  عندما أسافر خارج المنطقة واشاهد معارض ومسارح وأقارنها بما هو موجود في المنطقة وكان عليّ أن اختار طريقي وأنا اخترت طريق العلم وفي الاخير  من يحكم هو العلم والثقافة والحضارة.
 
ألا تعتقد أنكم اخترتم طريقا شائكة فأنتم من ناحية في مواجهة أعمال غير أكاديمية ومن ناحية أخرى أمم جمهور تعوّد على هذه الأعمال؟
أنا لا أحمل الجمهور المسؤولية، إذ أنهم عوّدوه على هذه الأعمال وعلى هذه اللغة غير الأكاديمية مع مارون النقاش وغيره ممن يسمون رواد وهو لم ير مسرحا آخر ولغة أخرى، هناك جمهور سافر خارج المنطقة ولن يسير في الاتجاه الجاهل، اتجاه الفن الهابط وأنا لا أناظل لكي أغير لأنني مقتع بأنه لن يبقى غير العظماء أما البقية فهم عابرون. 
 
في هذا السياق يمكن الحديث عن العمل المسرحي "حلم رجل مضحك" العمل  الذي يستغرق عرضه ساعة وعشر دقائق هو نتاج تمارين سنة وشهرين يوميا في الوقت الذي كان يمكن إنجازه في شهر، وهو اليوم مرجع في الجامعات بعد أن كتبت عنه الدكتورة ماريا كريستي باخوس.
 
ونحن أمام خيارين أما أن نختار هذه الطريق أو طريق الربح السريع وأنا اخترت قناعاتي وهي الفن الثقافة والانسان والانسانية، والمهم أن نترك الأثر، فبتاريخ الفنون العظماء لم يكونوا إلا قلائل وليس في هذا احتقار لبقية الاختصاصات بل هو واقع.
 
وفي الحقيقة نحن أمام تجارب عظيمة أفضت إلى مناهج تمكّننا من تحليل النص بطريقة علمية وأكاديمية، وبغض النظر ان كان العرض المسرحي ناجحا أو فاشلا فإنني اعتمد اللغة التحليلية لبنائه ولمعرفة مكمن الصراع على سبيل المثال، وأحلل بناء على وظائف أكاديمية وليس بشكل عشوائي.
 
بناء على حديثك بخصوص الطريقة العلمية الأكاديمية في التعاطي مع أعمالك المسرحية، يبدو أنه ليس من السهل إيجاد ممثلين خاصة وأنك أشرت إلى غياب منهجية إعداد ممثل؟
نعم صحيح.. بصراحة أنا عندما اختار ممثلا أعرف مسبقا انني سأصنع الممثل لانه ليس هناك ممثل بالأساس، لذلك أنا الانسان الطيب، الانسان الرائع  الذي سيقدم نفسه وجهده لأن يكون ممثلا، ومن الممثلين الموجودين وخريجي المعاهد أذهب إلى الانسان الطيب الخلوق الذي سيقدم جهدا لتحقيق هذه الشخصية.
 
وأقل مدّة تمارين في الأعمال التي قمتُ بها استغرقت ستة أشهر، بمعدّل ست ساعات يوميا، وهو ما يعني أن الممثل يتلقّى دروسا يومية مكثّفة في فترة غير محدودة ذلك أننا نذهب إلى العرض جاهزين على جميع المستويات، وهو يجب أن يكون مقتنعا بهذه الطريقة ويأتي بكل حب إلى التمارين من أجل الوصول إلى عرض متكامل وناجح.
 
ويجب على الممثل أن يكون انسانا وصادقا ومتواضعا ليكون متواضعا وبعيدا عن الاحتيال والكذب والنفاق وعن السرقات ليكون فنان، يجب أن يقتنع أنه  كفكر وقلب وجسد غير قابل للشراء، للأسف بوطننا العربي تسعة وتسعين بالمائة من الممثلين يبيعون أنفسهم لكي يعيشوا.
 
اختيار الممثل يأتي في مرحلة لاحقة بعد اختيار النص، لو تحدّثنا عن التسلسل المنطقي الذي تنتهجه في أعمالك من اختيار النص وصولا إلى العرض أمام الجمهور؟
في الواقع أنا اعتمد الكاتب أساسا، ان لم يكن هناك كاتب ليس هناك مسرح ولا سينما ولا تلفزيون وعلينا ان نحافظ على الكاتب ونصّه أو سنصبح مثل من زوروا وشوهوا، وأنا في اعمالي اخترت الرواية أو القصة ولم أتناول نصوصا مسرحية، وأنا أمسرح الرواية والقصة وبالنسبة لي أصعب بكثير لأن فيها تعقيدات وصور وشخصيات كثيرة.
 
