باحث في القانون يجيب: هل يمكن إعتبار فيروس كورونا من أمراض الموت؟

بقلم الأستاذ نادر الخماسي محامي وباحث في القانون-
 
يعيش العالم المعاصر الآن على وقع كابوس ”فيروس كوفيد-19” وهو المرض الناجم عن فيروس كورونا المُستجد المُسمى فيروس كورونا- سارس- 2، وقد اكتشفت منظمة الصحة العالمية هذا الفيروس المُستجد لأول مرة في 31 ديسمبر 2019، بعد الإبلاغ عن مجموعة من حالات الالتهاب الرئوي الفيروسي في يوهان بجمهورية الصين الشعبية.
 
وعرفت منظمة الصحة العالمية هذا المرض بأنه مرض تنفسي حادّ مرتبط بفيروس كورونا المستجد 2019، وهو مرضٌ تنفسي إنساني حيواني المنشأ، يُسببه فيروس كورونا 2 المرتبط بالمتلازمة التنفسية الحادة الشديدة (سارس كوف 2) هذا الفيروس قريبٌ جدًا من فيروس سارس.
 
هذا وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية في 20 مارس 2020 تصنيف وباء كوفيد-19 كجائحة عالمية.
 
ولم تؤثر هذه الجائحة فقط على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية لدول العالم وإنما لامست كذلك عديد الجوانب القانونية، فأصبحنا كرجال قانون نتحدث عن علاقة مرض كورونا بالمسؤولية التعاقدية ومدى إعتباره قوة قاهرة، بالمادة الجزائية وبالإجراءات والأجال في إطار القيام بممارسة الحق في التقاضي، لكن في الحقيقة لم يتعرض احد إلى مسألة على غاية من الأهمية وهي مدى إمكانية إعتبار فيروس كورونا من قبيل أمراض الموت؟
 
بداية لابد من تبسيط مفهوم مؤسسة مرض الموت حتى يفهمه الجميع.. ولغاية ذلك سنأخذ مثال يساعدنا على فهم أهمية هاته المؤسسة على المستوى القانوني:
شخص (x) مصاب بمرض السرطان وهب عقارا لزوجته ثم توفى بعد ذلك بمدة قصيرة، فهل يمكن في هاته الحالة للورثة أن يقوموا بقضية لإبطال هاته الهبة؟ .
 
الجواب هو نعم يمكنهم القيام بذلك ولذلك جعلت مؤسسة مرض الموت وهي حماية الورثة من التصرفات التي يقوم بها مورثهم عندما يكون في حالة مرض صعب ينذر بدنو الأجل، سواء كانت هاته التصرفات هبة، بيع أو غيره..
 
وعموما فإن مقتضى مبدأ سلطان الإرادة في المادة التعاقدية هو أن إرادة الفرد تشرع بذاتها لذاتها وتنشئ بذاتها لذاتها التزامها، فالأصل في الإنسان أنه حر في التصرف في أمواله مادام أهل لذلك.
 
هذا وجاء بالفصل الثاني من مجلة الالتزامات والعقود انه من بين أركان العقد التي يترتب عليها تعمير الذمة أن يكون المتعاقد أولا ”أهل للإلزام والالتزام” وأن يكون التصريح بالرضا من جهة ثانية ”تصريحا معتبرا"، ومعنى ذلك أن تتوفر في شخص المتعاقد إرادة حرة وواعية ومميزة.
 
ولئن كانت القدرة على الإدراك والتمييز مفترضة قانونا لدى كل شخص طبقا للفصل 3 من مجلة الالتزامات والعقود، فإن بعض الأشخاص بحكم إصابتهم وتأثرهم ببعض الأمراض الذهنية أو البدنية يفقدون ملكة الإدراك والتمييز بما يخول للقاضي الاستناد إلى مؤسسة مرض الموت.
 
وهاته المؤسسة لم يسند لها المشرع التونسي تعريفا دقيقا لذلك لابد من الرجوع للفقه الإسلامي لضبط مفهوم لها: عرّفت مجلة الأحكام العدلية بالمادة 1595 مرض الموت ”بأنه المرض الذي يعجز فيه الإنسان عن رؤية مصالحة الخارجية عن داره إن كان من الذكور، ويعجز عن رؤية مصالحة الداخلية في داره إن كان من الإناث، والذي يكون فيه خوف الموت في الأكثر، ويموت على تلك الحال قبل مرور سنة ملازماً الفراش أو لم يكن. 
 
