بقلم عبد اللطيف الحناشي- أعلنت مداولات المؤتمر الثاني للحزب الدستوري – الديوان السياسي –(30اكتوبر الى 2 نوفمبر 1937 ) ولائحته السياسية عن خيبة الحزب في حكومة الجبهة الشعبية والتزامها بالبرنامج العام الذي أقره مؤتمر 1933، وأقر المؤتمر خطتين هما: "تقوية نشر الدعاية مباشرة في الأوساط التونسية بجميع الوسائل الملائمة .. ومواصلة الحوار الفرنسي لتبديد سحب سوء الظن.. الإعلان عن إضراب تضامني لكامل يوم 20 نوفمبر 1937 وذلك مع الحركات الوطنية في كل من المغرب والجزائر رغم رفض رئيس الحزب الدكتور محمود الماطري ذلك، وقد عبّر هذا الموقف عن تحول جذري لممارسة الحزب النضّالية خاصة بعد تنفيذ الإضراب، برغم معارضة الإقامة العامة لذلك فيما أدت مظاهرة الاحتجاج التي اندلعت ببنزرت يوم 8 جانفي 1938 بسبب إبعاد المسؤول النقابي والدستوري حسن النوري إلى تأزم الموقف خاصة بعد سقوط ستة(06) شهداء وجرح  نحو عشرين(20) آخرين من المتظاهرين. و مثل انعقاد المجلس الملي للحزب الدستوري بالديوان السياسي أيام 13 و14 مارس1938 نقلة نوعية في خطاب الحزب خلال مرحلة ما بعد الإبعاد السياسي لقادته للمنطقة العسكرية بأقصى الجنوب التونسي (1934-1936)حيث طالبت لائحته السياسية بـــــ: استمرار الكفاح وتنظيم الجماهير وإعدادها للمقاومة. تكثيف أعضاء الديوان السياسي للحزب من نشاطهم عبر مختلف جهات البلاد محرضين السكان على الامتناع عن دفع الضرائب ومقاطعة السلع الأجنبية والامتناع عن أداء الخدمة العسكرية اتخاذ علاقة الحزب الدستوري بالإقامة العامة صبغة التحدي خاصة بعد تهديد هذه الأخيرة لعلي بلهوان، بمعاقبته في حالة إلقاء محاضرة حول "دور الشباب في المعركة" ورغم هذا التهديد ألقى البلهوان محاضرته فأصدرت الجهات المعنية أمرا بفصله عن العمل وهو ما أدى إلى إعلان الطلبة عن إضراب عام تضامني وذلك يوم25 مارس 1938 مما أدى بالسلطات إلى إغلاق المعهد وإبعاد نحو عشرة(10) طلبة إلى جهاتهم الأصلية ووضعهم تحت نظام الإقامة المراقبة وتحجير الإقامة عليهم في بقية المراقبات المدنية بالبلاد بتهمة التحريض على الإضراب والمشاركة في نشاط دستوري، كما وضعت(05) طلبة تحت نظام الاقامة المراقبة في الوقت الذي ألقت الجندرمة القبض على بعض الأعضاء من الديوان السياسي( بين 4 و6 أفريل) ومنهم الهادي نويرة ود. سليمان بن سليمان وصالح بن يوسف ومحمود بورقيبة وزجت بهم في السجن. اما رد الحزب إزاء هذا الإجراء  فكان الدعوة للتنظيم مظاهرتين : الأولى : انطلقت في حمام الأنف يوم 7 أفريل 1938 وانتهت بتقديم المنجي سليم عريضة للباي تعبيرا عن احتجاج المتظاهرين عن اعتقال أعضاء الديوان السياسي للحزب وسجنهم. الثانية : خرجت يوم8 أفريل 1938 للاحتجاج أمام مقر الإقامة العامة على الإجراءات القمعية التي اتخذتها ضد الدستورين وذلك بقيادة محمود الماطري([1]) والمنجي سليم وعلي بلهوان وقد رفع المتظاهرون شعارات مختلفة ومنها برلمان تونسي وبالتوازي مع ذلك قرر الديوان السياسي تسيير مظاهرة أخرى يوم 10 أفريل احتجاجا على إهمال الحكومة النظر في المطالب التي كان قد رفعها الحزب إليها وعدم إطلاق سراح المعتقلين والمسجونين الحدث: كانت الجماهير في حالة توتّر قصوى يوم 9 أفريل وهي  ينتظر خروج عضوي الديوان السياسي الطاهر صفر وعلي درغوث من مكتب الوزير الأكبر ولما بلغها خبر استدعاء علي بلهوان للمثول أمام السلطات القضائية تحولت باتجاه قصر العدالة والتحقت بها جموع أخرى من السكان من الأحياء المجاورة (الملاسين –راس الطابية …)حتى بلغ عدد الحاضرين،حسب بعض التقديرات، بين 1000 و1500 شخص فتدخلت قوات الشرطة والجيش وأطلقت النار على بعض الأفراد الذين حاولوا اقتحام قصر العدالة بهدف متابعة الأحداث من الداخل وقد أدى ذلك إلى سقوط بين (20)إلى (22) تونسيا وجرح نحو مائة وخمسين(150) آخرين.  