سالم الأبيض يكتب: ماذا يريد الرئيس من وراء العودة إلى فاجعة جرجيس؟

دوّن القيادي في حركة الشعب سالم الأبيض على صفحته رأيا، بشأن زيارة رئيس الجمهورية إلى ثكنة العوينة وحديثه عن "فاجعة جرجيس"، وهو كالتالي:

"لا جديد قد جدّ في ملف فاجعة جرجيس التي يعتبرها رئيس الجمهورية مؤامرة على سلطان حكمه ونظامه، كما قال هو بنفسه يوم 28/12/2022، وكان صرّح "صبرا يا أهل جرجيس فإن الحقيقة آتية"، وذلك على هامش اجتماعه برئيسة الحكومة ومجموعة من الوزراء والقيادات الأمنية والعسكرية.

تنقل الرئيس إلى ثكنة العوينة فيما أطلق عليه زيارة مفاجئة (31/1/2023) يومين بعد انتخابات برلمانه الذي وفّر له جميع الشروط ليكون على مقاسه ويتكوّن من خاصته وأوفيائه، ودون مقدّمات تذكر، جعل من ملف الفاجعة مادة سياسية للخطابة الممزوجة بالتوتر والانفعال في موقع ليس من باب المصادفة اختياره.

لم يضف الرئيس شيئا إلى المعطيات المذكورة سوى مزيد من الاتهام والتهديد والوعيد "لمجرمين خططوا لاغتيال شباب جرجيس 18/18 ونفذّوا عملية الاغتيال عن طريق الإغراق ثم الانتقال إلى المقبرة لفتح القبور في مخطط معد سلفا لتأجيج الأوضاع  ضدّ الرئيس ونظامه" وفق قول الرئيس نفسه وفهمه لهذه القضية المعقّدة والغامضة.

ولم يقل الرئيس من هم هؤلاء "الـهُم القتلة" الذين مارسوا القتل العمد مع سابقية القصد والإضمار التي يعاقب القانون التونسي على مرتكبيها بالإعدام، وكيف تسكت الدولة عن جريمتهم وتتركهم يرتعون دون رقيب ولا حسيب، إلا إذا اعتبرنا اختلاف المبالغ التي تحدّث عنها الرئيس قبل شهر ونظيرتها الحالية المستعملة في عملية التأجيج المزعومة تغييرا يذكر.

الجديد هو هزيمة ممثل الرئيس بجرجيس وهو أحد كبار شرّاح متونه ونصير مشروعه القاعدي الهلامي (المحليات والشركات الأهلية والصلح الجزائي) وأكبر المتكلمين بلسانه المدافع الأول عنه والقدوة "الفكرية" والسياسية لأعضاء تنسيقياته، رغم استعانته ببقايا بعض المجموعات السياسية مختلفة المشارب (دستوريون ويسار وقوميون) التي يعتبرها أجساما وسيطة منتهية الوظيفة والفاعلية حسب اعتقاده، فإذا بها تؤمّن له بعض الأصوات مصدر شرعيته.

لا يمكن فهم خطاب الرئيس من جديد دون مبررات موضوعية أو ظهور عناصر مستجدّة كالقبض على الجناة الحقيقيين، إلا كردّ فعل على هزيمة كبير شرّاحه ومفسّريه ومواساته وجبر خاطره، فالرجل كان يعقد آمالا على وصوله إلى البرلمان حتى أنه سوّق لمناصريه إمكانية تولي رئاسة المؤسسة التشريعية، فإذا به يهزم في اختبار "المحليات" التي "نظّر" لها كثيرا، وبشّر بها وكأنها كمونة باريس تظهر من جديد، ويسقط في أول اختبار حقيقي على أرض الواقع في انتخابات قاطعتها أغلب القوى السياسية المكوّنة للمشهد السياسي التونسي، فماذا سيكون حجمه في انتخابات ديمقراطية حقيقية خالية من قواعد العسف الانتخابي بمشاركة كل من يرغب من مستقلّين وأحزاب وتنظيمات سياسية وجبهات وائتلافات حزبية.

لم يفهم الرئيس أنه فقد ثقة أهالي جرجيس منذ أن مارس عليهم "العلو الشاهق" وتجاهل مأساتهم في البداية ولم يؤازرهم في فاجعتهم ولم يقدم لهم واجب العزاء في شهدائهم الأبرار ولم ينصفهم بكشف الحقيقة في المظلمة التي سلّطت عليهم، ولا فائدة مما يكرره عن المجرم المجهول الذي لا يعلمه سواه، إلا إذا كان يريد إعادة ترتيب مشهد متشكّل تاريخيا، جاء مُخالفا لما كان مخططا له، ولم يرض الغرور السياسي لـ "صاحب المشروع" وأنصاره ومفسّريه".

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.