حقائق مواجهة حركة النهضة و نظام بن علي: الفريضة الغائبة

بعد الانتخابات العامة 1989، كان الاستنتاج الرئيسي لدى حركة النهضة أن نظام بن علي المنتشي بشرعية انتخابية غير نزيهة قد اختار إغلاق المجال السياسي العام و أن الخيار الإستئصالي هو الأقرب إلى مزاج السلطة لذلك فقد اختارت أن تدخل في معركة كسر عظم سياسي تحت عنوان فرض الحريات ولكن بهدف وحيد إجبار النظام على الاعتراف بها.

من الناحية السياسية ، كانت حركة النهضة ذات التوجه الفكري الأقرب إلى الإخوان المسلمين، قد أصبحت أكثر ارتباطا بتجربة الجبهة الإسلامية السودانية بقيادة حسن الترابي التي وصلت إلى السلطة  عن طريق انقلاب عسكري لذلك فان الحركة كانت مستعدة إلى الذهاب في الصراع مع نظام ابن علي إلى حد إسقاطه والسيطرة على الحكم في تحالف مع قوى سياسية أخرى.

أكدت انتخابات 1989 الامتداد  الشعبي لحركة النهضة، مع وجود اتباع يرتبطون  بها سياسيا و عقائديا مما جعلها تخوض معركتها  بخيارات عدة تتراوح بين الشارع و بعض  مؤسسات الدولة التي كانت أحدثت فيها اختراقات مهمة مثل مؤسسة الجيش.

كان نظام ابن علي يريد أن تتم الانتخابات على قائمات موحدة مع المعارضة في إطار جبهة تتكون من الأحزاب  السياسية الممضية على الميثاق الوطني على أساس محاصصة تذهب فيه اغلب المقاعد النيابية لحزب التجمع الدستوري الديمقراطي، لذلك فان مشاركة حركة النهضة عبر دعم قوائم مستقلة على نطاق واسع اعتبرت بمثابة نهاية فترة التعايش و إعلان الحرب.

اتخذت المواجهة شكل الإستعصاء  من حركة النهضة وفق  مقررات مجلس شورى  انعقد في أواخر سبتمبر 1989 و سياسة المضايقات و تجفيف المنابع من قبل السلطة عبر عزل الأئمة القريبين من حركة النهضة، و إقرار برنامج إصلاح للتعليم بإشراف الوزير اليساري محمد الشرفي و مشاركة  بعض وجوه  اليسار الاسلامي في افق احداث قطيعة مع الفكر الاسلامي الأرتودوكسي الذي تتغذى  منه حركة النهضة.

كانت المعركة اقرب الى عمليات جس نبض امام تخوف كل طرف  من الامكانات السياسية و العملياتية للطرف الاخر ، فالنظام  يمسك بالدولة، بينما  يهدد الطرف الثاني بالشارع لذلك فقد شهدت المرحلة الأولى عمليات تبادل رسائل سياسية تتراوح بين التضييقات الأمنية و السياسية من جهة و بين  تحريك الجامعة و إصدار البيانات خاصة البيان الشهير بتاريخ 02/11/1989  الذي دعا إلى إقالة الوزير محمد الشرفي  بسبب سياساته المعادية للإسلام في إطار منطق السياسة لدى حركة النهضة  القائم على احتكار الإسلام كراسمال رمزي معارض مقابل أحتكار نظام ابن علي للدولة من جهة ثانية، (فيتشية الإسلام ضد فيتشية الدولة).

كان الصراع بين اسلاميي حركة النهضة و نظام ابن علي على/حول السلطة  و لكن اعادة تشكيل الحزب الحاكم الذي اصبح التجمع الدستوري الديمقراطي كتوليفة بين الدساترة  و بعض الشخصيات اليسارية  أعطي المواجهة عنوانا ثقافيا حول النمط المجتمعي و الصراع على امتلاك  الشخصية القاعدية التونسية باعتبار ان السلطة السياسية هي بالضرورة تعبير عن تلك الشخصية ، وفق النظريات المثالية الإسلامية و اليسارية .

