الديمقراطية المجالسية للرئيس سعيّد

بسام حمدي- 

"تجاوزنا مرحلة في التاريخ ودخلنا أخرى مختلفة عن سابقاتها حاملين أمال شعبنا، بل أمال الإنسانية جمعاء. مصير الإنسانية كلها سيتغير في العقود القادمة. هناك من يعتبر السياسة حرفة. السياسة فكرة أو مجموعة أفكار لإدارة الشأن العام ولإسعاد الناس. البناء يكون قاعديًّا، بالانتخاب على الأفراد، يمكِّن من سحب الثقة. ثورة في إطار الشرعية. تجاوزنا الفكر التقليدي وحاولنا خلق مفاهيم جديدة متناغمة مع المرحلة التاريخية التي تعيشها تونس"، هذه أحد أهم تصريحات رئيس الدولة التونسية قيس سعيد التي تعبر عن رؤيته للانتخابات وللنظام السياسي الذي يستجيب لمطالب الشعب.

وفي الحقيقة، لم تكن الخيارات السياسية والتصورات الفكرية لرئيس الدولة في تونس قيس سعيد خفية، بل كانت معلومة للرأي العام التونسي والدولي قبل توليه رئاسة الجمهورية التونسية ومنذ بداية ظهوره الإعلامي بعد ثورة 2011 وتنبني أساسا على حتمية تعديل القانون الانتخابي وتغيير النظام السياسي.

وبدت التوجهات الرئيسية لسعيد واضحة المعالم منذ أن كان أستاذ قانون دستوري في الجامعات التونسية واتضح أنها ذات أسس مختلفة عما هو سائد في السياسة الداخلية والخارجية.

ووسط زخم سياسي وتشابه في برامج الأحزاب في تونس يصل إلى حد التطابق،  برز سعيد مختلفا كليا عن لاعبي السياسة، في طرحه السياسي باعلانه عداءه لمنظومة الأحزاب وللتمثيلية البرلمانية على شاكلتها الحالية في تونس وتجلى ذلك في كل التصريحات الإعلامية التي أدلى بها منذ سنوات مرت.

ويعتبر الرئيس الحالي لتونس أن تعديل القانون المنظم للانتخابات وتنقيح بعض الأحكام الواردة في نص الدستور إصلاحات سياسية جوهرية وكان هذا المقترح الفكرة المحورية في حملة قيس سعيّد الانتخابية التي يطلق عليها اسم "الحملة التفسيرية".

ومنحت الانتخابات الرئاسية، التي جرت في تونس عام 2019، الفرصة لقيس سعيد لتطبيق توجهاته في السلطة وانطلق في ذلك عبر التعريف ببرنامجه خلال الحملة الانتخابية وواصل ذلك في خطاباته الرسمية بعد توليه رئاسة الدولة ليمهد لنفسه الطريق لتعديل القانون الانتخابي والنظام السياسي.

وبعد دخوله قصر قرطاج، لم يتخل أستاذ القانون الدستوري قيس سعيد عن موقفه الرافض لطريقة الاقتراع ولنظام الحكم شبه البرلماني الذي يتمتع فيه مجلس النواب بصلاحيات واسعة بدءا باختيار الغالبية البرلمانية لرئيس الحكومة وصولا إلى منحه الثقة.

وفي شهر جوان من عام 2021، أعلن قيس سعيد عن نية التغيير من خلال دعوته إلى إجراء حوار من أجل إدخال تعديلات على القانون الانتخابي وإصلاحات على الدستور الحالي، لتجاوز الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد.

ويتمسك قيس سعيد بضرورة إدخال إصلاحات سياسية على طريقة الإقتراع المعتمدة واعتبرها أدّت إلى الانقسام وتعطل السير العادي لدواليب الدولة.

ويفضل سعيد أن تكون طريقة الاقتراع في الانتخابات التشريعية القادمة هي التصويت على الأفراد بدوائر محلية.

وتفسّر تصريحات قيس سعيد المتعلقة بالتصويت على الأفراد بدل القائمات الحزبية أو المستقلة رؤيته المجالسيّة التي تعارض المركزيّة الديمقراطية وتأسس للمجالس الجهوية والإقليمية والعمالية التي تقدم المقترحات والمشاريع بمصعد اجتماعي لامركزي ينطلق من القاعدة نحو القمة مع ضرورة التخلي على منظومة الأحزاب التي تعتبرها مشاريع ديكتاتورية مؤجلة خاصة وأنه أكد في مرات كثيرة أنه لن ينشئ حزبا سياسيا ، وأن الأطراف التي تتبنى أفكاره لا تمثله، معتبرا أن الأحزاب ستندثر بعد عقد أو عقدين.