كما قد يكون عدد الشهداء والجرحى أكثر من ذلك.فبعض العائلات لا تعلن عن استشهاد أبناءها او عن إصاباتهم حتى لا تكون تلاحقهم لعنة السلطات الاستعمارية الفرنسية،و كان جل هؤلاء من الشباب الذين كانوا يعانون من البطالة وخصوصا من النازحين القاطنين بالأحياء القصديرية بالإضافة إلى تلاميذ المعهد الزيتوني… ظل حدث 9 افريل 1938 ملتبسا  وإشكاليا  فتعددت التأويلات والتفسيرات: فتجمهر الناس كان تلقائيا وعفويا باعتبار ان الحزب الحر الدستوري التونسي الديوان السياسي لم يدعوا للتجمع لذلك يعتبر البعض ان ما حدث كان بفعل أطراف كانت ترغب في إنهاك الحزب وإضعافه في حين يرى البعض الآخر ان طرفا في الحزب(الجناح الراديكالي)كان سببا في ذلك لتصعيد الموقف… و كان ينتظر ان يحصل ما حصل من قمع في المغرب والجزائر سنة 1937 بهدف "احراج" النظام الاستعماري .ولكن ان كان الأمر كذلك لماذا لم تقع المواجهة يوم 8 افريل أثناء المظاهرة التي نظمها الحزب؟ وإذا كان الحزب ينتظر المواجهة ألم يكن من المفروض ان يتفاداها حتى لا يسقط هذا العدد الكبير من الضحايا؟ثم والاهم ألم يكن الحزب يتوقّع  تلك الإجراءات التي تلت الأحداث والتي تمثلت في اعتقال كل الزعماء وإيداعهم سجن سان نيكولا بفرنسا او  السجون الفرنسية بالجزائر خاصة وان فرنسا تعيش على صفيح حار بفعل حدة التجاذبات السياسية المحلية وحدة الصراع بين القوى الديمقراطية والفاشية  ولن تتسامح مع أي تحرك في تونس التي تعرف تواجدا ضخما للجالية الايطالية (أكثر من 90 ألف ايطالي) جزء هام منهم يحملون الفكر الفاشي ؟ لذلك لا يتردد البعض في القول  ان من مصلحة القوى الفاشية الفاشية الايطالية  توتير العلاقة بين الوطنيين التونسيين  والإدارة الفرنسية لإضعاف الجانبين ما يسهل على ايطاليا تحقيق أهدافها الإستراتيجية.ومهما كان الأمر نرى ان  الاحتقان الذي كان سائدا بين إدارة الحماية  من جهة والحركة الوطنية من جهة أخرى   تجسد خاصة في قرارات الحزب  و في خطاب عليّ البلهوان يوم 8 افريل 1938 الذي تميز بالتعبئة و بالحدة  وبالتحريض المباشر ضد إدارة الحماية.كما ان توتر الوضع السياسي في المغرب والجزائر نتيجة السلوك القمعي لفرنسا تجاه الحركات الوطنية بالإضافة لتوتر العلاقات الدولية  وانعكاس ذلك على الأوضاع في تونس بحكم تواجد العدد الضخم للجالية الايطالية  والتيار الفاشي والنازي الفرنسي بتونس عوامل قد تساعد على تفسير الأسباب التي أدت لتلك المواجهة العنيفة وتداعياتها المختلفة على الحركة الوطنية بين 1938-1945 وقدرة الشعب التونسي بمختلف نخبه على امتصاص الأزمات والضربات ليصنع الانتصارات..رحم الله شهداء تونس جميعا وكل ما ساهم في تحرير الوطن وبناء الدولة الوطنية من أي موقع كان وبأي وسيلة. ([1]) كان محمود الماطري قد قدم استقالته من الحزب بعد اعتراضه على إضراب 20/11/1938 الذي أقره الحزب في غيابه وتعلل الماطري بالمرض لتبرير الاستقالة وذلك حتى لا يحرج أعضاء الديوان السياسي

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.