بعد إن ظل الصراع محكوما بميكانيزمات تكتيتية هدفها كشف أوراق  الطرف الآخر مع السعي الدائم لإضعافه مثَل مقتل احد نشطاء حركة النهضة- المرحوم الطيب الخماسي – قرب المركب الجامعي في بدايات خريف 1990 من قبل قوات الأمن التطور الأكثر دراماتيكية في  علاقة  السلطة بحركة النهضة حتى ذلك الوقت ، و كان إيذانا بأن  المعركة قد انتقلت إلى مرحلة جديدة قوامها المواجهة الشاملة  و خاصة و أن تلك الفترة ستشهد حراك شعبيا على خلفية دخول الجيش العراقي الكويت و بداية الحشد العسكري الأمريكي و حلفائها في منطقة الخليج.

بدأ نظام بن علي في شن حملة  اعتقالات طالت بعض قيادات حركة النهضة ، خاصة بعد اكتشاف  اختراق المؤسسة العسكرية و الامنية من قبل ما يسمى مجموعة حبيب الاسود رغم انه لم تثبت علاقتها الرسمية بالحركة و هو ما يعني أن النظام الحاكم قد اختار نهائيا التعاطي الأمني كمقاربة لحسم المعركة  مع إسلامي النهضة التي كانت تعيش ارتباكا سياسيا تأكد في مجلس شوراها المنعقد اوائل ديسمبر 1990 و الذي قرر المواجهة مع النظام في اطار ما يسمى انذاك "معركة فرض الحريات"  مع تبني سياسة تحرير المبادرة التي تعطي لاعضاء حركة النهضة حرية اتخاذ اشكال المواجهة و تنفيذها  بالتنسيق مع القيادات الوسطى و دون العودة الى القيادات التنفيذية الاولى التي كانت قد بدات في الدخول في السرية.

اثار تنزيل سياسة حرية المبادرة في الواقع اشكالات عدة لغموضها و ايضا لانها اتخذت وسط انقسام لمجلس الشورى و قد وقع تمريرها باغلبية ضعيفة كان ضمنها راشد الغنوشي الذي كان قد غادر الى لندن منذ ماي 1989.

لم يمنع اتخاذ قرار المواجهة حركة النهضة من مواصلة مبادرتها السياسية فأعلنت في جانفي 1991 عن مكتبها السياسي و مجلس شوراها و بعض المكاتب الجهوية ، وهي مؤسسات كانت مكشوفة للنظام و تخفي تنظيما موازيا سريا يمثله أساسا المكتب التنفيذي الذي كان  يمسك بالمؤسسة التنظيمية لحركة النهضة وكان يقوده آنذاك الصادق شورو.

كان رد نظام بن علي على المبادرة مواصلة سيايسة القبضة الأمنية على المسار السياسي وسط بوادر أزمة اقتصادية و تحرك شعبي مساند للعراق في مواجهة التهديد بالحرب من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها وقد طالت تلك القبضة  جريدة الفجر الناطقة باسم حركة النهضة و التي وقع الحكم  على مديرها حمادي الجبالي بالسجن لمدة سنة على خلفية مقال يتعرض بالنقد للقضاء العسكري .

اندلعت حرب الخليج الثانية

 في 17/01/1991 وسط تحركات شعبية رغم اغلاق المعاهد و الجامعات فأستغل اعضاء حركة النهضة المسيرات لمهاجمة مراكز الأمن، ومقرات التجمع الدستوري الديموقراطي مثل شعبة باب الأقواس في حين اشتدت القبضة الامنية للنظام على جميع المجال السياسي و المدني العام ، بعد أن اتخذ موقفا مساندا في ظاهره للنظام العراقي مما جنبه تحول غضب الشارع إلى حركة احتجاجية عارمة ضده وهو الموقف الذي وصفته انذاك بكلية الحقوق و العلوم السياسية بتونس بتعبيرة للكاتب السويسري دورنمات بأنه مثل  " العاهرة التي تبيع جسدها و تريد ان تبقى مع ذلك شريفة"

