18
نادية مسغوني-
اثر تعرض بوتفليقة لجلطة دماغية سنة 2013، قلص الرئيس من ظهوره العلني، ما أثار تساؤل الإعلام المحلي و العالمي حول قدرته على إتمام ولايته، وبالرغم من ذلك، فاجأ بوتفليقه المراقبين عندما ترشح وحاز على ولاية رئاسة رابعة سنة 2014، وقد أدلى بصوته وهو على كرسي متحرك.
و مع تقلص العوائد النفطية والغازية و انعدام الامن في ليبيا و تصاعد المطالب المنادية بالتنمية والتشغيل واستفحال الشعور بالاستياء وعدم الرضا في صفوف الشباب الجزائري الذي خير نهج الهجرة غير الشرعية، أصبحت البلاد تعيش وبشكل متصاعد أوضاعا تنذر بوقوع أزمة، بالإضافة الى التحديات التي تواجهها الجزائر والتي تتطلب قيادة قوية، تعجز الرئاسة الحالية نسبيا عن التحكم في البلاد.
ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية ل 2019 ، تتعالى الأصوات الداعية الي تفعيل المادة 88 من الدستور الجزائري التي تنص على أنه " إذا استحال على رئيس الجمهورية ممارسة واجباته بسبب مرض خطير ومزمن، فإن المجلس الدستوري يقترح بالإجماع أن يكشف البرلمان عن الأسباب المعوقة".
وتنص هذه المادة أيضًا على أنه " يحق لرئيس الجمعية الوطنية تولي رئاسة الدولة القائمة بالتصرف لمدة أقصاها (45) يومًا”. ولكن، في حال “لا يزال الرئيس غير قادر على مواصلة مهامه بعد انقضاء مهلة الـ (45) يومًا، يعلن البرلمان عن شغور منصب رئاسة الجمهورية”.
لهذا تبدو انتخابات 2019 محورا لجدال كبير وترتيبات داخلية تحتاج إلى قدرة على إدارة هذه الأزمات بطريقة عقلانية وشرعية، خاصة انتقال السلطة في حال توفي الرئيس بوتفليقة أو ترك منصبه بشكل غير متوقع.
وتحتد الازمة اذا ما علمنا بأن النظام السياسي الجزائري يعتمد في شرعيته منذ الاستقلال على ديناميكيتين حاسمتين لموازنة القوة، أولا:الجزء الأكبر من مصداقية الرئيس مستمده من مشاركته في حرب الجزائر من أجل الاستقلال، ثانيا:تقسيم السلطة و الحصص الحكومية بين – جماعة تلمسان- غرب الجزائر – والتي ينتمي اليها بوتفليقة و – الجماعة الشرقية- الممثلة في كبار جنرالات الجيش، و لعل هذه التجزئة تقسم كافة شرائح الشعب الجزائري.
لاسيما و أن هذا التقسيم يشكل حاليا أزمة كبيرة لأن أغلبية المجاهدين القدامى الذين حاربوا الاستعمار الفرنسي قد ماتوا، و هذا ما يدفعنا للقول بأن الرئيس المقبل لن يكون من الذين شاركوا في حرب التحرير، و أن أي مرشح سيفتقر لهذه الشرعية و المصداقية التي يرتكز عليها بوتفليقة.
ومن ثمة ستختلف الديناميكيات في تقاسم السلطة في فترة ما بعد ولاية بوتفليقة عما هي حاليا، فالتحالف بين جماعة الرئيس الحالي، الذي يمثل – جماعة تلمسان-، ورئيس أركان الجيش قايد صالح، الذي يتزعم -الجماعة الشرقية-، خلق قوة هرمية، تترابط فيها مصالح الجيش والرئاسة وأعضاء النخبة السياسية والاقتصادية.
وفي ظل هذه الظروف، يشكّل تعيين خليفة لبوتفليقة أمرًا في غاية الحساسية لضمان انتقال السلطة سلميًا وبسلاسة، أو أن تسعي الدائرة المقربة من الرئيس بوتفليقه لتمرير هذا الوضع الجديد، عبر تمهيد الطريق لولاية خامسة مستقرة له بهدف المحافظة على الوضع الراهن إلى أن يظهر مرشح توافقي.
ويفسر ذلك ما يسمي الحرب الباردة في الجزائرعلى الرئاسية والتي تم التحضير لها بعزل العديد من القيادات العسكرية وإقصاء الكثير من المرشحين المحتملين للرئاسة مستقبلا.
فمنذ 2015، تم تفكيك – دائرة الاستعلام و الامن – التابعة للسلطة الجزائرية و تغيير تسميتها ب -دائرة المراقبة والأمن- واستبدالها بجهاز استخبارات خاضع للسيطرة الرئاسية لتعزيز قبضته على السلطة وإقالة " محمد مدين" .
وكذا اقصاء “عبد الغني هامل”، المدير العام للأمن القومي كمرشح محتمل لخلافة بوتفليقة، بعدما أعلن عن ضبط شحنة كوكايين قيل إنه متورط بها، ما أدى إلى انتهاء مسيرته السياسية و عزله عن المشهد و اخضاعه و عائلته للمتابعة و التحري بعد تحجير سفره و انتزاع املاكه.
وكذا إبعاد “عبد المجيد تبون”، رئيس الوزراء الأسبق، الذي تم إعفاؤه من منصبه كرئيس للوزراء بعد تعيينه بثلاثة أشهر فقط لأنه من أتباع “قايد صالح” ومرشح محتمل للرئاسة من الجماعة الشرقية، كما أضعف عزله موقف رئيس هيئة الأركان العسكرية في اختيار مرشح.
وبالرغم من هذا الصراع الخطير تستمر الجماعتان في التوافق حول ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة، رغم حالة عجزه وعدم قدرته على مخاطبة شعبه و قراءة البيان الدستوري، خشية سعي الاسلاميين للاستفادة من هذا الصراع الداخلي على النفوذ، ولعب دورا ما.
وعموما فالأحزاب السياسية في الجزائر ليست لديها القدرة الكافية على توجيه الرأى العام عموما وتعميق الوعي السياسي لدى الشباب خصوصا وعدم قدرة هذه الأحزاب على طرح مشاكل الشعب على طاولة الحوار كما ينبغى وشرح حيثيات وأسباب مشاكله وإقتراح وسائل لحلها ،الأمر الذي أدى إلى فقدان مصداقية الشعب في جل الأحزاب السياسية و بالتالي تدني الحراك الفكري والسياسي بكل معانيه، بالإضافة الى هشاشة البرامج السياسية وعدم وضوح أهدافها وأطروحاتها مما جعلها تستورد أفكارها من الخارج هذا ما أدى إلى إخفاق برامج التيارات السياسية على أرض الواقع.
ويكمن ضعف الاحزاب السياسية في الجزائر في فشلها في خلق تحالفات وائتلافات، إضافة الى الإنشقاقات المتتالية ، وغياب الديمقراطية الداخلية ، وهشاشة البرامج السياسية ومنه نقول ان قوة أي حزب سياسي تتجلى في مدى قوة التأثير على الحياة السياسية وإتخاذ قرار في شأن الوظيفة الرقابية والتشريعية و هذا ما سيؤدي حتما إلى ضمان تحول ديمقراطي واضح .