بقلم: سمير عبد الله
هل يجب أن نعلم حقًا الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة القراءة والكتابة؟ قد يكون هذا رأيًا يحظى بشعبية كبيرة لدى الأولياء، لكنني أعتقد أن الإجابة هي "لا" ، و يتفق هذا الرأي مع العديد من الخبراء و المهتمين بتربية الطفل في سن مبكرة و مع مضامين المنهاج التربوي للطفولة المبكرة ، لكن العديد من العاملين في هذا المجال يرددون أن التدريس ممنوع بتعليمات من السادة المتفقدين ومضمون كراس الشروط المتعلقة بفتح رياض أطفال ،ويصرحون أن الروضة هي مؤسسة تربوية إجتماعية وليست مؤسسة تعليمية ، لكن الواقع اليومي برياض الأطفال ترتكز فيها الأنشطة على تعليم و تدريب الطفل على الخط والكتابة و الحساب منذ على الأقل الثلاثة سنوات و النصف . ويبررون ذلك برغبة الولي و أنهم مضطرون لمسايرته خوفا من أن يسحب إبنه لمؤسسة أخرى تلبي رغبته.
ويرى الولي أن إبنه يجب أن يتعلم القراءة و الكتابة و الحساب ويعتبر أن ذلك هو معيار جودة الخدمات التي تميز روضة أطفال و أخرى ، كما يرى أن ذلك يفيد إبنه عندما يلتحق بالمرحلة الإبتدائية بالمدرسة و يستشهد بما سمعه أو عاشه عن قرب من تميز العديد من الأطفال الذين تلقوا تدريبا على الكتابة و القراءة و الحساب في سن ما قبل المدرسة ، حيث أن مسائل النمو الشامل للطفل و المهارات المختلفة و الذكاءات المتعددة تكاد تختزل بالنسبة إليهم في القدرة على حفظ المعلومة و إسترجاعها يوم الإمتحان للحصول على عدد متميز .كما أن الروضة في التمثل الاجتماعي و لدى العديد من المتدخلين هي مؤسسة تعليمية تعلم الطفل أساسيات القراءة و الكتاب و الحساب .
لكن هل يجب أن نعلم حقًا الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة القراءة والكتابة؟ و هل تعليم الطفل في سن مبكرة يتوافق مع ما يراه خبراء المجال التربوي و المختصين في مجال علم النفس ؟ و لماذا علميا يجب أن نتجنب تعليم الطفل ؟ و ما هي الآثار الممكنة على المدى البعيد على الطفل ؟
رغم تشبعي بدراسات "جان بياجيه " عالم النفس السويسري في النمو المعرفي للطفل، و أراء عالم النفس الأمريكي "إدوارد لي ثورندايك " في التعلم و بمبادئي علم الإجتماع التربوي و المدرسي ، إلا أنني تصفحت العديد من مواقع الأنترنات للإجابة على هذه الأسئلة و بحثا عن وجهة نظرا تتميز بالمصداقية العلمية ، حول التعليم من عدمه في سن مبكرة ، آملا في أن أجد تفسيرا أو تبريرا للتداخل بين الدور التربوي و التعليمي لمؤسسات الطفولة المبكرة ، فلاحظت أن المقالات و المواقع التي بها عناوين بارزة و سهل العثور عليها ضبابية و لا تفرق بين مدلول المصطلحات ، فنفس المصطلح له معاني متعددة في مواقع مختلفة ، كما أنه أحيانا مصطلح التعليم يختلط بمصطلح التربية و التعلم في نفس المقال ، خاصة في المواقع الأكثر شعبية و تصفحا.
فبعض المواقع تتحدث عن التعليم في سن مبكرة على أنه التعليم الإبتدائي و أخرى تتحدث عن أن الطفل يتلقى التعليم منذ ولادته و لا تفرق بين التربية و التعلم ، و بعض الأنظمة التربوية تعبر الروضة مؤسسة تربوية إجتماعية و أخرى تعتبرها مؤسسة تعليمة.