وإن امتد مرضه دائماً على حال ومضى عليه سنة يكون في حكم الصحيح ما لم يشتد مرضه ويتغير حاله. أما إذا امتد مرضه وتغير حاله وتوفي قبل مضي سنة، فيعد مرضه بدءاً من وقت التغيير إلى الوفاة مرض الموت.”
 
أما بالنسبة لفقه القضاء فإنه قام بتعريف هاته المؤسسة إستنادا إلى مصدرها، حيث جاء بالقرار التعقيبي المدني عدد 8162 المؤرخ في 24/11/1982 أن:
مرض الموت وان جاءت به الفصول 565 -355-354 مدني والفصل 206 من مجلة الاحوال الشخصية فلا بد فيه من الرجوع للفقه الاسلامي الذي عرّف بحقيقته كما ورد بالفصل 1595 من مجلة الاحكام العدلية في المذهب الحنفي، وهو أن "مرض الموت هو الذي يغلب فيه الموت ويعجز معه المريض عن رؤية مصالحه خارجا عن داره اذا كان من الذكور وعن رؤية مصالحه داخل داره اذا كان من الاناث ويموت على ذلك الحال قبل مرور سنة سواء كان صاحب فراش او لم يكن".
– وان امتد مرضه (يتقيها حاله) ولكن لو اشتد مرضه كان في حكم الصحيح وتكون تصرفاته كتصرفات الصحيح ما لم يشتد مرضه يتقيها حاله، ولكن لو اشتد مرضه وتغير حاله ومات قبل مضي سنة يعد حاله اعتبارا من وقت التغيير إلى الوفاة مرض موت.
 
وحيث ترتيبا على ما جاء بالفقه الإسلامي وباجتهادات الفقه القضائي، يستفاد مما تقدم أن لمرض الموت أربع شروط يجب أن تتوفر مجتمعة:
أولا- عجز المريض عن مباشرة مصالحه الشخصية.
ثانيا- أن يغلب في المرض خوف الموت. 
ثالثا- انتهاء المرض بالموت فعلا.
رابعا- وهو شرط يتعلق بمدّة المرض 
 
ولا تكفي هاته الشروط ليتم التمسك بأحكام مرض الموت وبالتالي في طلب إبطال التصرف لابد من توفر بعض الشروط الإضافية الأخرى التي تختلف حسب طبيعة التصرف.
 
فإذا كان العقد المراد إبطاله مثلا هو عقد بيع فيختلف مآله من حيث صفة المنتفع، فإذا تم البيع لوارث فإن على بقية الورثة ان يثبتوا إضافة إلى وقوع العقد في مرض الموت ان يتوفر كذلك قصد المحاباة بمعنى التفضيل، كأن يبيع له بأقل من الثمن المتعارف عليه بكثير..
 
أما إذا كان لغير وارث فالبيع صحيح في حدود ثلث التركة وقابل للإبطال فيما زاد على ذلك.
 
وعموما إذا أصيب شخص بمرض كورونا ومن ثم توفى، وقبل وفاته قام بإبرام هبة او بيع.. فهل يمكن المطالبة بإبطال هذا العقد وبالتالي إعتبار الإصابة بفيروس كورونا من قبيل أمراض الموت؟
 
في الحقيقة لم ينص لا المشرع التونسي ولا فقه القضاء ولا الفقه الإسلامي مصدر هاته المؤسسة على قائمة حصرية في الأمراض التي يمكن إعتبارها أمراض موت وإنما العبرة بالتأثير الذي من الممكن أن يحدثه هذا المرض على الحالة النفسية والصحية لمن أصيب به والعبرة كذلك بتوفر شروطه.
فإذا أصيب شخص بمرض كورونا وكان تأثير هذا المرض أن:
*أعجزه عن ممارسة مصالحه الشخصية (العمل، شؤون المنزل، وأي مصلحة كانت يؤديها المريض بمفرده ..)
*شعوره بدنو الأجل وإقتراب الموت 
*إتصال المرض بالوفاة بمعنى ثبوت وفاة المريض بمرض كورونا.
* أن لا تتجاوز بمدة هذا المرض عام واحد
فإنه يمكن لورثته المطالبة بإبطال تصرفاته وذلك حماية لهم وللذمّة المالية لمورثهم.
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.