كان النظام يعيش مأزقا سياسيا و اقتصاديا حقيقيا و قد استغل المعركة المفتوحة مع حركة النهضة ليفرض نظاما سياسيا استبداديا مع تعليق المعركة بالدفاع عن النمط المجتمعي التونسي، وهو تبرير أيديولوجي لاعلاقة له بحقيقة الصراع، ميز في فترة ما  طبيعية التناقض بين اليسار و  الإسلاميين  و قام بعض اليسار بنقله في إطار التحاقهم بالحزب الحاكم إلى سياسة المعركة بين النظام وحركة النهضة .

مثلت حادثة باب سويقة ليلة 17/02/1991 منعرجا تاريخيا هاما ليس فقط بسبب نتائجها و انما لانزياح عنوان المعركة لتصبح ذات طابع سياسي مدارها الحرب بين الدولة و الإرهاب ومفهوم الإرهاب هو الذي سيبني عليه ابن علي جميع سياسات الإستبداد و سيقدمها للداخل و الخارج كحل لمسالة الإرهاب مع تأجيل الديموقراطية والاستعاضة عن ذلك بديمقراطية القطرة-قطرة في إطار ما اسماه"الصادق شعبان" ديموقراطية الوفاق وهي ديموقراطية بلا منافسة نتائجها معروفة مسبقا مع احترام  عملية انتخابية شكلانية.

 هاجم مجموعة من الشباب الإسلامي مقر الحزب الحاكم بمنطقة باب سويقة التي التي تمثل  قلب المدينة العتيقة و تكاد كل الابحاث  تؤكد أن موت أحد الحراس حرقا  و اصابة الثاني بحروق خطيرة  كان حادثا عرضيا إذ لم يكن الهدف ا قتل الحراس كما أنه لم يقع تقييدهم  بعكس ما روج له النظام وكانت نتائج العملية غير متوقعة و تجاوزت ارادة  المهاجمين ليستغلها النظام لإجراء حركة داخله  بتغيير وزير الداخلية انذاك عبد الحميد الشيخ  بعبد الله القلال  و يطلق حملة ملاحقات ضد أعضاد حركة النهضة مع اشتغال آلة دعائية رهيبة في واقع إعلامي يغيب عنه التعدد و تنوع المصادر حيث كان النظام يحكم البلد من خلال التلفزة العمومية الوحيدة التي تحولت الى منبر دعائي في مجتمع لم يستطع ان يتحول الى راي عام وظل اقرب الى المزاج السياسي العام

كان من نتائج الضغط الامني على حركة النهضة ظهور بوادر تفكك تنظيمي بتجميد قيادات من الصف الاول لعضويتهم من الحركة وهم عبد الفتاح مورو والفاضل البلدي وبنعيسى الدمني والذي يوصف البيان الذي اصدروه في 7مارس 1991الذي يحملون فيه الحركة عملية باب سويقة ببيان الدم لانه اعطى لابن علي نهائيا المسوغ لقمع حركة النهضة  وكانت بوادر ذلك الاسراع بمحاكمة سياسية دون اي ضمانات قانونية للمتهمين في حادثة باب سويقة انتهت باعدام ثلاثة منهم وهم مصطفى بن حسين بن شعبان ومحمد الهادي النيغاوي ومحمد فتحي الزريبي بعد ان رفض ابن علي العفو عنهم مع قبوله العفو عن  احد الاشخاص المتهمين بالتجسس لجهات اجنبية في مفارقة سياسية غريبة.(من القيادات المستقيلة نورالدين البحيري وصدقي العبيدي ومئات من القيادات الوسطى والقاعديين).

رغم ان راشد الغنوشي اعتبر ان الدين شاركوا في واقعة باب سويقة من خيرة الشباب الاسلامي فان حركة النهضة تعاملت بعد الثورة مع الحادثة بتجاهل تام الى حد رفض القيام باي مجهود وهي في السلطة من اجل كشف مدفن رفات  المحكوم  عليهم بالاعدام وهو حق اخلاقي وقانوني لعائلاتهم ويبدو ان حركة النهضة تتعامل مع الحادثة كثقل سياسي تاريخي قد يتحول فتحه الى مسار كامل من المراجعة وتحميل المسؤولية.