إن هذه اللخبطة و الضبابية المميزة للمصطلح بالعديد من المواقع التربوية بالأنترنات ، و إن كان تأثيرها مهم أو يكاد يكون معدوما على المختصين في هذا المجال لقدرتهم على التفريق بين المصادر و المراجع الجدية ، و يميزون بين الموقف و الرأي العلمي المستند على حجج و براهين و الدراسات ذات المصداقية العلمية ، لكن الأغلبية العظمى لا يمكن أن تميز ذلك ، فهي تبحث عن المعلومة السهلة و المتوافقة مع أهوائها فتصبح حقائق المطلقة التي لا يرتقي إليها الشك ، مثلها مثل المعتقدات و يؤمنون بها إيمانا مطلقا ، مما يؤثر على قدرتهم لتطوير معارفهم التربوية و التخلي بسهولة عن أفكارهم إذا تبين عدم توافقها مع الخبراء و علماء التربية و البيداغوجيا .
ماهي العلاقة بين مفاهيم التعليم و التعلم و التربية ؟
يصعب بيان الفرق بين مفاهيم التربية و التعلم و التعليم لتداخلها ، ، لكن يمكن أن نصرح أن التربية و التعلم عملية مستمرة ما دام الإنسان على قيد الحياة و هي يومية قد تكون بمعلم أو مربي او غيره ، فهى حصيلة التفاعل اليومي مع البيئة و المحيط الذي يعيش فيه الإنسان و سعيه لتجاوز المصاعب التي تعترضه في حياته اليومية ، لكن التعليم عملية منظمة و معلومة و محددة من حيث المحتوى و المدة و تكون بمعلم . هذا المحتوى و الطرق تتغير بتغير السن و القدرة الذهنية و الحركية لكل فرد على إكتساب التعلمات ، فهي كما يرى عالم النفس السويسري "جون بياجيه" تكون وفق مراحل ترتبط بتطور القدرات العقلية و الذهنية و الحركية للطفل ، و تتطور من مرحلة المعرفة الحسية إلى المعرفة المجردة في إطار مبدأي التنظيم و التكيف. ، مما يعني أن الطفل في سن مبكرة له قدرات ذهنية و حركية حسية تجعله قادر على إستيعاب ما هو حسي عن طريق اللعب و الممارسة الحسية ، و هو غير قادر على إستيعاب المفاهيم بالطريقة التعليمية و لا يقدر على الكتابة مثل الطفل الذي له من السن ستة أو سبعة سنوات لأن مستوى نمو عضلاته لا يسمح له بذلك .
هل نؤذي أطفالنا بتعليمهم الكثير في وقت مبكر جدًا؟
أعتقد أن روضة الأطفال يمكن أن تكون تجربة رائعة للأطفال.تمنحهم الفرصة للتواصل الاجتماعي والتعرف على أشخاص جدد و التعايش مع الإختلاف إذ غالبًا ما يأتي هؤلاء الأطفال من خلفيات مختلفة ، مما يسمح لهما باكتشاف ثقافات أو أنساق ثقافية أخرى والتعرف على التنوع خاصة في المدن الكبرى التي يكون سكانها يتميزون بذلك ، بإعتبارهم أصيلوا مناطق مختلفة أو حتى دول تختلف في الثقافة و الدين و اللغة و التاريخ الجغرافيا. هذه البيئة التربوية التي يعيش في إطارها الطفل في سن مبكرة ، يمكن إعتبارها تجربة تربوية رائعة يتعلم من خلالها و يراكم خبراته ، فيكتسب مقومات الإندماج السليم في المراحل الدراسية اللاحقة من قدرات نمائية و مهارات متعددة عندما يتم القيام بها بشكل صحيح.
إن روضة الأطفال بإعتماد تمشيات بيداغوجية ، خاصة بيداغوجيا اللعب ألتي تعتبر اللعب في قلب التعلمات ، ليكون مرور الطفل بالروضة مبهجا و التعلم بها ممتعا. فهو وسيلة بيداغوجية يعبر من خلالها عن إنفعالاته و يكتشف العالم المحيط به و يتعلم الأدوار الإجتماعية و التفكير الإفتراضي و إدارة النزاعات و التفكير الرياضي المنطقي، لكن اللعب يمثل غاية بالنسبة للطفل أيضا .
إن ما ألاحظه من خلال قربي الشديد من الميدان و العاملين به و تواتر الحديث حول الموضوع في العديد من المناسبات مع أصحاب رياض الأطفال و المتكونين في المجال و المشرفين على القطاع . أننا نحاول تعليم الأطفال الصغار كثيرًا جدًا وبسرعة كبيرة ، وغالبًا على حساب صحتهم العقلية ، أي دون مراعات لقدراتهم النمائية والذهنية والحركية و دون إحترام لحاجات الطفل الحيوية في سن مبكرة .
