ما كنتم يوما ضحيّة.. بل تجْنُون نِتاجَ أفعالكم..

بقلم: رشيد الكرّاي-
ممارسة الإخوان للحكم والسلطة في تونس تحت مسمّى حركة النهضة، لم يخلّصهم من لعب دور "الضحية. بل إن ما يمكن أن نسمّيه مجازا "الضَحويّة" الإخوانية تترسخ اليوم بشكلها الجديد، وضمن مواضع جديدة، بعد قرارات 25 جويلية وإعلانات 13 ديسمبر 2021 والإجراء القانوني في انتظار القضائي الذي شمل نائب رئيس التنظيم نور الدين البحيري.
 
إذ لا تفتأ جماعة "الإخوان" عن الترويج لفكرة المؤامرة عليها، بدلا من الإقرار بالفشل في إدارة البلاد. ذلك أن رواية "المؤامرة" تخدم "الجماعة"، وتحافظ على تماسك التنظيم ووحدته رغم ما اعتراه من انسلاخات واستقالات، وهي قد فعلت ذلك على مدى سنوات ظهورها منذ أوائل سبعينات القرن الماضي.
 
ومن يتابع وسائل الإعلام الإخوانية النهضوية، ومواقع التواصل الاجتماعي التابعة أو القريبة منها، سيكتشف إجماعا على رفض أي حديث عن تقصير أو أخطاء كبيرة ارتكبت في إدارة "الإخوان" لحكم تونس، لأن أيّ استفاضة في هذا الشأن ستنزع عن "الإخوان" المظلومية، وتفقدهم دور الضحية الذي لا يقوم البناء الإخواني دون الارتكاز عليه.
 
قبل ثورة 14 جانفي واستلام النهضة للسلطة، كانت "الضَحويّة" الإخوانية ترتكز على الاستبعاد من المشاركة السياسية والملاحقة الأمنية، واليوم وبعد عشر سنوات من السلطة وتصدّر المشهد السياسي وصنع القرار، وبعد قرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، صارت ترتكز على الإقصاء من الحكم والسلطة وما يسمّونه بالانقلاب على الشرعية. ويبدو أن كلتا الحالتين "تتطلبان" معتقلين وضحايا وقتلى/ شهداء لإبراز صورة الضحية وصناعتها.
 
وهذا التصعيد الإخواني الذي نحيا على وقعه منذ أسابيع تارة تحت يافطة "مواطنون ضد الانقلاب" المتدثّرة بغطاء يساري عبثي غبي، وطورا في شكل اعتصام بدار المحامي على خلفية وضع نور الدين البحيري في الإقامة الجبرية وندوات الكذب الصحفية اليومية المصاحبه له التي يؤثّثها بعض محاميي القضايا الخاسرة من جماعتهم، إنما يقدّم أوضح تفسير لعبارة "تريدونها حربا أهلية نحن لها"، التي رددها جهرا مؤخرا رفيق بوشلاكة صهر مرشد الجماعة، ويرددها همزا ولمزا أكثر من قياديّ وعنصر إخوانيّ ماضيا وحاضرا.
 
لكن يبدو لعب "الإخوان" لدور الضحية اليوم مجددا أكثر كلفة ، وهو مولّد لرفع احتمالات الاقتتال الأهلي. ومنع هذا الأمر لا يتوقف على "الإخوان" وحدهم، بل على الحكم القائم ومؤسسات الدولة أيضا، لأن سقوط هالة "الإخوان" في تونس إنما تمّ بعد إعطائهم فرصة في استلام الحكم وإدارة البلاد، ولم يكن من خلال "شيطنتهم".
 
اليوم يتوجب على الدولة وكل الطبقة السياسية التي عارضت حكم "الإخوان"، أن تسحب البساط "الضحوي" من تحت أرجلهم، وألا تتورط في إغراءات القمع والإقصاء و"الشيطنة"، لأنّ من شأن ذلك أولا أن يفسد انتقالة سياسية وطنية سلسة وهادئة وسريعة وناجحة من شأنها إعادة دوران عجلة الاقتصاد، وترميم النسيج الوطني المتهتك، وإعادة السلم الأهلي والاستقرار، بمشاركة جميع القوى السياسية والمجتمعية دون استثناء، وثانيا أن تلك الإغراءات غير المرغوبة أبدا، من شأنها أنْ تعطّل أهم نتيجة حصلت عقب عشر سنوات من حكم "الإخوان" المباشر وغير المباشر، وهي سقوط هالتهم كجماعة "مختارة" وحزب سياسي "مختلف" وتيار "رساليّ" و"خلاصيّ". وهذا لا يمنع طبعا التتبع القضائي المستوجب في حق بعض منتسبيهم متى ثبت إجرامهم في حق الدولة والأفراد في سياق قضاء عادل ومستقل يحمي الحريات والديمقراطية.
 
ولعل هذا هو ما سقط لدى "الإخوان" بعد إخفاقهم في حكم تونس وقبله في مصر ومؤخرا في المغرب، ولذا من المهم ألا تُفسد الطبقة السياسية ومؤسسات الحكم اليوم هذا الإنجاز التاريخي. وهذه مسألة أخذت في التبلور أكثر فأكثر، وهي إعادة توصيف "الإخوان" كحزب "عادي" كغيره من الأحزاب ما لم يتعارض نشاطه مع القانون، يتعاطى السياسة دون أيّ هالة مستندة إلى الدين أو الصلاح والتقوى أو حيازة الأحقية بالاتّكاء على هذا الصلاح المفترض أو تاريخ الاضطهاد والمظلومية.
 
فشل "الإخوان" في الحكم، وخروج آلاف التونسيين ضدهم ذات 25 جويلية، أعادا الاعتبار مجددا للداخليّ والمحليّ. وبدا استقواء "الإخوان" بأميركا مثيرا لتحريك نقاش واسع حول ذرائعية "الإسلام السياسي" وتقلبات نظرة الإسلام السياسي لـ"المؤامرة الغربية" والصهيونية والإمبريالية الأمريكية، وحول إشاعة وعي ناضج تحتاجه منطقتنا بخصوص نسبية قدرة الغرب وأميركا على التأثير في منطقتنا، وعدم إطلاقية هذه القدرة أو كليّتها، ناهيك عن وعي حاجتنا للعالم، واعتبار المصالح لا الأيديولوجيات، هي لغة السياسة والحكم وإدارة الأوطان..

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.