أحمد التواتي: قمة برلين بمثابة ضوء بدأ يشع في نهاية النفق.. والحد من ظاهرة انتشار السلاح في ليبيا يتطلب عقودا من الزمن

 حاوره مراد بن جمعة –

تعيش ليبيا هذه الأيام على وقع مباحثات "مؤتمر برلين الدولي" الذي من المنتظر عقده خلال شهر نوفمبر الجاري بشأنها في ظل تطمينات ألمانية وأوروبية بأن المؤتمر سيكون غير سابقيه، حيث من المنتظر أن يضم وزراء خارجية مجموعة الدول السبع والدول المعنية بالملف الليبي من أجل الوصول إلى حلول فعلية للأزمة في ليبيا ووقف التدخلات الخارجية ومنع تدفق السلاح ووقف الاقتتال الدائر حاليا في العاصمة طرابلس.

وفي حين تسعى حكومة الوفاق المعترف بها دوليا إلى وضع مسودة دستور للبلاد من أجل وقف الاقتتال والعودة إلى الحوار والتفاوض لاستئناف العملية السياسية وإيجاد حلّ دائم للأزمة الليبية، تشن قوات المشير خليفة حفتر منذ افريل الماضي عملية عسكرية متواصلة إلى اليوم على مدينة طرابلس آخرها الغارات الجوية على مطار معيتيقة الدولي ومواقع حكومة الوفاق الوطني في غرب وشرق العاصمة طرابلس السبت الماضي.

من جانبها كانت حكومة الوفاق قد اعلنت عن إطلاق عملية "بركان الغضب" لصد الهجوم، لتعيش ليبيا طيلة هذه الفترة حالة اقتتال متواصلة بين قوى سياسية أبت إيجاد مخرج للازمة الليبية خارج صراعاتها الضيقة أدت إلى مقتل 1093 شخصا، ونزوح قرابة 120 ألف آخرين من مواقع الاشتباكات، حسب الأمم المتحدة.

وللحديث عن تطورات الوضع السياسي والعسكري في ليبيا في ظل الاستعداد لعقد "مؤتمر برلين"، التقت حقائق أون لاين الناشط المدني الليبي أحمد التواتي وكان لها معه الحوار التالي:

ما هو، برأيكم، مآل الجهد الأممي بعد هجوم قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر على ضواحي طرابلس الجنوبية، بعد الرابع من أفريل الماضي؟ 

البعثة الاممية لا تمتلك الكثير لفعله ولا شك ان حرب طرابلس اربكت كل مساعيها للوصول الى حل سياسي ينهي حالة الصراع على السلطة بين كافة الاطراف حيث كانت قاب قوسين او ادنى من عقد الملتقى الوطني الجامع، فالبعثة لا يمكن ان تنفذ ايا من رؤاها في معزل عن الدول التي تمتلك القرار في مجلس الامن، واختلاف المصالح الخارجية زاد من صعوبة الوصول لحل يرضي جميع الاطراف في غياب الارادة السياسية والشعبية الليبية.

وماذا عن مسار العملية السياسية، اليوم، في الساحة الليبية؟ 

المسار متعثر ولكن هناك ضوء بدأ يشع في نهاية النفق الا وهو "قمة برلين" المقرر عقدها في شهر نوفمبر الحالي حيث ان الترتيبات السابقة له تقول ان هناك شبه قناعة لدى الاطراف الدولية والاقليمية المتدخلة في ليبيا وان الحل العسكري وحسم الصراع بالقوة لصالح احد الاطراف بات مستحيلا، وعليه يرى الجميع الان ضرورة العودة الى طاولة المفاوضات، فنتمنى ان تكون قمة برلين ناجحة في ان توقف الحرب وتحقق حدا ادنى من التوافقات للوصول الى حل.

وفي كل الاحوال لا ارى اي نتيجة ايجابية قد تتحقق على صعيد المسار السياسي دون الذهاب الى انتخابات جديدة وازاحة كافة الاطراف الحالية التي عقدت المشهد وارتبطت مصالحها مع بعض فيما يخص نهب المال العام ويختلفون فقط على من يحكم.. انتخابات لمرحلة انتقالية اخرى او استفتاء على الدستور وانتخابات بموجبه هذا ما يجب الوصول له والاتفاق عليه بالتفاوض ولكن كل الحلول يجب ان تشتمل على اعادة انتخاب وجوه جديدة.