الروضة و المدرسة التحضيرية اليوم تعلم الأطفال الكثير وبسرعة كبيرة.
كانت مرحلة ما قبل المدرسة مختلفة جدًا عندما كنا صغارًا عما هي عليه الآن. من الصعب أن نتذكر بالضبط ما تعلمناه. كنا في الخمس سنوات من العمر فقط ، بعد كل شيء. ومع ذلك ، أراهن أن الذين ارتادوا الروضة في السبعينات و الثمانينات إذا ركزوا على المشاعر العامة التي شعروا بها في ذلك الوقت من حياتهم ، فسوف يتذكرون مقدار المتعة التي عاشوها . لقد كونوا أصدقاء جددًا ، ولعبوا ألعابًا ممتعة ، و تعلموا بعض الأشياء على طول الطريق.
فلقد أعدتنا روضة الأطفال للانتقال إلى مدرسة الكبار. و علمتنا كيف نكون جزءًا من مجموعة ، بل أعطتنا المهارات الاجتماعية التي نحتاجها للنجاح في المدرسة الابتدائية. لقد أصبحت مرحلة ما قبل المدرسة مشهورة فقط في أواخر التسعينيات وأوائل القرن الحادي والعشرين و هي ليست مرحلة إجبارية يمر بها حتما جميع الأطفال في سن ما قبل الدراسة .
من المؤكد أننا لم نقضي اليوم كله جالسين على كرسي صلب نتعلم قراءة و الكتابة و الحساب وحل مسائل الرياضيات المعقدة،عكس أغلب رياض الأطفال اليوم تقضي وقتًا أكثر فأكثر في التركيز بإتباع نظام صارم ووقت أقل في السماح للأطفال بأن يكونوا أطفالًا. غير عابئين بآراء الآباء المؤسسين لعلوم التربية و المناشير و المناهج التربوية التي تنشرها المؤسسات المشرفة .
لقد أكدت جميع النظريات التربوية والمختصين على أن مرحلة ما قبل المدرسة ليست الوقت المناسب ولا المكان المناسب للتدريس الصارم. فلقد أصبح للأطفال في هذه الأيام فرص قليلة جدًا ليكونوا أطفالًا. في سن الخامسة ، نتوقع منهم أن يجلسوا في أماكنهم لساعات ، لا يتحدثون ، لا يتحركون ، و لا ينامون في القيلولة للإستراحة أو التمدد . إذا كانوا محظوظين جدًا ، قد يتمكنون من الخروج لمدة 10 دقائق للاستراحة.
في سن السادسة والسابعة، تبدأ مدارسنا في إجراء الاختبارات الموحدة. تركز جميع خطط الدروس على نقل أكبر قدر ممكن من المعلومات حول الرياضيات واللغة والعلوم في القسم ، و تتنافس المدارس و تزداد سمعتها إستحسانا عندما يتحصل تلاميذها على أعداد مميزة. موضوعات مثل الفن والموسيقى والمواد الاجتماعية و حتى الرياضة يتم إهمالها و أحيانا إلغائها بدعوى سوء الأحوال الجوية . و لا ننسى المدرسة الإعدادية والمدرسة الثانوية ، حيث يصبح الواجب المنزلي عمليا وظيفة ثانية بدوام كامل و كذلك الحال للدروس الخصوصية التي يلتجأ إليه الطفل بعد الحصص العادية بالمدرسة إذن ماذا بقي؟ متى يمكن أن يكون أطفالنا حقًا أطفالًا؟
الطفولة المبكرة ومرحلة ما قبل المدرسة. نظريا هي مرحلة اللعب و المرح ، ثم يدخل الطفل في مرحلة كل شيء مخطط و مبرمج له من قبل الراشدين ، ويصبح ساعيا لإرضاء المحيطين به ،بقطع النظر عن إحساسه ، فهو منذ السنوات الأولى من التعليم الإبتدائي يدخل في سباق المنافسة فيه شديدة من أجل التميز الدراسي المتجسد في الحصول على عدد مرتفع ، بقطع النظر عن نمو مهاراته الحياتية و الاجتماعية و الإنفعالية و التواصلية أو تحقيق رغباته و إحساسه بالسعادة .
