الإسلام بين فكّي العنف المقدّس والجهل المؤسّس

دنيا الزغيدي –

قُتل عثمان بن عفان، ثالث الخلفاء الراشدين، بأيدي مسلمين وقُتل علي بن أبي طالب، خاتم الخلفاء الراشدين، بأيدي مسلمين، ثم قتل الحسين ابن علي وقطعت رأسه بأيدي مسلمين وقتل أخوه الحسن مسموماً مغدوراً بأيدي مسلمين.. لتتعاقب قرون من حكم دولة المسلمين أريقت فيها الدماء باسم الدفاع عن دين الله وإقامة خلافة الله في الأرض.

وقائع تاريخية نسترجعها علّها تنير لنا طريقا به من الظلمة الشيء الكثير نستدل بها في كل مرة تصفعنا كتائب الموت بعملياتها الغادرة، نحاول عبرها كشف خيوط واقع يترأسه المدّعون تطبيق تعاليم الدين الإسلامي المراتب الأولى في ارتكاب جرائم التكفير وسفك الدماء لتتعدد أسماء هذه التنظيمات الإرهابية وتتحد في المنهاج والممارسة والأهداف.

تاريخ المسلمين في مرآة الحقيقة

توالت وقائع الاقتتال بين المسلمين حيث قتل في “موقعة الجمل” التي كان طرفاها “علي” و”عائشة” اثنان من المبشرين بالجنة “طلحة والزبير” تلتها “موقعة صفين” التي كان طرفاها “علي” و”معاوية” وقتل فيها مسلمون بعضهم البعض، ثم ذُبح 73 من عائلة رسول الله بيد مسلمين في معركة إخماد ثورة “أهل المدينة” على حكم “الأمويين” غضباً لمقتل الحسين.. وقُتل في معركة الحرّة 700 من المهاجرين والأنصار بيد 12 ألف من قوات الجيش الأموي المسلم..

وفي خلافة “هشام بن عبد الملك” قتل “زيد بن زين العابدين بن الحسين” وهو من نسل النبي، وصلب عارياً على باب دمشق لأربعة سنوات، ثم تم إحراقه.

وقتل الأمويون بعضهم البعض ثم قُتل أمير المؤمنين “مروان بن الحكم” بيد مسلمين وقُتل أمير المؤمنين “عمر بن عبد العزيز” بيد مسلمين كما قُتل أمير المؤمنين “الوليد بن يزيد” بيد مسلمين ثم قُتل أمير المؤمنين “إبراهيم بن الوليد” بيد مسلمين ليقُتل آخر الخلفاء الأمويين بيد “أبو مسلم الخرساني“.

هذا غيض من فيض لتاريخ بشري إسلامي تلون بالأسود القاني.. وكله للمفارقة باسم تطبيق تعاليم الإسلام.

“عدلت، فأمنت، فنمت يا عمر”

يصعب أن تكون قد مررت، ولو مصادفة، من أمام أحد جوامع البلدان العربية الإسلامية أو تابعت أحد الدروس الدينية التلفزيونية منها أوالمنقولة على الانترنت، دون أن تكون قد استمعت لأحد أهم القصص التي دأب على تكرارها الوعّاظ والأئمة بشغف مطرّد، رواية تصف عمر بن الخطاب، وهو أمير المسلمين وقتها، نائما تحت غطاء السماء بلا حراسة في ألبسة غاية في التواضع يتوسد عصاه أشبه براعي أغنام بسيط بلا سلطة.. يختمها لك رجل الدين بصوت كله ترنّم بالمقولة الأشهر “عدلت، فأمنت، فنمت يا عمر”.

مشهد طالما روي ليثبت لنا عظمة الاستقرار والأمان بالمدينة المنورة إبان حكم الخلافة الإسلامية ما حدا بالحاكم بأمر المسلمين فيها، وقتها للنوم تحت ظل شجرة محميا بسماء الله، في دلالة كبرى على أن العدل كفيل بضمان الأمان وأن الإسلام حمل معه الأمن والسلام.. ليتغاضى رجال الدين عن حقيقة أن عمرا على عدله مات مقتولا وهو ساجد إلى الصلاة على يد الفارسي المسمى “الهرمزان”.