غياب تسوية سياسية حتى اللحظة، يجعل من أمد الحرب طويلا.. ما السبيل لوقف الحرب الدائرة في ليبيا؟ 

بالتاكيد في ظل تعنت كل الاطراف واعتقاد كل طرف انه قادر على الحسم والسقف الوهمي المرتفع الذي يصنعه إعلام كل طرف بان الحسم قريب جدا، وغياب ارادة شعبية حقيقية غير خاضعة لحالة الاستقطاب يمكنها ان تفرض خيار وقف الحرب  يجعل الفرص ضئيلة في انتهائها، وليس هناك من سبيل لوقفها الا الضغط الدولي على طرفي الحرب وداعميهما الدوليين والاقليميين بفرض عقوبات تلقى طريقها الى التنفيذ، في غياب هذا الضغط من الصعب توقف الحرب التي ما عادت الاطراف التي تخوضها داخليا تمتلك قرار ايقافها.

تدور اشتباكات يومية في الضواحي الجنوبية للعاصمة طرابلس.. لو تضعنا في اخر التطورات الميدانية؟ 

الحقيقة كوني مدني وغير قادر على الوصول لبقعة الحرب وفي ظل اعلام موجه يعمل لمصلحة طرفي الحرب يسوق انه يمتلك الارض يصعب الجزم بحقيقة ما يحدث على الارض، ولكن ما هو أكيد ان رقعة الحرب اصابها الجمود ولا احد بصدد تحقيق نتائج يمكن ان نقول انها تمكنه من حسم الحرب لصالحه.

هل يمكن تلخيص الصراع الجاري اليوم بين طرفين رئيسيين العسكرة والحكم المدني أو صراع بين الشرعية والشمولية؟ 

ليس بهذه الصورة فالكل تنتابه نزعة الشمولية، ولا يمكن ان يتحقق الحكم المدني في ظل مجموعات مسلحة غير منظمة او وصول اي عسكري للحكم.

المسالة اكثر تعقيدا ولكن يمكن القول ان احد اهم اسباب الصراع هو المال والسلطة، فالمشروع العسكري تجاوز كونه عملية على الارهاب الهدف منها تحقيق الأمن الى الحديث عن الحكم ورؤيته.. ان الاموال موجودة حصرا في طرابلس وانه احق بها من المجاميع التي يراها ارهابية والمتحكمة في مصرف ليبيا المركزي، ومجموعات نفعية يتخلل اعمالها بعض مظاهر الجريمة مستفيدة وستقاوم كل محاولة من اي طرف يحاول ان ينتزع منها هذا الامتياز، وإن كان لا يخلو الامر من اصوات فعلا تقف ضد عسكرة الدولة في رفض للعودة الى سيناريو ما قبل الثورة 

هل نجح المجتمع الدولي في إخراج ليبيا من أزمتها السياسية والأمنية والعسكرية؟ 

قطعا لم ينجح بل تفاقم مستوى الازمات في ظل عجز دولي سببه تضارب المصالح للدول صاحبة القرار في مجلس الامن وعدم الاتفاق على الية موحدة للحل.

بماذا تفسر استمرار إجهاض المبادرات المتعلقة بوقف الحرب؟ و هل من استعداد صادق للجلوس على طاولة التفاوض؟ 

السبب الرئيس في اجهاض المبادرات المتعلقة بوقف الحرب هو ان الدول الاجنبية المتدخلة في ليبيا تبحث عن حلول تتوافق مع سياساتها وتحقق مصالحها، وهذه المصالح تختلف من دولة لاخرى فعلى سبيل المثال عندما رأت فرنسا وفق مبادرة باريس ان الذهاب الى الانتخابات سنة 2018 قد يحقق مصالحها ويصل للحكم رجلها في ليبيا وقفت ايطاليا وتكلم سفيرها في ليبيا بكل جرأة انه لن يكون هناك انتخابات في ليبيا حاليا والذي تم تغييره بسبب هذه التصريحات المستفزة، كذلك ذهبت ايطاليا لعقد مؤتمر باليرمو ولكن اجهض من الاطراف الاخرى، ايضا يمكن القول الطرف المهاجم لم يجعل اي طريق للعودة وأوصل قواعده الشعبية الى مرحلة لا يمكن معها ان يخبرهم بالانسحاب او التوقف دون تحقيق النصر، ولهذا ما لم يوجد ضغط دولي ينجم عنه فرض عقوبات سيمنع الكبر والتعنت الاطراف على ايقاف الحرب .

