عن نساء يصنعن التاريخ زمن الكورونا…

 بقلم الصحفية بالكريديف خديجة السويسي –

يقول الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش "ماهو الوطن؟ ليس سؤال تجيب عنه وتمضي، إنه حياتك وقضيتك معا".

ولأن الوطن حياتهن وقضيتهن خيرن الوقوف في الصفوف الأمامية لموجهة وباء كورونا الذي يهدد استمرار هذا الوطن. 

لكل حرب أبطالها وبطلاتها الذين واللاتي تصدروا وتصدرن ساحات الوغى للذود عن شعوب أوطانهم ولكن هذه الحرب تختلف عن كل الحروب التي نشبت عبر التاريخ فعدوها مختلف وأبطالها كذلك.. فقديما كان الأبطال هم حملة السلاح الذين يذودون عن الوطن بقوة الساعد أما اليوم فإن الأوطان بحاجة إلى طرق أخرى من المقاومة والتي تتلخص أساسا في ماهو طبي وقائي. 

وفي هذا الإطار يمكننا الحديث اليوم عن عدة صفوف أمامية، صف للطاقم الطبي وشبه الطبي وصف للتضامن الاجتماعي التطوعي وصف للعاملات بالساعد من أجل توفير مستلزمات الوقاية والحماية الصحية، وهنا تتنزل بطلاتنا في معركة القضاء على وباء كورونا عاملات المصنع المخصص لإنتاج المواد الطبية الوقائية بالقيروان اللاتي قررن الدخول في حجر صحي داخل المصنع ليواصلن تزويد البلاد بالمواد الطبية الوقائية.

ويشغل هذا المصنع 240 عاملة وعاملا، 150 منهم/ن اختاروا واخترن المرابطة في المصنع للعمل من أجل ضمان تزويد البلاد بالمعدات الوقائية، ومن جملة هذا العدد نجد 110 امرأة خرجن من منازلهن تاركين ورائهن أسرا وعائلات، وضاربين عرض الحائط كل التمثلات الاجتماعية لأدوار النساء في الحروب ليتصدرن المشهد ويساهمن في صياغة تاريخ جديد لواقع مشاركة النساء في الأزمات. 

لماذا هن في حين تتصدر نساء كثيرات المشهد اليوم؟ 

بداية لا بد من الإشارة إلى أن الحرب على فيروس كورونا كسرت كل الصور النمطية المتعلقة بالنساء فهن في قيادة هذه المعركة على مستوى كل الجبهات، ومن الوجوه الأولى المتصدرة للمعركة نجد الدكتورة نصاف بن علية مديرة المعهد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة، ومن بين من فكروا وفكرن في التونسيين والتونسيات ذوي الإعاقة السمعية نجد المختصة في لغة الإشارات شيماء العمدوني، والطاقم الطبي وشبه الطبي الذي يواجه الوباء على مستوى كل ولايات الجمهورية يعج بالنساء، وهذا فضلا عن دراساتهن العليا ومجالات تخصصهن مما مكن هذه الفئة من النساء من امتلاك سلطة معرفية معينة سمحت لهن بالولوج إلى مقدمة الفضاءات المذكرة وعلى رأسها فضاء النشاط العام والسياسي.

ولكن اخترنا تخصيص المقال لفئة أخرى من النساء اللاتي لم نعهد تصدرهن للمشهد العام ولا للمشهد الإعلامي خلافا لما حصل هذه المرة وهن عاملات المصانع، وتحديدا عاملات المصنع المخصص لإنتاج المواد الطبية الوقائية بالقيروان، فمن يعرف منطقة القيروان يدرك تماما الطابع المحافظ لهذه الولاية مقارنة بالعاصمة تونس، أي أن مبيت النساء خارج منازلهن ليس بالشيء السهل الذي يمكن أن تتقبله الأسر هناك بصدر رحب، ثم إن العمل في مثل هذه المصانع لا يتطلب مستوى تعليميا مرموقا إنما يتطلب إتقان حرفة.. إذا فربما نحن إزاء نساء من مستوى تعليمي بسيط لا تحركهن في ما اعتزمن القيام به الشعارات الرنانة التي قرأنه في الكتب ولا أشعار الوطنية والتغني بالوطن ولا اعتيادهن على تصدر المشاهد بفضل سلطتهن المعرفية، وإنما محركهن الوحيد في هذا العمل النضالي هو إيمانهن بهذا الوطن وبدورهن الفاعل من أجل مجابهة الوباء. 

خلاصة القول، إن هذه الحرب على هذا العدو البيولوجي الذي يهدد الإنسانية اليوم ستساهم في بناء تاريخ جديد للعالم وهنا يحق لنا التسائل: بعد الانتصار الحتمي على هذا الفيروس هل سيوثق التاريخ أمجاد النساء على غرار عاملات المصنع في هذه الملحمة أم أنه سيتنكر لهن كما يحدث دائما؟

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.