وحينما كتبت " بيلاطس البنطي" اقتباسا عن ميخائيل بولغاكوف استغرق الأمر خمسة سنوات إذ كنت أمام شخصية ياسوع المسيح وهي من أكثر الشخصيات التي تناولها المخرجون في المسرح والسينما والتلفزيون، والدم هو الذي سال على الصليب مازال يسيل إلى هذه اللحظة في فلسطين.
 
وأنا أمام مفهوم الحرب والدم بدأت البحث عن كيفية صناعة مسيح جديد مع الحفاظ على كل تركيبة الشخصية، وكان أن المسيح هو العنصر الذي يدور حوله الحدث شخصية صامتة طيلة العرض، ومن أصعب أنواع المسرح ألا يتكلّم الممثل وإنّما يقوم بأفعال، والعرض المسرحي إن لم يحمل إبداعا وشيئا جديدا أعتبره فاشلا لأننا بذلك لا نستطيع أن نتخطى ما كتبه الكاتب.
 
بعد أن تضفي من روحك وتصورك على النص الأصلي ماهي المرحلة التالية؟ 
بعد أن أخذ الفكرة من عند كاتب النص أطورها انطلاقا من الكاتب مع احترامه ابحث عن الحلول السينوغرافية لأنه إذا لم أجدها سأصطدم بعد الكتابة بالمكان والزمان والشخصيات وتلقائيا ما تبقى من ممثلين وموسيقى لم يعد يطرح أي مشكل.
 
وفي البحث في تركيب "الميز أون سان" أحيانا تصطدم بأمور غير منتظرة بأفعال وأحداث غير منتظرة تنذر بفشل العمل، لذلك قبل أن نبدأ في التمارين اذهب إليها جاهزا كليا وأبدأ هناك التحليل حول الطاولة بمعنى أننا نعالج  النصوص مع الممثلين ونحللها طيلة شهر حول الطاولة ونتحدّث عن الفكرة والضوابط وإعداد الممثل.
 
كيف تكون العلاقة مع الممثل أثناء التحليل حول الطاولة؟
أنا أقدم للممثل افكاري ورؤيتي فيهب ويبحث عن سبب اختياري للنص وماذا نريد أن نقول من  خلاله النص وعليه ان يسرد فكرته انطلاقا من الكاتب ومن الرؤية الاخراجية وأكون سعيدا اذا استطاع ان ينسف كل ما فعلته ويقترح الجديد ويقنعني ان هناك خطأ ما.
 
وهنا تصبح العلاقة مع الممثل لغة تحليلية ابداعية لنصل إلى  ثقافة حقيقية واحساس حقيقي ولذة أستشعرها كمخرج اقوم بتمارين ويستشعرها الممثل الذي يأتي يوميا إلى التمارين، هي لذة البحث عن الشخصية وعن تطورها فهي ليست شخصية الممثل وحده بل شخصية الكل.
 
وفي العرض لا نفصل شخصية عن أخرى وهو ما يسمى بتكامل العرض المسرحي، فالهدف الأعلى للعمل وحدة فنية إن فشل ممثل فشل العرض وان كانت هناك ثغرة في السينوغرافيا أو الموسيقى فشل العرض، والعروض المسرحية التي أقدمها تستغرق نفس المدّة بنفس الحركات ونفس الإخراج والسينوغرافيا بابداع جديد ورؤية جديدة واحساس جديدة.
 
وتصبح الشخصية عند الممثل مادة بحثية دائمة كأنه واجب عليه أن يقدم هذه الشخصية ويذهب الى المنزل وهو يحملها في لاوعيه في العروض وما بعدها، ومن أحد أسس النجاح في المسرح هو أن تظلّ الشخصية حية وراسخة داخل الممثل بعد مضي عشرات السنين.
 
كيف تتجلّى الحلول السينوغرافية على الخشبة؟
أنا أذهب إلى التمارين ومعي كل الحلول، وأنا أحدّد عناصر السينوغرافيا في كل أعمالي وأحول المادة وأوظفها حسب مستلزمات النص، وفي النص أبني الأحداث الأساسية وأجد حلولا لها وأبني السينوغرافيا على هذا الأساس، وغيرها أمام الجمهور وهو ما اعتبره لحظة ابداع فالجمهو ولن يلاحظ أية فوضى كأن التبديلات آلة منظمة من خلال فكر وجسد الممثل.
 
وأنا ليس لدي كواليس فلا يخرج الممثل على الخشبة ويدخل بل يقوم بأفعاله بصمته حتى عندما يكون الممثلون الآخرون في ذروة الحوار، الممثل أو الممثلون الآخرون يدخلون في حالة إبداع صامت وأنا بالأساس أحاول من الخشبة أن أفاوض الجمهور على التركيز وهذا ممتع ولذيذ وصعب.
 
وعندما يجلس الممثل على الخشبة ولا يفعل شيئا تكون فضيحة لشخصه فالصمت الداخلي على الخشبة هو أصعب بكثير من اللفظي والحواري ودائما أعلم طلابي أن أصعب المسرح  الصمت الداخليمن امتلكه من الممثلين تبدو له بقية الوظائف سهلة، ولأن النسبة الكبرى في حياة الانسان هي الصمت فإن الصمت مادة اساسية اتناولها في اعمالي وحينما اكتب نصا اعلم جيدا أين يكون الصمت وكيف سأبنيه.
 