هنا قد يتبادر للذهن تساؤل مشروع جدا: من يمثل الإسلام؟ هل عهد الرسول محمد وما طبقه الرسول أم أنه يمتد على ما تلاه من 13 قرنا من تاريخ شمل مختلف العهود الإسلامية المتعاقبة إلى اليوم.

من يمثل الإسلام.. الرسول أم المسلمون؟

لاستدرار إجابات عن هكذا تساؤل مفصلي لن يكون لنا بديل عن كتاب القرآن مرجعا لما أمر به الرسول وطبقه فعليا طيلة حياته ففي علاقة بالحروب التي حدثت في عهده، إذ قال تعالى: “أذن للذين يقاتلون أن يقاتلوا” وقال أيضا “وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم” “ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين”…

فكانت كل الفتوحات الإسلامية سلمية وكل الحروب التي خاضها الرسول وحصل فيها إراقة دماء كانت دفاعية لم يبادر بها الرسول ولم تكن قطعا احتلالا بتعلة نشرالإسلام.

وكلمة “غزوة” التي أصمت آذاننا لم تذكر قط في كتاب الله حيث سمى الله موقعة حنين في القرآن بـ”يوم حنين” وموقعة بدر بـ”بدر”.

هذا ما حدث في حياة الرسول محمد وهو قطعا وحده ما يمثل الإسلام، فكيف زرعت في عقول المسلمين مقولات الغزوات الدموية باسم نشر الإسلام وقتل المرتد والمختلف واللاديني؟؟؟

إذن من صنع دموية الإسلام؟

علينا بتأصيل المسألة بالعودة للحدث التاريخي المؤذن بانطلاق زمن إراقة دماء صحابة الرسول ومن بعدهم الخلفاء الذين تعاقبوا على حكم دولة الإسلام ليصل لعدد هائل من المسلمين الذين اصطفوا ضد بعضهم البعض ليقتل المسلم أخاه المسلم في مشهد سريالي حد النهاية، فالذين “قَتلوا” كانوا يسعون لخلافة إسلامية، والذين “قُتلوا” كانوا يطمحون لإقامة الخلافة الإسلامية، والذين “قَتلوا” كانوا يرددون الله أكبر، كما الذين “قُتلوا” كانوا يرددون  الشهادتين.

مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان في بيته وهو جالس إلى مصحفه، على يد مسلمين، كفيل بفك شفرة تاريخ إسلامي ارتبط فيه اسم الله بإراقة الدماء، يأبى غالبية المسلمين بمفكريهم وباحثيهم، عدا قلة من المجددين الجريئين، أن يلتقطوا منه الخيط الرفيع الكاشف لسببية هذا السيل الجارف من الدماء التي أريقت لتطبع التاريخ الإسلامي باللون الأسّود، خيط يفصل أوراق الدين عن أطماع السلطة، ربما كان كفيلا بتجنيب الإنسانية أعظم شرورها، ألا وهو القتل باسم الدين.

بالعودة إلى تاريخ البشرية جمعاء نجد أن آلية الاقتتال والتناحر انطلقت مع الأخوين قابيل وهابيل في دلالة على بشرية القتل كفعل إنساني وحتى بعد نزول الأديان السماوية شهدت الإنسانية أعنف حروبها الدموية تحت غطاء الدين.. غير أن ما يختص به التناحر بين المسلمين هو أنه كان يتم بأيادي الحكام أنفسهم وغلف طبعا باسم تطبيق الدين الاسلامي، ليعرف تاريخ المسلمين 13 قرنا من القتل والحروب الدينية قتل فيها الخلفاء بعضهم واصطف المسلمون بينهم ليقتلوا، وقتل فيها من رفضوا الدخول إلى الإسلام، لنجد التراث الإسلامي مليئا حد التخمة بوقائع التناحر والاقتتال الدموي سواءا بين منتسبي ذات الدين أو ضد من رفضوا الدخول للدين الإسلامي أو خرجوا منه ليقتل فيه العلماء والمفكرون الصوفيون منهم، وغيرهم، واضطهدوا وحرقت كتبهم ونفي منهم الكثير أمثال الحلاج وابن سينا والهيثم والبيروني والفرابي وغيرهم، إلى حدود سنة 1923 تاريخ سقوط الدولة العثمانية.