كانت نتائج حادثة باب سويقة كارثية على حركة النهضة بكل المعاني لانها أفقدتها الشارع الذي كان أحد رهاناتها الأساسية، و أصبح التغيير غير ممكن من مدخل الحراك الجماهيري و لم يبق أمامها سوى التعويل على أبنائها و أجهزتها التنظيمية الخاصة مثل الموالين لها في الجيش، أو ذراعها الطلابي (الاتجاه الاسلامي)الذي كان القوة السياسية الاهم داخل الجامعة التونسية.

عندما كنت في السجن المدني بسوسة سنة 1995 حدثني أحد العسكريين برتبة نقيب و كان قد حكم عليه بستة سنوات سجن، أن حالة الطوارىء التي أعلنها النظام اثناء  ضرب العراق من قوى التحالف كانت مناسبة لتحرك عسكري و انقلاب على السلطة باعتبار أن كثيرا من الاليات و الدبابات المنتشرة في الشارع تحت سيطرة عسكريين قريبين من حركة النهضة و لكن القرار السياسي لم يكن مساندا لذلك باعتبار ان الظرف السياسي لم يكن مهيأ و هو ما اخر الخيار العسكري باعتبار أن القرارالسياسي له محددات مختلفة عن القرار العسكري و ذلك حتى عودة الجيش الى ثكناته بنهاية حرب الخليج الثانية وتفكيك وجود حركة النهضة العسكري و الامني داخل مؤسسة الجيش و الأمن حيث تم القبض على عشرا ت الضباط و العسكريين في اطار تصفية جماعية طالت حتى بعض الذين كانوا يؤدون فقط واجباتهم الدينية و قد تعرضوا الى التعذيب و المحاكمات في اطار ما عرف انذاك بقضية "براكة الساحل".

كان تعامل النظام في صراعه مع حركة النهضة خارج أي مواثيق قانونية و اخلاقية حيث كان الأفراد يؤخذون بالشبهة حتى صاروا رهيني تقارير المخبرين و كانوا يتعرضون الى أسوا انواع التعذيب من اجل افتكاك اعترافات و لو غير حقيقية و كان التراجع عنها امام المحاكم لا يغير شيئا  حيث كانت محاضر الادانة الصادرة عن باحثي البداية ذات حجية مطلقة امام قضاء تابع لا يعترف بقرينة البراءة.

كانت خطة حركة النهضة "فرض الحريات" بالجماهير و الافتكاك تستند إلى عدة عناصر في اطار اعتقاد الحركة بأنها يمكن ان تنجح باستعمال الشارع و الحركة الطلابية من خلال حركة الاتجاه الإسلامي الذارع الطلابي للحركة و التي لم تغير اسمها رغم أن الحركة كانت قد تحولت إلى تسمية النهضة منذ أوائل فيفري 1989 .و مع بداية تحرك الجامعات أصدرت وزارة التربية منشورا يحيل كل الصلاحيات  الأمنية داخل الجامعة إلى قوات الأمن بعد أن كانت القرارات من صلاحيات العمداء، ثم في 29 مارس 1991 اصدرت وزارة الداخلية قرارا بتجميد الاتحاد العام التونسي للطلبة – الذارع النقابي الجامعي لحركة النهضة و هو ما اثار احتقانا عبر عن نفسه في أحداث  08 ماي 1991 التي شهدت جرح و سقوط مجموعة من الطلبة برصاص الأمن ، وقد استغل النظام تلك الأحداث لاعلان لجنة وطنية لانقاذ السنة الجامعية منح رئاستها لمحمد مواعدة الامين العام لحركة الديمقراطيين الاشتراكيين انذاك  و قد كان ذلك مدخلا للتقارب مع المعارضة و مزيد عزل حركة النهضة سياسيا.هذا و لم تمضي ايام وحتى أعلن ابن علي نفسه على اكتشاف خطة للانقلاب على نظام الحكم و تفكيك خلايا عسكرية و أمنية مما انهى أي إمكانية لحل الصراع سياسيا و كان من نتائج ذلك تعقيب أحكام حادثة باب سويقة الصادرة في 22/05/1991 و نقضها و اعادة الحكم من جديد بهيئة جديدة  بخمسة أحكام إعدام منها ثلاثة حضورية  في 27/06/1991 ثم تنفيذ الأحكام في 09/10/1991.