اما عن الاستعداد الصادق للجلوس والتفاوض، فلدى رئيس المجلس الرئاسي نيه كانت واضحة في الوصول الى الحلول السلمية ولكنه يخشى سخط المجموعات التي تقاتل تحته والذين اصبحت حربهم مع الجيش حرب وجود، اما الطرف الاخر فلا استعداد صادق له الا برضى وقبول الاطراف الداعمة له وعلى رأسهم فرنسا والامارات.

من برأيكم الرعاة والشركاء القادرون على بناء عملية سلام في ليبيا اليوم؟ 

المجتمع المدني في حال تم دعمه واكتسب القوة الدافعة الشعبية ووعى دوره الحقيقي وآمن بقدراته على صنع التغيير سيكون قادرا على ان يخلق السلام ويحقق الديمقراطية في بلد لم يعرف طوال 42 سنة اي معنى للمجتمع المدني ولهذا يجب ان نعترف بحداثة التجربة، ولهذا كلما استطعنا ان نصنع مجتمعا مدنيا حقيقيا كلما كانت فرصنا أكبر في تحقيق السلام وبناء الدولة .

ايضا الدول التي لم تتورط بالصراع بشكل مصلحي ويهمها استقرار ليبيا من منظور أمنها القومي،  وهنا ببعض من التفائل، قد يكون لمؤتمر برلين المزمع عقده الفترة القادمة نتائج جيدة قد تمهدالطريق للاستقرار كون المانيا لم تتدخل كما الدول الاخرى في ليبيا، ونعتقد انه لن تكون كمبادرة باريس وباليرمو وابوظبي كونها اطراف متدخلة في الصراع الليبي وهذا احد اهم اسباب فشلها.

ثمة من يحمل رئيس حزب تحالف القوى الوطنية، محمود جبريل، جر البلد والنخب الى صراع مصطنع وتقسيم التيارات الى اسلامية واخرى علمانية .. تقييمكم لذلك؟ 

في الحقيقة العكس هو الصحيح فالمجتمع الليبي لم يكن يعرف ما معنى العلمانية اساسا في بداية الثورة بل ان البعض لم يسمع عنها اصلا الى ان ظهر الشيخ علي الصلابي المحسوب على التيار الاسلامي على قناة الجزيرة في سيبتمبر 2011 ووصف محمود جبريل وبعض اعضاء مكتبه التنفيذي "الحكومة وقتها" بانهم علمانيين ويسعون لاقصاء الاسلاميين وعليهم التنحي فالشعب الليبي المسلم لا يريدهم، ومن ذلك اليوم بدأت الثنائية في المجتمع التي أصل لها الاسلاميون بأن هناك علمانيين وإسلاميين تمهيدا لما وصلنا اليه بعدها في انتخابات المؤتمر الوطني في 7 يوليو 2012 حيث خرج المفتي الشيخ الصادق الغرياني قبل ايام من الانتخابات ليقول انه يجب التصويت للاسلاميين للدخول للجنة ولا يجب التصويت للعلمانيين حتى لا يلحقكم الاثم، واستمر هذا الانتحار السياسي الى ان انتهى بفشلهم جميعا ودخلت الدولة في مسارات بعيدة عن الديمقراطية التي تنتجها احزاب منضبطة مهنية تراعي مصلحة الوطن وتتعالى عن تصفية الحسابات الحزبية الشخصية التي تقود الى نتائج صفريه كالذي حدث بين الاسلاميين وحزب التحالف لمحمود جبريل.

متى سيتحمل الشعب الليبي اختياراته ويتوجه للاستفتاء على دستور يختار فيه طبيعة النظام السياسي الذي يستجيب لخصوصياته؟ 

الحقيقة ان الشعب انعكس عليه الصراع الذي يتطلب استقطابا وحشدا للأنصار، فالاستقطاب الحاد للطرفين طال ايضا الشعب وانقسم الى مؤيد ومعارض وبالتالي من الصعب ان يكون الشعب قادرا على فرض خياراته في ظل هذا الانقسام، وايضا في ظل وجود ضعف في صفوف البقية من الشعب الرافض للمعسكرين يصبح الشعب خارج معادلة القرار.