هكذا ظهرت الحركات الإرهابية المعاصرة

بعد سقوط الدولة العثمانية آخر ما اصطلح على تسميته الخلافات ظهر مفهوم الدولة المدنية في الدول العربية الإسلامية لتبدأ في مقابله مقولات الحنين لمنظومة الخلافة الإسلامية، لاستعادة عزة المسلمين بالإسلام.

في الظهور كرّس هذه المقولات قطعا رجال الدين الذين ما فتؤا ينقلون للأجيال المتعاقبة عظمة عهود الدول الاسلامية المتعاقبة، وطرح تحكيم الإسلام كحل وحيد لعودة قوة المسلمين المفتقدة من عهود الخلافة ما مهد لنشأة حركة الإخوان المسلمين كمفهوم ربط الإسلام بالدولة.

ومثلت سنة 1945 حدثا فارقا في التاريخ العربي المعاصر حين نفذت جماعة الإخوان المسلمين أولى عملياتها الإرهابية باغتيال رئيس الوزراء المصري المسلم أحمد ماهر ليكون الحدث المؤذن بظهور مفهوم القتل باسم الله في العصر الحديث لتتوالى من بعدها أحداث حرق للأحياء اليهود المصريين و تفجير دار سينما ميترو سنة 1947 وحوادث غلق وتكسير للحانات لم تنقطع من بعدها عمليات الاغتيال حيث شملت القاضي خزندار سنة 1948 تلاه رئيس الوزاراء المصري النقراشي.

وللمتمحص في كتابات حسن البنا مؤسس الجماعة الإرهابية نجده ناسخا مطيعا لفكر وفتاوي ابن تيمية التي استمدت من تراث إسلامي بشري ألصقه ابن تيمية بالدين لإكسابه القدسية الضرورية لإقامته حجة على رقاب العالمين يجيز بها القتل باسم الاختلاف الديني أو الطائفي أو العرقي أو اللاديني، ليقتصر الحق في الحياة على عدد قليل من البشر وصفوا بـ”المسلمين الحق” أو “الفرقة الناجية” وتفتك من باقي البشرية رفاهية الحياة.

ومن عجائب الأمور أن يشترك في عصرنا الحالي المسلمون مع الصهاينة في الفعل الإرهابي الأفظع ألا وهو القتل باسم الدين فكما يقتل تنظيم داعش الناس جميعا مسلمين كانوا أو من غير دين أو لادينين باسم الدين الإسلامي يقتل الصهاينة الفلسطينيين على ذات القاعدة تحت سترة الدين اليهودي.

من كل ما سبق يتضح أن مواجهة التراث البشري للمسلمين ونفي القدسية عنه لتنعكس بشاعة الصورة في مرآة الحقيقة وحدها السبيل للاعتراف، كخطوة أولى حتمية، بفضاعة ما ارتكب زيفا باسم الإسلام، عمل مناط بعهدة المؤسسات الدينية الإسلامية القيام به أمام العالم أجمع لطلب الصفح عن ما اقترفته أيادي المسلمين في حق البشرية جمعاء لتعرية الحجاب الذي يغطي الارهابين وتقديم الصورة الصحيحة عن الدين الاسلامي مرجعيتنا فيه عهد الرسول وما طبقه لا غير.

هو تمشس، في تقديرنا، لو يمتلك رجال الدين القائمون على المؤسسات الدينية الصدق والجرأة لتطبيقه قد يكون مخرجا آمنا للانسانية من عته مقولات، ألصقت زورا باسم الله، تنافست فيما بينها لإراقة مزيد من الدماء.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.