يوميات امرأة: عن الزواج المختلف والفرق بين الفحولة والرجولة

 هديل خزري –

أنا حنطية البشرة أميل إلى الإسمرار سوداء العينين مجعدة الشعر، اما زوجي فهو أبيض البشرة ينصهر لون عينيه الفيروزيتين بنظراته المحبة والشغوفة فتجعلني أنفجر مرحاً وغبطة.

في قريتي تمنع الفتيات عن التنانير القصيرة والسجائر والخمور بدعوى ضرورة الالتزام بالدين والأحكام العرفية والنواميس الأخلاقية التي تسري على الانثى دون الذكر فكأن الدين رداء يفصل على مقاس رغباتهم الجنسية وأهوائهم الغريزية لاشباع غرور الدكتاتور الشرقي القابع بداخلهم، والذي لم يزده إلا خضوع حريمهم وسكوتهم عن الجبروت والحيف الذي لجم أفواههم وعقولهم فكانوا لا يشدون إلا بما شاء وحي الأب والأخ والقرين الذي تتعاظم سلطته وترتفع فوق سلطة الشرع والأخلاق والشرعية الوطنية والاقليمية والدولية ولا يقلص من نفوذها إلا عقل نيّر وصوت هادئ ينطق بالحق والحب والفضيلة، ولهذا لم يحبني هؤلاء يوماً رغم ما كنت أبديه من معسول القول ولين الفعل ورد الفعل!!!

زوجي كان يجل الذات الالاهية أكثر من أي أمر آخر لكنه أبداً لم يرى في المودة التي يعاملني بها أو المشاعر التي يسبغها علي طيلة سنين الحياة المشتركة شيئا متضارباً مع حقيقة دينه وجوهر إيمانه!!!

الأن صار بوسعي أن  أضع عطراً باهض الثمن وأحمر الشفاه الباريسي والملابس الرسمية التي تنسجم مع ذوقي المختلف وذائقتي الجمالية أكثر من تلك الألبسة الفضفاضة التي يرغمونني على إرتدائها متذرعين بالدين متناسين فحو الآية القرآنية "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، وإن تميزت الذات الالاهية بالرحمة والغفران فهؤلاء قد حجب ما بهم من تسلط بقايا الحب والعطف الذان أشك في تمتعهم بهما يوماً !!

في بريطانيا عند إنتقالي للعيش برفقة الرجل الذي لا أحب سواه، لا أحد يهتم إن كنت أصيلة باكستان وما عاينتة من عذاب وما إختبرتة من ألم بسبب تدخل جماعة "طالبان" في حياتنا اليومية وشؤوننا الحياتية بدءا من الرقابة الصارمة التي تفرض على شتى العبادات التي نمارسها من صلاة وصوم وزكاة، وصولاً إلى التحكم في خياراتنا الشخصية من طريقة الأكل وأسلوب اللباس وحتى القرارات الأكثر مصيرية وخطورة كقرار الزواج.

هي حريات شخصية ولكنها لم تكن مستثناة مما يزعمونه من نهضة فكرية وثورة ثقافية ولهذا لم ينل زوجي جون يوماً رضاهم، زوجي الذي غير ديانته مؤخرا ليعتنق الدين الاسلامي، زوجي جراح العظام البريطاني الذي يساهم بعلمه ومهاراته في إنقاذ آلاف الأرواح البشرية، تلك الأرواح التي لم أجد في اطروحاتهم أي إحترام لها وهو ما دفعهم إلى التخطيط لإبادتها أينما حلوا وأينما وجدوا!!!!

لا أحد في "برمنغهام" المدينة التي إنتقلت إليها والتي يباشر زوجي عمله بأحد هياكلها الصحية سيهتم إ ن كنت مسلمة أو مسيحية أو على "مذهب كونفوشيوس"، الانتماء الديني غير مهم في مثل هذه الأماكن، وحده الانتماء الانساني سيحدد إذا ما كنت جديراً بالثقة والاحترام من عدمه، وإن قللت من قدر الآخرين أو حاولت بخسهم انسانيتهم فستردع وتعاقب، ليس بفعل الارهابي أو الإنتحاري الذي سيشهر الكلاشينكوف في وجهك بل عملاً بأحكام العيش المشترك وهو سيف مسلط على رقبة المواطن البريطاني إمتثالاً للسلطة القضائية والأمنية و التشريع المحلي الذي يمثل الفيصل الوحيد في حالات الفوضى ومخالفة القانون !!

