رأي/ مهرّجون فاشلون في سيرك هزيل

رشيد كراي-

على مدى أحد عشر عاما جرت ثلاث دورات انتخابية، أنفقت خلالها الحكومات المتعاقبة والمرشحون المليارات، وشغلت الأجهزة الأمنية والعسكرية والمواطنين على حد سواء، لكنها وأعني الانتخابات، لم تغير أي شيء في الاوضاع التونسية، فالأحزاب والأسماء المسيطرة على الأوضاع السياسية هي ذاتها بالرغم من ارتفاع عدد الأحزاب إلى ما يقرب من 250 حزبا سياسيا.

إن ما يطلقون عليها تسمية الانتقال الديمقراطي واللعبة الديموقراطية والتي يشارك فيها سياسيون وممثلون عن الأحزاب ووسائل الإعلام ، صارت لعبة سمجة ، بل تحوّلت الى سيرك هزيل وفاشل ، أبطاله أشبه بمهرّجين يُجيدون اللعب على الحبال لا المشي فوقها ، ونراهم ينتقلون من هذا الحبل الى ذاك بطريقة مفضوحة ، بينما الجمهور ملّ من عروض مثل هذا السيرك ، وتَرَكَ خيمته خالية ، ورغم ذلك يصرّ المهرّجون على تقديم عروضهم المملة.
ها هو السيرك نصب خيمته البالية من جديد نهاية الأسبوع في شارع محمد الخامس، ووضع من يسمّون أنفسهم بضمير الشعب تحت يافطة "مواطنون ضدّ الانقلاب" صورهم المكروهة من قبل الجمهور على شاشات "الجزيرة مباشر" لتقديم عروضهم المتكرّرة، مع أنهم يتوقعون النتائج، أو بالأحرى هم وضعوا النتائج واتفقوا عليها فيما بينهم بينما يضحكون بلؤم على الجمهور الذي يتخيلونه أنه يمثل دور" أنا لا أسمع، لا أتحدث، لا أرى" . وبالرغم من أن نوعية الجمهور قد تغيّرت ووعت اللعبة ، وكشفت ألاعيبَ الساحر التي لم تعد مُبهرة ، إلا أن المهرّجين مصرّين على المضي باللعبة ، مع أنهم يعرفون بأن الجمهور بات يسمع ويرى ويصرخ بأعلى صوته ليتوقفوا عن تقديم العرض ، بل وحطّموا الكراسي وسيطروا على ساحة العرض ، وقريبا سيُحرقون خيمة السيرك.
قادة ما يسمّى ب"مواطنون ضد الانقلاب" والذي انبرى أحدهم وهو من الكائنات المتحوّلة سياسيا على الدوام ولا يُعرف له مستقرّ ، يتحدث بكل صفاقة وقلّة حياء بأنهم حركة ديمقراطية تقدّم نفسها بديلا للحكم ، وتشاهدون بعض رموزهم على شاشات الفضائيات يصيحون ويوجهون أقذع الشتائم والاتهامات لرئيس الجمهورية ، هم يلتقون في الأماسي السعيدة ليتقاسموا الكعكة مع مشغّليهم من حركة إخوان العنف والإرهاب ، ويوزّعون أدوار العرض القادم مع تغيير طفيف لسيناريو ساذج ومكشوف ، وتزييف العناوين ، بأن تتحوّل تسميات الأحزاب التي استغلت الإسلام السياسي ، الى تسميات متخمة بالوطنية ومتبنّية لإرادة ثورة الشباب الذين قتلتهم وشربت دماءهم ورقصت على جثثهم.
وما يزيد من سذاجة اللعبة أو العرض ، هي بعض الإضافات التي توحي للجمهور بأن البرلمان المجمّد الذي صادر إرادة الشعب ولا يمثلها ، ومعه قادة الأحزاب الذين أفسدوا وسرقوا وخرّبوا وقتلوا ، يجتمعون لتدبير المرحلة القادمة وإعادة ما يسمّونها كذبا بالشرعية الدستورية لتدور من جديد ، لتستأنف لعبة هتك الدولة ومقدّراتها وقضاءها المريض ، وما بقي من قليل قوت أبناء الشعب الذي هتكت به موجة الغلاء الفاحش في كل المواد ومناحي عيشه.
اليوم نشهد اجتماعات وسجالات الأحزاب وعلى رأسهم حزب الإخوان وشخصيات سياسية معروفة هي عناوين كل الفشل ، لتشكيل ما يسمى بجبهة وطنية لمواجهة "الانقلاب" وآثاره . عناوين هذه الأحزاب ولغة بياناتها اختلفت ، لكن جوهرها ذاته ، العناوين والتسميات جديدة ، لكن المحتوى قديم ولم ولن يتغير، أما الأهداف المقدّسة عندهم فهي راسخة مثل رسوخ الصخور، الحفاظ على المكتسبات والمصالح الشخصية وضمان عدم فتح الملفّات.
 
ما تغيّر في المشهد وأحدث زلزالا أجبر حزب الإخوان وباراشوكاته وعملائه من الأحزاب "المدنيّة" على تغيير عناوينها هي ثورة شباب 25 جويلية ، التي تعاملت معها هذه الأحزاب بسخرية قبل أن تدرك أنها ثورة جادّة وقادرة على هزّ مقاعدهم وقواعدهم ، لهذا قابلوها بالاستهجان وبالتغريدات المحرّضة على قتل أبطالها ودحرها ، وأن كل الاجتماعات التي تدور في الغرف المغلقة اليوم ، تستهدف أهداف هذه الثورة وشبابها وإبقاء الأوضاع على ما هي عليه.
 
إن ما يتوجب على أنصار حراك 25 جويلية ، هو أن يعوا حجم المواجهة الشرسة من قبل تلك الأحزاب ضدهم وضد إرادتهم ، وما حصل منذ ذلك اليوم من استهداف للدولة ولكل أوجه حياة المواطن هو ممارسة تدريبية (بروفة) لما سيجري لاحقا من استهداف لحياة أنصار الحراك ، والاستهداف لا يعني المباشر فقط ، بل هناك استهداف مبطن يكمن في تغريدات المحرّضين باسم الإصلاح ، ضد الإصلاح ، وهذا يحتّم على كل الأطراف الداعمة ل25 جويلية ولرئيس الجمهورية ، الاتحاد أو التجمع تحت خيمة ائتلاف أو اتحاد أو حزب واحد ، بعيدا عن أية مصالح ذاتية والتنازل فيما بينهم عن خلافاتهم للإعداد جيّدا للمراحل القادمة واستحقاقاتها السياسية والانتخابية بعيدا عن الشعارات الطوباوية والشعبوية ونوازع إرادة اكتشاف العجلة من جديد ، فالوقت ثمين ومن لا يتقدم يتأخّر ، والخطأ الشخصي يستفيد منه الخصوم في المقام الأول …
 
. المقالات المنشورة في ركن "قول مختلف" تلزم صاحبها وتُعبر عن رأيه فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "حقائق أون لاين"
 
 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.