أحمد وسيم العيفة –
يزيد حلم الإنسان كلما درس التاريخ وزاد تحصيله للعلم ويضيق حلمه كلما تعكر اقتصاد دولته. فأحلام جل شباب العالم مرتبطة بصحة اقتصاد أوطانها وبذلك صحة الاقتصاد العالمي.
ان الاقتصاد في تونس، مثله مثل عدة اقتصادات يشهد أزمات مالية تفرضها التحولات السياسية وصراعات الجيوبولوتيك التي من ورائها الهيمنة والسيطرة، وكل يبحث عن مصلحة دولته ومن ورائها أيضا نقص الكفاءة في القيادة وسوء التصرف في الموازنات المالية.
تونس جزء من اقتصاد عالمي خيرت ان اتحدث عليه في مقالي هذا، حيث ان الاقتصاد العالمي سيصطدم بازمة مالية كبيرة ان لم يتمكن من مجابهة هذا التكديس الرهيب للثروة. فحسب "oxfam France" ثروة نصف سكان العالم تضاهيها ثروة ستة وعشرون شخص وهم أغنى الأشخاص في العالم. وهذا إن دل على شيء فهو ان نظام تقسيم الثروة في مستوى كل دولة يشوبه العجز وليس به الحس التضامني تجاه أكثر الطبقات فقرا. وطبعا، في تونس والعالم ان كانت هنالك حرب يجب أن تخاض فهي الحرب ضد الفقر.
من اسباب هذه المراكمة للثروة مع ظهور فوارق اجتماعية كبرى هو عولمة السوق، فلقد اجتاحت الأسواق جل الدول وتخطت جل الحدود فتكدست رؤوس الأموال، ولم تكن مرفوقة في انتشارها بانتشار قاعدة الحق التضامني أو قانون العدالة الاجتماعية الذي يحارب الفقر ويحد من الفوراق الاجتماعية.
هذه الأسواق التي انتشرت ومن أهمها سوق الاقتراض الذي هو فاعل رئيسي في الاستثمار وتحقيق الثروة في حالة ارتباطه بحكمة في التصرف وضمان المقرض خلاصه وتحقيقه الأرباح.
واذا غابت هذه الشروط يقود الاقتراض العالم نحو النمو، ولكن هذا النمو الذي يصبح غير حقيقي ومجرد انتفاخ سينتهي مع أول شوكة عندما يصبح المقترض غير قادر على خلاص قرضه، وهنا العودة الى الصفر وربما الذهاب تحت الصفر: البطالة، التدهور، التقهقر، الفوضى السياسية.
ولنأخذ مثال التجربة الأمريكية في هذا السياق وحسب ماهو مشهود على الساحة العالمية، الولايات المتحدة الأمريكية وهي القوة المهيمنة، سائرة لخسارة مكانتها الأولى ولكن لأنه لا يوجد دولة أخرى قادرة على تسلم هذه المرتبة أو لنقل لا يريد احد الفوضى، يسارع هؤلاء لاعانتها لاستعادة مكانتها عبر اقراضها الأموال.
نعم، تصبح الأمور سائرة للاسوء، والعالم يسير في هذا السياق اي أنه ذاهب في اتجاه التصعيد في درجة التداين في جل المستويات داخل الدول وعلى مستوى عالمي في وقت نحتاج فيه لضبط هذا التداين والتقليل منه.
وفي وقت يجب فيه التقليل من التداين خوفا من النهاية والتقهقر وعدم القدرة على التقدم، تسارع جميع الدول للتداين من المؤسسات المالية العالمية ومن الأسواق المالية العالمية ومن أصحاب المدخرات المالية الوطنيين والعالميين وفي آخر المطاف من البنوك المركزية الراجعة اليها بالنظر. كذلك البنوك التجارية تقرض الناس بصفة مهولة حتى تصل 30% أو حتى 50% من أموالها الخاصة اي "fonds propres" ولا احد يعلم قدرتهم على الخلاص ولا احد يعلم قيمة "les produits derivés" التي تكون اساس "l’actif bancaire".
طبعا، هذا يؤسس لتدهور النظام البنكي العالمي، ويجب أن نقول إن التداين العمومي والخاص المتزايد والذي يعم أرجاء العالم سيؤدي لافلاس المقترضين الخواص ولافلاس البنوك ولافلاس حتى الدول. وبالتالي، يصطدم العالم بجدار واقع التداين المجحف ازاء نظام عاجز على خلاص ديونه وتنمية اقتصاده "un système insolvable". وهنا، سيقع العالم في أزمة كبرى نتيجة أزمة اقتصادية تعيشها الدول بتفاوت حسب قدرتها على استباق هذا الواقع المرير.
ان تجاوز هذه الأزمة لا يمكن أن يتحقق إلا بتخفيض ديون المقترضين واستعادة الأموال الخاصة للمقرضين. وهذا يتحقق عبر تطبيق اصلاحات الأنظمة البنكية، في بلدان معينة تمت بطرق مختلفة كشطب ديون اغلب الفئات فقرا ودخول دافع الضرائب في رأس مال البنوك العمومية وبالتالي تحقيقهم لارباح ومساهمتهم في استعادة البنوك لاموالها الخاصة وعدة طرق أخرى…
وان حصل هذا وتم تخفيض التداين يجب على الدولة ان تدخل في عملية تنظيم مؤسساتية لمؤسساتها العمومية حسب حاجة مجتمعاتها الداخلية وحاجتها هي خصوصا وأن تستثمر فقط التداين العمومي في تمويل بنيتها التحتية وفي المجالات العمومية العالمية المفيدة، وهي الماء والطاقة والهواء والأرض، متفاعلة ايجابيا مع ضرورات تحقيق محيط وبيئة ملائمة.
تجاوز الأزمة يقتضي أيضا مؤسسات عالمية قوية ترسخ القاعدة الأولى وهي القيمة التضامنية وكذلك مؤسسات لا تساهم في تفقير الدول واملاء برامج مجحفة عليها بل نحن نحتاج لمؤسسة عالمية تجمع بين قمة الكبار ومجلس الأمن الدولي لأن الاقتصاد العالمي هو من الأمن العالمي ونضع تحت امرتها المؤسسات المالية العالمية لتعيد النظر في "les règles de bale" التي تهم رؤوس اموال البنوك، تراقب كبار المؤسسات المقرضة للمال عبر العالم..
نحن بحاجة لعالم فيه فوارق اجتماعية أقل وفيه انتشار للقاعدة القانونية التي تضمن أسس الاقتصاد التضامني، لعالم فيه اقتصادات عالمية صحية تؤطر التداين وتحقق اسسا سليمة له، ولعالم لا يهاب أزمات مالية خانقة للاوطان وبالتالي خانقة للشعوب.
ان النمو القائم على الانتاج وتحديد سقف التداين العالمي وتكافؤ الفرص المتلاحم والتقارب بين الشعوب في عالم فيه سلام وعالم فيه وحدة حول مبادئ تساهم في التقليل من الفوراق الاجتماعية مما سيجعل القدرات متقاربة وسيجعل قادة العالم هم من يحققون تقدما تكنولوجيا عالميا كبيرا وبالتالي سينخرط الجميع في ميادين البحث لتحقيق التقدم الفكري والتكنولوجي والذي سيحقق الأرباح لدولة معينة ولكن سينتشر ويفيد الإنسانية جمعاء.