كان واضحا أن النظام قد احكم قبضته على المجتمع السياسي و  احكم استراتجية المواجهة مع حركة النهضة باستعمال الحل الأمني الذي سيتحول إلى اعتقالات عشوائية  لكل من يشتبه في علاقته بحركة النهضة و خاصة بعد حديث النظام عن اكتشاف خطة احداث الفراغ الدستوري في سبتمبر 1991  و التي تتهم حركة النهضة بتوريد صاروخا من نوع "ستينغر" لضرب الطائرة الرئاسية مع اغتيال وزراء و رئيس البرلمان لاحداث فراغ دستوري يسهل الانقضاض على السلطة  و قد قابلت  في سجن الكاف بعد ثلاث سنوات من ذلك المتهم الرئيسي الهادي الغالي الذي وقع تمرير اعترافاته بالتلفزة العمومية و حكم بالمؤبد،  و كان  مسجونا في غرفة انفرادية حيث أقاصي الجغرافيا البعيدة و حيث الشتاء البارد كالموت.

كانت مواجهة ابن علي لاسلاميي حركة النهضة تقوم على فكرة الاستئصال حيث وقع  سجن كل من له علاقة بحركة النهضة،  و حتى بعض الذين يفكرون على تخومها كما وقع التنكيل بعائلاتهم و حرمانهم من حقوق المواطنة و حتى بعد صدور الأحكام   و قد تواصل تعذيب المساجين و سوء معاملاتهم عبر نقلهم إلى السجون البعيدة عن عائلاتهم مع الاعتداء المستمر و العزل في سجون انفرادية . كان التعذيب سياسة ممنهجة رافقتها سياسة تعليمية وثقافية وإعلامية  هدفها الأساسي تصفية تراث الإسلام السياسي مع تعتيم إعلامي كامل عما كان يحدث، أما حركة النهضة قد استسلمت إلى الأمر الواقع خاصة بعد ضياع آخر أورقها الإقليمية بانقلاب الجيش الجزائري على انتصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الانتخابات العامة  في ديسمبر 1991 .

تحت  ضغط المجتمع الدولي  لم تصدر أحكام بالإعدام في المحاكامات العسكرية 1992 و بقية المحاكمات المدنية لكن عديد المناضلين كانوا قضوا تحت التعذيب مثل عضو مجلس الشورى عبد الرؤوف العريبي – كما قضى آخرون في السجون بسبب الإهمال مثل سحنون الجوهري الذي كان قبل إيقافه احد نشطاء المجتمع المدني البارزين كعضو بالهيئة المديرة للرابطة التونسية  لحقوق الإنسان.

بعد مرور أكثر من عشرين عاما على المواجهة بين حركة النهضة و نظام ابن علي و جريان مياه كثيرة في النهر منذ ذلك الوقت فان  إعادة قراءة تلك المرحلة أكثر من ضرورية باعتبارها قد انتهت بدخول البلاد في مسار انسداد سياسي و دكتاتورية طالت جميع العائلات و التيارات السياسية و الفكرية، كما أسست لدولة الفساد كحليف موضوعي للاستبداد السياسي .

كشفت محنة الإسلاميين أزمة مجتمعية عميقة فجزء من التونسيين حاول استئصال جزاء  من التونسيين  و سط لامبالاة  جزء اخر من التونسيين، و هو ما احدث  شروخا  أخلاقية و سياسية تمثل احد ى مكونات اللاشعور البنيوي الحالي –للتونسيين – والتي  قد تظهر في أي لحظة في شكل عصاب جماعي، لذلك فان تجاوز ذلك يكون بإظهار الحقيقة كجزء من التجربة إستراتجية للتونسيين في زمن ما من زمنهم المعاصر.

