اعترض حزب العمال، حزب العمال الشيوعي سابقا، يوم 7 نوفمبر 1987 عن تولي الرئيس الأسبق الراحل زين العابدين بن علي بانقلاب وصفه "بالأبيض" وأعده الوزير الأول أنذاك محمد المزالي.
وأصدر حزب العمال يوم 7 نوفمبر 1987 طالب فيه بإطلاق سراح المساجين السياسيين والنقابيين وتسريح المجندين إجباريا وإرجاعهم إلى دراستهم أو شغلهم مع التعويض ، وإرجاع المطرودين لأسباب سياسية أو نقابية إلى عملهم مع التعويض، غلق المحتشدات وإيقاف التتبعات ورفع إجراءات التوقيف عن الكتب والآثار الأدبية و الفنّية والصحف والمجلات ، وسحب البوليس من الجامعة و سنّ عفو تشريعي عام .
كما طالب بإلغاء قانون الجمعيات الصادر سنة 1959 وإلغاء قانون الصحافة لسنة 1975 و إلغاء القانون المحدث لمحكمة أمن الدولة .
ودعا كذلك الى حلّ مجلس النواب و إجراء انتخابات سابقة لأوانها حرّة و ديمقراطية و كذلك الشأن بالنسبة للمجالس البلدية .
وكان حزب العمال من أشرس الأحزاب المعارضة لنظام بن علي وكان الحزب الوحيد الذي رفض الإمضاء على وثيقة الميثاق الوطني، التي قدمتها الحكومة بعد الاطاحة بنظام بورقيبة على أنها الحل لتنظيم الحياة السياسية في البلاد في حين أمضت عليها بقية الأحزاب والمنظمات.
وفي ما يلي نص البيان كما نشره حزب العمال يوم 7 نوفمبر 1987:
الجنرال زين العابدين بن علي يفتتح عهد الانقلابات، لنناضل من أجل الجمهورية الديمقراطية الشعبية
يعيش النظام الدستوري منذ سنوات تقلبات و صراعات حادّة ذهب ضحيتها العديد من رموزه السياسيين وأفضت في الأسابيع القليلة الماضية إلى تصدّع جديد في فريق الطوارىء أدّى إلى صعود الجنرال إلى الوزارة الأولى وهكذا أصبح واضحا أن البرجوازية الكبيرة العميلة تريد أن تحكم الشعب بأكثر الطرق قسرية ، تريد أن تحكمه بالجيش والبوليس والمرتزقة إلاّ أن نزوات بورقيبة كانت تمثل عاملا إضافيا لإضفاء مزيد من عدم الاستقرار ومزيد من التطاحن بين مختلف الكتل المتهافتة على الحكم و هو ما زاد في أطماع الامبريالية الأمريكية على وجه الخصوص لكسب السبق نهائيا على منافستها الفرنسية وأمامها صنيعة وكالة مخابراتها الذي سهرت على تربيته و إعداده ليتحين الفرصة لاعتلاء العرش، هكذا بعد أن كاد يفقد منصبه في الوزارة الأولى – و فقده فعلا لمدة ثلاث ساعات – قام بانقلاب أبيض اليوم 7 نوفمبر 1987، و كان أعدّ نسخته الأولى مع الوزير الأول الهارب محمد مزالي إلاّ أنّه اختلف معه على تقسيم المناصب، وها هو ذا يتفرّد بالحكم و يزيح منافسيه محمد الصياح و منصور السخيري ويضع الجيش بين أيدي آمنة موالية له، وكذلك بالنسبة لوزارة الداخلية التي وضعها بين يدي موالين له وعملاء وكالة المخابرات الأمريكية من الجيش وحافظ على الوزراء المدنيين الذين لا يهمهم سوى مركزهم ، وبدأت الإذاعة تردد بيان الانقلاب والتقرير الطبي من السادسة صباحا .
قام زين العابدين بن علي بانقلاب أبيض هو بذلك يفتح عهد دخول العسكر الصراع السياسي في سبيل الحكم : أي عهد الانقلابات العسكرية، و حكم البلاد على الطريقة الأمريكية اللاتينية . مهما كانت قبضة الجنرال قوية فلن تسكت أطماع منافسيه غرمائه سواء في الجيش أو في حزب الدستور وسوف يتفاقم التطاحن كلّما زادت الأزمة الاقتصادية .
إن الجنرال وهو يعلن إنهاء "الحكم البورقيبي" "يتبنى" ضرورة مراجعة الدستور بهدف إلغاء الرئاسة مدى الحياة والخلافة الآلية مراجعة قانون الصحافة و قانون تنظيم التعددية … الخ .