ويقوم  فكر سعيد على عدم الاعتماد على الأحزاب والحكومة المركزية لتقديم الحلول والمقترحات، بل إن الشباب والعمال والفئات الاجتماعية الدنيا هي المطالبة بالاقتراح وتقديم المشاريع فيما يشبه الديمقراطية الشعبية.

ويرى سعيد أن البرلمان التونسي لا يعكس التمثيلية الانتخابية الواقعية لخيارات الشعب ويرى أنها تعكس فقط أوزان الأحزاب في كامل جهات البلاد.

مبررات أخرى يراها قيس سعيد هامة لتعديل القانون المنظم للانتخابات في تونس أولها الحد من استغلال المال السياسي وشراء ذمم الناخبين في كل المواعيد الانتخابية.

واستند قيس سعيد في دعوته لضرورة تنقيح القانون الانتخابي إلى تقرير صدر عن مؤسسة محكمة المحاسبات المتعلق بالانتخابات التشريعية والرئاسية التي جرت عام 2019، وكشفت عن اخلالات وجرائم انتخابية كثيرة وصلت حد استقواء حركة النهضة الإسلامية وحليفها حزب قلب تونس بشركات "لوبيينغ" أجنبية.

وتعد الحصانة البرلمانية أحد الأسباب التي تدفع قيس سعيد إلى التفكير في تعديل القانون وظهر ذلك ضمن التدابير الاستثنائية التي اتخذها مؤخرا والتي كانت من ضمنها رفع الحصانة عن كل أعضاء البرلمان التونسي.

وفي كل مناسبة وطنية، يقول سعيد أنه سيبقى على العهد والإيفاء بتعهداته الانتخابية المتمثلة أساسا في التغيير وأن الوقت حان للانتقال الجمهورية الثانية يحكمها نظام سياسي وإداري يستجيب لمطالب التونسيين.

ولم يقف العناد السياسي لقيس سعيد عند تقديم مقترحات فقط، بل رفض التوقيع على تعديلات قانون الانتخابات، التي مررها البرلمان في الدورة البرلمانية لسنة 2020 وذلك برده رد طلب رئيس البرلمان راشد الغنوشي على طلبه بشأن التوقيع على التعديلات ورفض إعادته للبرلمان مرة أخرى.

وعلى عكس الكثير من مواقف الأحزاب الرافضة لمقترحات قيس سعيد، أكد حزب حركة الشعب أنه يدعم التغيير الجذري للقانون الانتخابي والنظام السياسي، يعتبر أن ما أفرزته التجربة الحالية من عدم وجود رئيس فعلي للدولة التونسية بإمكانه الأخذ بزمام الأمور، خاصة في مسائل متعلقة بالأمن القومي في ظل نفوذ للسلطة التشريعية.

ولم تقف حركة النهضة صامتة أمام مواقف سعيد، بل تقدمت بمشروع  قانون بتعديل القانون الانتخابي الحالي، الذي ينص على منح صلاحيات للرئيس فيما يخص الدعوة إلى الانتخابات أو الاستفتاء.

واقترحت النهضة في مقترح التعديل إلى تحويل صلاحية الدعوة للانتخابات أو للاستفتاء، من رئيس الجمهورية إلى رئيس الحكومة.

وباعتبارها خصما سياسيا لسعيد، تسعى حركة النهضة من خلال هذا المقترح إلى تجريد سعيّد من إمكانية الدعوة إلى انتخابات مبكرة، في ظل تواصل الأزمة السياسية بين مكونات السلطة الناتجة عن انتخابات 2019.

ويمكن اعتبار مساعي قيس سعيد لتعديل القانون الانتخابي خطوة أولى لتعديل النظام  وكثيرا ما عبر قيس سعيد عن رفضه لما عرف في البلاد بالرئاسات الثلاث (رئيس الجمهورية، رئيس مجلس نواب الشعب، رئيس الحكومة) مؤكدا أن للدولة "رئيسا واحدا" هو رئيس الجمهورية. 

وسيلجأ سعيد خلال هذه الفترة إلى إجراء استفتاء شعبي يقترح به على الشعب تعديل النظام السياسي من نظام شبه مختلط إلى نظام رئاسي يمنح رئيس الدولة صلاحيات واسعة تؤهله لتسيير دواليب البلاد.

 
 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.