لكن ما ألاحظه كمتدخل في الميدان و مهتم بمجال الطفولة المبكرة أنه يوجد خلط بين الروضة و السنة التحضيرية في تونس لدى العاملين في القطاع و الأولياء لتواجد فضاء الروضة و السنة التحضيرية في مكان واحد و بها نفس الوجوه العاملة و بالتالي تتداخل الوظائف بين الروضة و السنة التحضيرية رغم إشرافهما المختلف ، و هما مؤسستين أو هيكلين مستقلين قانونا ، لكن في الواقع في أغلب الأحيان الإستقلال شكلي لا يتجاوز أن يكون لكل واحدة مدخل مستقل. هذا الخلط يجعل وظائف الروضة مؤسسة طفولة مبكرة تتعرض للضغط من الأولياء للقيام بوظيفتها و تحاول إرضائهم . لكن السنة التحضيرية دورها مختلف عن الروضة رغم أنها مؤسسة للطفولة المبكرة ، حيث أن وظيفتها تتمثل في مساعدة الطفل على النمو الشامل و تدريبه على الحياة الجماعية و إعداده للتعلمات المدرسية. و يكون ذلك بإعتماد بيداغوجيا مرنة ، تراعي مستوى نمو الطفل و قدراته الذهنية و تهيئته للمدرسة الإبتدائية و سنواتها الأولى، لكن في كل حال من الأحوال لا تحل مكانها و تدرس برامجها .
ماذا يقول الخبراء عن تعليم الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة أكثر من اللازم وبسرعة كبيرة؟
تبين أن الخبراء لديهم الكثير ليقولوه حول تعليم الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة. دعونا نراجع بعض آراء أكبر الأسماء في علم النفس ونمو الطفل.
في هذا الإطار يشير "بول بلوم" أن الطفل يكتسب 33 % من معارفه وخبراته ومهاراته في السادسة من العمر، ويحقق 75 % من خبراته في الثالثة عشرة من عمره. ويصل هذا الاكتساب إلى أتمه في الثامنة عشرة من العمر. ويشير علماء البيولوجيا أيضًا أن دماغ الطفل يصل إلى 90 % من وزنه في السنة الخامسة من العمر، وإلى أن 95 % من وزنه في العاشرة من العمر ويؤكد "غلين دومان" أن 89 % من حجم الدماغ الطبيعي ينمو خلال السنوات الخمس الأولى . وهذا من شأنه أن يؤكد أهمية مرحلة الطفولة المبكرة في حياة الإنسان على المستوى البيولوجي. ومن المعروف أن نمو الدماغ أثناء الطفولة يترافق بزيادة مرموقة في القدرات العقلية عند الأطفال.
كما أوضح ديفيد إلكيند David El Kind (أستاذ تنمية الطفل في جامعة تافتس ) بمقال نُشر في مجلة EducationNext ، أن الأطفال في سن ما قبل المدرسة قد لا يمتلكون حتى القدرة المعرفية لفهم بعض المفاهيم المعقدة التي نحاول تعليمها لهم. خذ الرياضيات ، على سبيل المثال. "فقط في سن السادسة أو السابعة ، عندما يصلون إلى ما يسميه "بياجيه" " العمليات الملموسة "، يمكن للأطفال بناء مفهوم" الوحدة ". ، وهو الأساس لفهم فكرة الأرقام و الفترات . و يختتم " إلكيند" قوله ب "إذا أردنا أن يقوم جميع أطفالنا إعطاءأفضل ما لديهم ، فعلينا أن ندرك أن التعليم يتعلق بهم وليس نحن. في كثير من الأحيان لدينا أفكار كبيرة حول ما هي مصلحة أطفالنا دون التفكير في الكائنات ذاتها التي نحاول مساعدتها: أطفالنا أنفسهم".
كذلك ، يمكن أن يتسبب التدريب الأكاديمي المبكر في ضرر طويل الأمد ،ففي كتابه Free to Learn ، يناقش الدكتور بيتر جراي . Dr Peter Gray ، كيف يمكن أن يتسبب التعليم المدرسي المبكر في ضرر طويل الأمد لأطفالنا. و يستشهد بالعديد من الدراسات لدعم هذا الادعاء ، حيث تتبع دراسة طويلة الأمد و جيدة التحكيم ، كان من نتائجها ، أن الأطفال من مرحلة ما قبل المدرسة وحتى مرحلة البلوغ المبكرة، كانت في البداية نتائجهم الأكاديمية جيدة و تؤكد فكرة تعليم الأطفال في سن ما قبل المدرسة مهارات أكاديمية معقدة ، لكن اتخذت الأمور منحى مختلفًا تمامًا عندما بلغوا سن المراهقة في سن 15 ، حيث إرتكب الأطفال في مجموعة "التوجيه المباشر" ،الذين تلقوا تعليما في سن مبكرة أكثر من ضعف عدد "أفعال سوء السلوك" من الأطفال الموجودين في المجموعات العادية التي لم تتلقى تعليما في سن مبكرة . كما أضاف "جراي، Dr Peter Gray " أن الأكثر إثارة ، أنه بحلول سن 23 ، كان نسبة أكبر من هؤلاء الأطفال الذين تلقوا تعليما في سن مبكرة لهم سجل إجرامي.