هي شعارات يودّ أن يكسب بها الرأي العام الديمقراطي والمعارضة الإصلاحية إلاّ أنّه لم ينس قطّ الدعوة إلى "الانضباط" و"العمل الجاد"، ونادى بترك الأحقاد والضغائن وبوحدة التونسيين، وإلى جانب بيانه أعلنت وزارة العدل تأجيل النظر في قضية "الإخوان" الموقوفين .
لم يفت الجنرال أن يظهر بمظهر الليبيرالي المتحضر منذ أن اعتلى الوزارة الأولى إلاّ أنّه لا يستطيع أن يخفي فاشيته أو أن يحجبها عن الشعب وعن الثوريين الصادقين : إنه لن يتردد في وضع يده مع "الإخوان" من أجل شدّ الشعب بالقوّة والقهر ، وما الدّعاوي "الديمقراطية" التي يظهر بها إلاّ مجرّد شعارات استهلاكية لتبييض وجه، ولإيهام الشعب أنّه يفتح أمامه عهدا جديدا، عهد الحرية والديمقراطية ، إلاّ أن الشعب الذي لاقى كلّ الويلات من النظام الدستوري ومن عملاء الامبريالية ومن بائعي الوطن لن يخدع بشعارات الجنرال الفاشي وعميل وكالة المخابرات الأمريكية.
إنّ خروج البلاد من مخالب الفاشية وحكمها العسكري –البوليسي يتطلب اجراء تغييرات جوهرية على شكل السلطة وفرض شكل ديمقراطي يقبل بحقّ الشعب في ممارسة الحرية السياسية وإدخال الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية اللازمة والملحّة لتحسين حالته وإنقاذه من وطأة البؤس المادّي والمعنوي وسدّ الباب أمام كابوس الفاشية ( الدستورية و العسكرية الإخوانجية ) وتخليص المجتمع منه.
ويعتبر حزب العمّال الشيوعي التونسي أن معالجة الوضع السياسي هو مفتاح بقية الإصلاحات. فالمهمة المباشرة ذات الأولوية تتمثل في وضع حدّ لقانون الغاب و الحكم الفردي و ايجاد المؤسسات والقوانين الحامية للمواطن من التعسف والجور و رفع الكابوس المسلط عليه ، ولن يتمّ ذلك إلاّ إذا تجندت الطبقة العاملة و الشعب إلى النضال و تخلصت من كلّ الأوهام حول "ديمقراطية" الجنرال و حول "ثورية" الأحزاب الإصلاحية الرجعية و كذلك حول الأحزاب الفاشية (حزب الدستور و الإخوان ) والتفّت حول البرنامج الأدنى الذي يمكنها من قطع خطوة جادة على درب التحرر الوطني والاجتماعي .
وحتى تعرف بتجربتها الملموسة عليها أن تواجه الجنرال بالمطالب الدنيا المباشرة:
1) إطلاق سراح المساجين السياسيين والنقابيين وتسريح المجندين إجباريا وإرجاعهم إلى دراستهم أو شغلهم مع التعويض ، وإرجاع المطرودين لأسباب سياسية أو نقابية إلى عملهم مع التعويض، غلق المحتشدات وإيقاف التتبعات ورفع إجراءات التوقيف عن الكتب والآثار الأدبية و الفنّية والصحف والمجلات ، وسحب البوليس من الجامعة و سنّ عفو تشريعي عام .
2) إلغاء قانون الجمعيات الصادر سنة 1959.
3) إلغاء قانون الصحافة لسنة 1975.
4) إلغاء القانون المحدث لمحكمة أمن الدولة .
5) حلّ مجلس النواب و إجراء انتخابات سابقة لأوانها حرّة و ديمقراطية و كذلك الشأن بالنسبة للمجالس البلدية .
6) حلّ النقابات المنصبة و إرجاع الاتحاد لأصحابه الشرعيين ، و تمكين الطلبة من إعادة بناء منظمتهم النقابية ( الاتحاد العام لطلبة تونس ) .
7) الزيادة في الأجور وربطها بالأسعار، والرفع من القدرة الشرائية للشغالين.
8) الزيادة في المنحة الجامعية بما يتناسب وغلاء المعيشة و جعلها حقا لكافة الطلبة .
ينبغي على الشعب أن يجعل من هذه المطالب وغيرها محكّا يختبر به مزاعم الجنرال المنقلب و قاعدة يرصّ عليها صفوفه للنضال الفعلي في سبيل الجمهورية الديمقراطية الشعبية .
و لنرفع عاليا : تسقط الفاشية
و لنناضل في سبيل الجمهورية الديمقراطية الشعبية .
حزب العمال الشيوعي التونسي
7 نوفمبر 1987