ماالذي يتغيّر بين مرحلة الإعداد للعمل المسرحي وبين الانطلاق في التمارين؟
عند أول يوم أذهب فيه الى التمارين تنتهي لذتي وتصبح لذة الممثل وهذا مهم جدا بالنسبة لي، فلذتي عندما أفكك النص وأحلّله واأمسرحه لكن عندما أبدأ العمل مع الممثل على الخشبة ومع النجّار ومع الحداد أنا أنفذ ما فكرت به، واللذة الكبرى عندما أجد الحلول وأفكك المصاعب وفي اول التمارين أرى العرض كاملا متكاملا ولا شيء يفاجئني، وعندما افقد عنصر المفاجأة لن تكون لدي لذة.
 
وخلال التمرين، وفي العروض يستغرق العمل المسرحي نفس الوقت بنفس الحوار دون زيادة حرف أو نقصان ودون أي تغيير في "الميز أون سين" فالأمر ثابت ولكن المتغير يكون داخل الممثل بلغة تجديدية متطوّرة وبإحساس جديد يجعله يأتي إلى العرض التالي وأنه العرض الأول، وهذا ما يدوم لأننا بنينا العرض بلغة أكاديمية جعلت الممثل يتحسس السينوغرافيا من حوله، فالسينوغرافيا والإضاءة والموسيقى واي شيء على الخشبة شخصية لكن الانسان هو الشخصية الاولى.
 
العمل المسرحي "خليل الكافر" هو اقتباس عن جبران خليل جبران، ما يعني أن الساحة العربية غنية بالنصوص التي يمكن مسرحتها ولكن في الغالب هناك توجه نحو الاقتباس من كلاسيكيات غربية فكيف تفسر الأمر؟
لأتكلم عن لبنان هناك ادب لبناني كلاسيكي رائع وأذكر جبران خليل جبران وميخائيل نعيمة وأمين معلوف وهذا يسري على سوريا أيضا والعالم العربي ولكن نحن ليست لدينا القدرة لفهم هذا العالم لنمسرحه ونضعه على الشاشة.
 
وأن نستلهم من أعمال من خارج ونزورها أحسن من ان ننطلق من كاتب معاصر او من الكلاسيك وانا أعمل على الادب اللبناني والعربي ومع طلابي في الجامعة أقول علينا ان ننطلق من بيئتنا لنخرج الى العالم.
 
ونحن نتحدث عن النصوص هل تفكر في كتابة نصوصك المسرحية؟ 
حتى هذه اللحظة لم أقم بإخراج عمل من كتاباتي ولكن لدي حوالي ثلاثة أعمال وهي تجارب مع طلابي ومسرحتها وانا اعتبر أن الجامعة مختبر، وبعد العمل الأخير "خليل الكافر" مع الممثل فادي ابراهيم سأخرج عملا مسرحيا من نصي لكن صراحة هذا الأمر يخيفني فأنا لست بكاتب ولم أطرح نفسي يوما كاتبا.
 
وكلما وصلت إلى مرحلة أقتنع فيها بأنني سأخرج عملا من نصي أتراجع وأشعر أن الاستناد إلى كتاب عظام والمشي تحت مظلتهم حماية لي، فالأمر لا يخلو من مسؤولية كبرى ولدي نصوص مسرحية كتبتها تقبع في حقيبتي منذ 15 سنة أو أكثر مع العلم أنها نجحت في الجامعة ومع طلابي ولكن خروجها إلى الجمهور العريض يخيفني.
 
أين يقف طلال الدرجاني من مسيرته في المسرح وهل من الوارد أن نراك على الخشبة؟
مقارنة بعشرين سنة  خلت يجب ان أكون قد تطورت، فطريقة تعاملي مع الأعمال المسرحية تجاري التطوّر العلمي والأكاديمي.
 
وعلى الفنان ان يفكر عشرات السنين الى الامام ليبتدع الخيال ويقدم الجديد للمشاهد وينشئ لغة فنية مستقبلية قوامها الخيال والتخيّل المنبثق من الواقع وهو ما يسمّى بالواقعية الفنية.
 
في الحقيقة يقال عني ممثل جيد وأنا أحب التمثيل كثيرا ولكنني لم أكن ممثلا لأنني درست الاخراج والسينوغرافيا بالأساس.
 
في الختام لو تختزل لنا الاعمال المسرحية التي تقدّمها في كلمة واحدة ماذا تكون؟
هذه الكلمة هي "الإنسانية"، هي كلمة أكبر من العالم وحيثما ذهبنا نولي وجوهنا إلى الإنسانية التي تنتفي معها كل الحواجز.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.