لا ترغب حركة النهضة في فتح وقائع تلك المرحلة  لأنها لا تزال تحت سيطرة قادتها السياسيين الذين قادوها إلى محنها المتتالية بغياب اي فكر سياسي  استراتيجي لديهم و سيطرة فكرة التمكين اللاتاريخية لديهم بحيث أن السياسة استعادة ارتودوكسية للإسلام الأول حيث النصر و التمكين حتمي، لذلك فان حركة النهضة حتى وهي ضغط  الضربات الأمنية للسلطة كان قادتها يتحدثون عن الدولة الإسلامية في أكتوبر 1991 و يعدون الطلبة بذلك و كنت أحدهم و لم أشارك في امتحانات اخر السنة بحلم أن يكون  ذلك في ظل الدولة الإسلامية.

في السجن تحدثت مع البعض و كان هناك تحميل المسؤولية للإطارات الوسطى خاصة في الجهات باعتبار أنه وقع تضخيم إمكانيات الحركة إلى درجة اعتقدت معها القيادات أن النصر على مرمى حجر، و أنه يمكن الانتصار على بيروقراطية دولتية محكومة بالاستبداد.

أيضا كان القرار السياسي مرتبكا و مترددا فالحركة أوعزت  بتكوين مجموعات مسلحة  لمهاجمة مراكز الأمن و مقرات التجمع ثم تراجعت و تم جمع الأسلحة  و بعضها سقط في أيدي النظام كدليل إدانه.

كان راشد الغنوشـي من الجزائر يبعث بأشرطة تحشيدية تركت أشد الأثر في شباب الحركة الذين دفعوا أكثر من غيرهم ثمن المواجهة.

هذا النص ليس كتابة تاريخية و لكنه تحريض على معرفة ما حدث في تلك الفترة حتى لا تقع يوما إعادة إنتاجها بآلامها و عذاباتها. كان الصراع بين حركة النهضة و ابن علي صراع على السلطة و كان مأزق كل طرف غياب نظرية للدولة،  ابن علي ينظر للدولة كإقطاع و الإسلاميون ينظرون كتمكين الاهي لا تاريخي  قاد ذلك الاسلامين إلى السجون و المنافي و قاد ذلك ابن علي إلى الدكتاتورية ثم السقوط المريع على عتبات الديمقراطية.

هل كان الإسلاميون حالمي السلطة أم   حاملي ثقافة ؟

كان الإسلاميون  حالمو سلطة و هاربو ثقافة…

  منذ أيام عقدت حركة النهضة مؤتمرها في مناخ ملتبس حيث لم يتوضح الوضع النهائي للحيز السياسي العام و هي تبدو مقبلة على تغييرات سياسية و فكرية ظاهرها الانتقال من الجماعة إلى حزب و حقيقتها الاستجابة لضغوطات الزمن السياسي الداخلي و الدولي .

حركة النهضة مقبلة على مستقبل مقطوع عن ماضيه الذي سيقع القفز عليه و التخلي عنه غامضا مبهما في الغرف الخلفية للتاريخ.

تشعر حركة النهضة بثقل تاريخها و تريد أن تفتكه من أفرادها  الذين صنعوه بدموعهم و آلامهم ليصبح مجرد عبء وجب التخلص منه هم الذين نظروا إليه كبطولة فردية و جماعية و عليهم تبعا لذلك نسيان تاريخهم  و إن لزم الأمر النظر إليه كأخطاء لا تستحق الفخر من اجل مقتضيات المرحلة القادمة.

حركة النهضة القادمة ستتخلى عن الفكر من اجل الإستراتجية و لكن الأفكار مثل لا شعور فرويد يمكن أن تعود في كل وقت كعصاب.

على حركة النهضة  إن تتغير و لكن كديناميكا داخلية و ليس كاملاءات.

*نقلا عن الشارع المغاربي

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.