هذا يعني أن تعليم طفلك في مرحلة ما قبل المدرسة القراءة والكتابة يمكن أن يكون عاملا من بين عوامل إنحرافه ، لذلك من غير الضروري تعليم الأطفال في سن مبكرة ، بل نركز على تنمية مهاراتهم و قدراتهم النمائية و تمكينه أكثر ما يمكن من عيش طفولته التي يمثل اللعب أهم مظهر لها .
العمل بدون متعة – اتجاه مقلق
توضح ورقة بحثية صدرت عام 2009 من "جامعة إلينوي في أوربانا شامبين" ،أن الآباء والمعلمين الذين "يعطون الأولوية للتعلم التقليدي في الفصول الدراسية على اللعب المجاني غير المنظم في رياض الأطفال قد يؤخرون بالفعل نمو الطفل بدلاً من تحسينه".
حيث ذكرت " Anne Haas Dyson آلآن هاس دايسون" إحدى أعضاء فريق البحث، في الورقة المذكورة بإن وقت اللعب هو "وسيلة أساسية" للتعلم، حيث قالت "يتعلم الأطفال بالطريقة التي نتعلم بها جميعًا: من خلال المشاركة ومن خلال البناء". هذا ما يفعله اللعب أو أي نشاط رمزي آخر للأطفال. وتوضح أيضًا أن "محاولات الآباء والمعلمين لخلق أطفال موهوبين من خلال قصفهم بالمعلومات هي نوايا حسنة ولكنها تؤدي في النهاية إلى نتائج عكسية و هذا يتوافق مع القول الشائع في ثقافتنا " علموا الأطفال و هم يلعبون ".
يبدو أن الآباء اليوم في نوع من المنافسة مع بعضهم البعض لإثبات من لديه الطفل الأذكى. حتى أن حصول الطفل على عدد مميز أو إنتقاله للتعليم الإعدادي النموذجي أصبح مصدر تفاخر الولي و إبرازا للمكانة . لكن في الواقع كما أشار تقرير المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية و الاجتماعية في سبتمبر 2021 ، أن سلعنة التعليم و جعله مرتبط بالعدد أو المعدل أضعف الجانب التربوي و بقية الجوانب المهارية ، مما أثر في ملامح تكوين الطفل ، حيث أن تركز منظومة التقييم على الفردانية و حب الذات و السعي المحموم للحصول على العدد بكل الوسائل المشروعة و غير المشروعة ، و تحدد الضوارب إهتمام الأطفال ببعض المواد دون غيرها ، مما يشوه عملية التكوين و يضعف نمو الذكاءات الطفل المتعددة ، و يبقى مسار التكوين مؤثرا في كل المراحل ، مما يجعل أخلاقيات الطفل و ثقافته متأثرة بقيم المجتمع الإستهلاكي القائمة على الربح السريع بكل الوسائل.
يستحق الأطفال فرصة ليكونوا أطفالًا ، ويجب ألا تأخذ مؤسسات الطفولة المبكرة ذلك بإستخفاف.
في النهاية ، يستحق الأطفال الفرصة ليكونوا أطفالًا فقط ، رياض الأطفال و حتى المدارس الابتدائية يجب ألا تحرمهم منها. بدلاً من ذلك ، يجب أن يعملوا على تنمية قدراتهم النمائية و التعلم من خلال اللعب ، أما الباقي فسيكون في مكانه الصحيح.
من سن الخامسة ، سيقضي أطفالنا بقية طفولتهم تحت جبل من الأعمال المدرسية. لذلك إن منحهم بعض الوقت ليكونوا أطفالًا لن يفسد نجاحهم الأكاديمي في المستقبل. بعد كل شيء ، لم نقم بتصريف الأفعال في سن الرابعة و نتعلم الحساب، وكان معظمنا على ما يرام!
*سمير عبد الله: باحث في علم الاجتماع و مندوب حماية طفولة درجة ثالثة