“صالون هدى “.. طرح آخر للأوضاع في فلسطين

 يسرى الشيخاوي- جدّة/ السعودية

 
إلى الشوارع الفلسطينية، يرجع المخرج السينمائي هاني أبو أسعد ليخوض بكاميراه صراعا داخليا يقوم على متناقضين الولاء والخيانة ويقدم طرحا آخر للأوضاع في فلسطين عبر إثارة علل المجتمعات العربية في علاقة بالمرأة، في فيلم "صالون هدى" ضمن المسابقة الرسمية  للافلام الروائية الطويلية في مهرجان البحر الاحمر السينمائي الدولي.
 
ومن فكرة حقيقة تبدّت ملامح سيناريو لا يستفيض فيه الحكي كثيرا إنما يعتمد على العناصر البصرية لإقحام المشاهد في التفاصيل التي كلما انسابت كلما تلبّست الأمور ببعضها البعض.
 
فالفيلم يقف في طريق ثالثة بين المتناقضات، يصورها على سجيتها لكنه يخفي ملامحها ويتعدّاها إلى بعد آخر أعمق، إلى ذلك الصراع الذي تتورط فيه الأنفس وهي تتمزق بين أفكارها وهواجسها.
 
عناوين كثيرة لهذا الصراع الذي يلازم الكل وهو يحاول أن يعانق الحياة حتى وإن رمى نفسه في بوتقة موت مؤجّل يرتدي وجه الحياة، موت مقنع يؤجج الاضطراب في أعماقك ويؤرقك.
 
"الموت للخونة" عبارة تشدّك إليها وأنت تمعن في أحداث الفيلم، عبارة يحاول المخرج أن يسائلها ولا يتوقف عند الظاهر منها والسطحي ويحاول أن يبحث عن أجوبة عن أسئلة لا تتوقف عن السيلان.
 
وعلى إيقاع السرد البصري، يتحدى المخرج نفسه الصراع بين وجهتي نظر إحداهما موضوعية والأخرى ذاتية ويحاول الأضداد وهو يستلهم المشاهد من قصة حقيقية حضور المرأة فيها صارخ.
 
الحكاية تنطلق من صالون حلاقة في بيت لحم تمتلكه "هدى"، تحوّل من مكان لتصفيف الشعر والزينة إلى فضاء لجر الحريفات إلى العمالة والجوسسة، لتتحول رحلة التغيير والبحث عن مظهر جديد إلى كابوس.
 
من الكرسي الذي يواجه المرآة التي توقفت منذ زمن عن قول الحقيقة إلى سرير تتخذ معه الأحداث بعدا دراميا تتفجر معه ثنائيات كثيرة، تتبدى أجساد النساء عارية هامدة بعيون واجمة لا تقدر على استيعاب الموقف.
 
إمراة تلو الإمرأ، تعتمد "هدى " على خاصية واحدة في اختيارهن انطلاقا من تجربتها الشخصية مع زوجها، هي تختار الباحثات عن الامان والاحتواء، هي تختار من ذقن وجع الخذلان.
 
آخر النساء اللاتي اصطادتهن "ريم"(ميساء عبد الهادي) ، التي تتأرجح بين الولاء والخيانة ولا تقدر على اتخاذ موقف واحد وهي تحاول ان تحمي طفلتها وتواجه الوضع بنفسها.
 
طيلة الفيلم، تنتابك حالة من الارتباك وان تعيد مساءلة المفاهيم في ذهنك وتبلغ هذه الحالة ذروتها في مشهد يجمع أحد رجال المقاومة "حسن" (علي سليمان) بصاحبة صالون الحلاقة (منال عوض).
 
كيف لمن وشى بصديقه كذبا وتسبب في قتله على يد الاحتلال، أن يحاكم إمرأة لم تقاوم الابتزاز واختارت الخيانة على الفضيحة وان يتشدّق بالولاء، هنا تحديدا يضع المخرج كل الأحكام في دائرة السؤال ويزج بك فيها.
 
والفيلم في تفاصيل كثيرة موشح بالعاطفية، يخاطب الإنسان داخل المشاهد ويحثه على رؤية المواقف في سياقها العام بل إنه يظهر أن الخيانة أو الولاء صناعة جماعية دون تبريرات قد تجعل من الخيانة وجهة نظر.
 
وإلى جانب الحرب الداخلية التي يخوضها إنسان في بيئة حرب، تتجلى صراعات المرأة ضد محيطها الذي يختزلها في جسد جعلوا منه عنوان فضيحة دفعت "ريم" إلى محاولة الانتحار لكن الأمر لم ينجح لتعانق دمعتها ابتسامة خفيفة في نهاية الفيلم الذي يرسم الامل بأسلوب آخر.
 
وليس اعتباطيا أن تظهر "ريم" في مشهد  محاولة الانتحار وهي تقضم تفاحة، فالمرأة مجبولة دائمة على تحمل كل الأخطاء إن اقترفتها او لم تقتر، هي مذنبة في وجه المجتمع ولكن ذلك لن يطمس حقيقة كونها محاربة دائما وأبدا.
 
وفي اختيار أماكن التصوير، اعتمد المخرج هاني أبو أسعد على الفضاءات المغلقة التي تلائم حالة الصراع الداخلي والانغلاق على الذات وإن كانت بعض المشاهد في فضاءات خارجية على غرار  الازقة فإنك لن تعانق السماء فقط انت تلاحق خطوات مرتبكة لإمراة تنشد الخلاص.
 
ورغم العتمة التي يحملها فالفيلم في اكثر من تفصيل إلا انه انتصر للأمل في النهاية، كما انتصر للمرأة التي تسلحت بعبرة وابتسامة وهي تستمع إلى شهادة براءتها من الخيانة.
 
بعيدا عن السيناريو والرؤية السينمائية للمخرج، كان أداء الممثلين علي سليمان ومنال عوض وميساء  عبد الهادي لافتا في بعض المشاهد خاصة في علاقة بالأداء غير اللفظي، إذ أجاد ثلاثتهم تجسيد المواقف وسط الصمت عبر الإيماءات والتعبيرات ونظرات العيون.
 
وفي هذا المستوى، لا بد من الإشارة إلى أن هاني أبو أسعد كتب السيناريو بعد أن اختار الممثلين إذ يقول إنه كان يسمع النص بأصواتهم، لتكون تجربة فيلم "صالون هدى" مغايرة ومختلفة كتابة وإخراجا و"كاستينغ".
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.