بالاضافة الى وجود تباين على الدستور نفسه وللاسف البرلمان موجود في المنطقة التي يعارض بعض سكانها مواد الدستور ويعتقدون ان الاستفتاء سيكون بأغلبية نعم، ولهذا يعطلون كل ما يمكن ان يقود الى الاستفتاء، والبعثة الاممية تتخوف من ان يقود الاستفتاء الى زيادة الانقسام بدلا من توحيد الاطراف كون ان هناك مجموعات تعبر عن رفضها ومقاطعتها وانه لن يمثلها اذا تم إقراره، ولكن في المجمل اذا ما حدثت تفاهمات او فتح الباب لتعديل بعض المواد الخلافية والوصول الى حلول مرضيه لكل الاطراف يكون خيار الاستفتاء والذهاب الى انتخابات وفق قاعدة دستورية دائمة هو بداية الطريق الى الاستقرار.

يتشدق البعض بالديمقراطية، وباسمها يستولي على أموال الغير.. ماذا عن مصير أموال الليبيين في الخارج؟

على حد علمي تجميد الأموال له الأثر السيئ على استثماراتنا بالخارج واقتصادنا عموما، وأن الدول التي يوجد فيها هذه الاموال تستفيد منظومتها المصرفية من بقائها عندهم، الا ان الشعب الليبي بعد الكم الرهيب من الفساد التي جاءت في مجلدات خطها ديوان المحاسبة، وقول سلامة ان الاموال الليبية تنهب وليست فقط تُسرق، اصبح الشعب يرى ان بقاءها مجمدة افضل من ان يفرج عنها ويتم نهبها الى ان يختار الشعب فعلا رئيسا واحدا يمثله تمثيلا حقيقيا ويكون السلام والاستقرار قد تحقق والتنمية بدأت، حينها يمكن ان يقبل ان يتم رفع التجميد عنها.

برأيكم، كيف يمكن الحد من ظاهرة انتشار السلاح في ليبيا؟ 

هذا سؤال حتى اعظم دول العالم لم تستطع الاجابة عليه فالسلاح منتشر في أمريكا ورغم كل المحاولات الشعبية المطالبة لتقنين امتلاكه واستعمالة الا انها تفشل في كل مرة، ولكن يمكن القول ان الخطوة الاولى هو بناء جسور الثقة بين الدولة والمجموعات المسلحة غير المؤدلجة ثم يتم الاتفاق على ان كل السلاح الثقيل والمتوسط يسلم الى الدولة او تساعد البعثة الاممية في بناء مخازن وتكون تحت اشرافها ويجمع فيها هذا السلاح، والخطوة الموالية هي تقنين استعمال السلاح الصغير وترخيصة وتصبح مسألة تجميعه من عدمه على المدى الطويل مرهونة بقياس مستوى الجريمة والذي لا اتوقع ان يكون كبيرا بالمقارنة مع كمية السلاح الموجود. ولكن هذا عهد قد يأخذ عقودا حتى يتحقق من الصعب أن يكون على المدى القريب.

لو توضح لنا أسباب انهيار الوضع الاقتصادي المعيشي في الشارع الليبي اليوم.. وإلى أين تذهب مداخيل النفط؟

اسباب الانهيار هي منظومة الاقتصاد الريعية والتي تعتمد في 98% منها على النفط فبانخفاظ الاسعار تاثر الاقتصاد.. السبب الثاني عدم الترشيد الحكومي والمبالغة في الانفاق دون ان يتحقق اي مستوى تنمية.. السبب الاخير والاهم هو انقسام مؤسسة المال "مصرف ليبيا المركزي" الى مؤسستين كلا منهما تتخذ سياسات مالية على حدة مما فاقم حالة التدهور الاقتصادي… أما مداخيل النفط فتعود الى مصرف ليبيا المركزي بطرابلس.

تحدثت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في وقت سابق عن نزوح حوالي ثلاثة آلاف شخص جراء تصاعد العنف في طرابلس ومحيطها.. كيف تبدو الاوضاع الانسانية اليوم؟

لا شك ان اي حرب ينتج عنها أوضاع انسانية سيئة من نزوح وموت جراء القصف المتبادل وجرح لمدنيين جراء تبادل اطلاق النار، وكل المنظمات الدولية والبعثة الاممية طالبت بوقف استهداف المدنيين ونددت بما يعانونه من ظروف انسانية صعبة ولكن دون استجابة، وهناك تقصير ملحوظ من قبل الدولة في تخفيف معاناة هولاء الناس.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.