منحتني علاقتي بزوجي الكثير من الحرية الايديولوجية والمزيد من الانفتاح الاقتصادي فصار بإمكاني أن انقد من يخالفني توجهاً وفكراً دون أن أنعت بالسافرة أو عديمة المثل والأخلاق وغيرها من صكوك العقوق والردة التي يلصقها دعاة الارهاب والعصيان الفكري بكل من لا ينتمي إلى خارطتهم الدينية والفكرية، الآن أيضاً صرت قادرة على الاختلاء بزوجي لنستمتع بعشاء  رومانسي بأحد فنادق الخمس نجوم التي تعج بها مختلف المدن الاوروبية كبرلين وميلانو وباريس دون أن أتهم بالفساد المالي ودون أن تصنف تصرفاتي العفوية التي لا غرض منها سوى تدليل المحيطين بي والمبالغة في إكرامهم مادياً ومعنوياً بالتبذير المفرط والبذخ المشط !

الآن أشعر بأعراض إنصراف ذلك الرصيد المعنوي المثقل بالفشل والاهانة، فحين كنت أنعت بالفاشلة معدومة الذكاء لتحصلي على علامات جد منخفضة في المواد العلمية فقد اقنعني زوجي الذي لم يعرف الفشل الدراسي يوماً أن الأبواب التي ندخل منها التاريخ عديدة ومتشعبة فكما أن "ماري كوري" مميزة وذكية لانها نابغة في الميدان العلمي فياسر عرفات ومانديلا والأم تيريزا كانت لهم أدوار حيوية لا تقل عن أدوار عباقرة الطب والكيمياء تأثيرا وقيمة لاسهامهم بأفكارهم النيرة وحسهم الانساني الشاهق الارتفاع في محاولة تجنيب البشرية ويلات التطرف والتعصب العرقي عبر ربط علاقات دبلوماسية متينة  مع كافة قادة العالم والانخراط في غمار العمل التطوعي والسياسي الهادف منذ سن مبكرة.

وهنا إلتحقت بجامعة "أكسفورد" لأنال شهادة في العلاقات الدولية وأنا حالياً بصدد إعداد أطروحة دكتوراة عن "الجماعات الدينية المتشددة" وحاولت تطويع تاريخي المرير مع التزمت لأقدم منتوجاً فكرياً يساعد غيري على إستيعاب ظاهرة الارهاب والتفكير في حلول عملية للتقليل من أثاره الاقتصادية المدمرة لا الإدعاء انني ضحية هاجرت إلى الشمال لأجد بعضاً من تلك المكاسب التي حرمت منها ببلادي والحال أن مختلف الكيانات السياسية بالعالم تمر بأزمات إنسانية وديمقراطية خانقة لا ينقذها من براثنها سوى الاستعانة بالكفاءات العلمية الداخلية لإعادة الوضع إلى ما كان عليه ولتفادي هذا الصنف من الكوارث مجدداً !!!

وحتى أثناء شجاراتنا الأكثر حدة، لم يتهمني زوجي أني قدمت للمملكة المتحدة خوفاً من شر الطالبان وانتصارهم للفكر الهدام والقائم على إقصاء الآخر إجتماعيا وإتيقيا،  فالبيئة التي قدم منها وترعرع بها تمجد الاختلاف في اللغة والثقافة وتوليه حق قدره.. فالقورمة والشعيرية بالحليب والنيهاري بالإضافة إلى البيلاف الكشميري ومختلف الأطعمة الخاصة بالمطبخ الباكستاني التي تتوفر بمختلف المطاعم الشرقية بمدينة "برمنجهام" وإن قلصت من احساسي بالغربة، إلا أن انفتاحي على مذاقات غذائية وعادات ثقافية متنوعة جعلني أفخر بتحولي من شخصية غاضبة إلى إمراة مخضرمة ومنفتحة وهو ما حملني على إستقبال وجود الآخر في حياتي بالكثير من الإنفتاح الروحي والعاطفي دون أية أفكار رجعية أو أحكام  مسبقة.

في النهاية، أيا كان حجم تلك الشجارات وما يمكن أن تفضي إليه من حزن وغضب، يظل زوجي تلك الروح الطاهرة التي ألجأ إليها كلما إشتدت وطأة غلوهم الفكري وسيظل حمايتي التي أرتمي في أحشائها إتقاء من شر تصرفاتهم المزعجة وأفكارهم الأشد مقتاً وإزعاجاً !!

هي قصة فتاة تزوجت من رجل يختلف عنها شكلا ودينا وتفكيرا ربما ولكنه أكمل نصفها الآخر.. نصفها الذي كان تائها في زحمة الانغلاق الديني والفكري والمجتمعي وتحرر بمجرّد العثور على من فكّ اغلاله من المؤمنين بحرية الانسان وحقه في اختيار الحياة التي يريدها بعيدا عن الأحكام المسبقة.. هي قصة جديدة من يوميات امراة مازالت تواجه التقزيم في مجتمعات تأبى الإيمان بمكانتها.

 

معلومات عن الكاتبة: 

هديل الخزري، 28 سنة، باحثة في القانون العام بكلية الحقوق والعلوم السياسية بتونس.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.