تونسيون و”الـS17″: أصبحنا نتنقل بين ولايات الجمهورية بالـ”فيزا”؟!

أمل المكي – 

كان من المنتظر أن يزور (ص.ن.) مقرّ مرصد الحقوق والحريات للإدلاء بشهادته حول معاناته المتواصلة مع "الإجراء الحدودي" الذي يخضع له منذ فترة مانعا إيّاه من التنقّل من مقرّ سكناه الكائن بالمنستير إلى باقي ولايات الجمهورية… لكنّ والده حضر مكانه، وقال شارحا الموقف :"سامحوني جيت في بلاصة ولدي… راو يحبّلو 8 سوايع بش يوصل…" 

بعد إطلاقه حملة "سيّب لخضر" الداعية إلى إحترام حق المواطنين في التنقل إلى خارج حدود الوطن، يؤكّد مرصد الحقوق والحريات أنّه قد باتت هناك حاجة ماسّة لتوسيع نطاق الحملة كي يشمل حق المواطنين في التنقل داخل الوطن نفسه! فقد تلقّى الحقوقيون العاملون به تشكيات عديدة بخصوص تعرّض تونسيين إلى المنع والتضييق من حرية التنقل بين ولايات الجمهورية… "إستجوابات، بطاقة إرشاد، إيقاف لساعات، قد تتكرّر في اليوم الواحد عديد المرّات والسبب إستشارة حدودية"، كما يبيّن مواطنون في شهاداتهم المسجّلة لدى المرصد.

بن قردان… جرجيس… الفيزا المحرّمة؟!

أصبح (م.ق)، متزوّج وله 3 أبناء، معطّلا عن العمل رغم أنفه منذ رمضان 2013…فكلّما حاول الكهل الذي كان يشتغل بالتجارة التنقّل إلى جرجيس لجلب بضاعة يبيعها ويقتات من ريعها، حالت بينه وبين ذلك سيارة الشرطة التي تستوقفه للتثبّت من هويّته ومن ثمّة التحقيق بموجب "الإجراء الحدودي" الصادر في حقه. 

يقول م. انّه كان يعمل في التجارة بين تونس وليبيا، غير أنه في رمضان 2013 منع من إجتياز الحدود لوجود إستشارتين أمنيتين صادرتين في حقّه…حيث ظلّ الرجل أكثر من 5 ساعات في انتظار ورود المعلومات المطلوبة بخصوصه من إدارة الإرشاد بالعاصمة،  حتى تخلّى عن نيّته السفر وعاد إلى بيته…

وبينما أكّدت محاميته أنّ ما من مانع قانوني يحول فعليا دون موكّلها والتنقل داخل البلاد أو خارجها، تفاجأ م. بوجود إستشارة أخرى حوله في عام 2014. وهكذا ظلّ الرجل يعاني من تكرار الأسئلة ذاتها كلّما رغب في التنقّل إلى أقرب مكان يمكنه طلب الرزق فيه: قدّاش ليك تصلّي؟ شنية الكتب إلّي تقراها؟ تزور الأولياء الصالحين ولاّ لا؟… 

يروي م. أنّه، قبل حوالي شهر، وبينما كان هو وعائلته مستغرقين في النوم ليلا، إقتحم عناصر من الحرس والشرطة والجيش بيته واقتادوه الى المنطقة… وظلّ هناك من منتصف ليلة الخميس الى حوالي الساعة الثانية بعد ظهر غد الجمعة… ولم يكد يفرج عنه يومها ويعود إلى بيته حتى فوجئ بالأمن يقتاده إلى المنطقة مجدّدا…

يقول م.، ورمضان على الأبواب، انّ زوجته قد باعت مصوغها كي يتمكّن أولادهما الثلاثة من مزاولة دراستهم، مستغربا ما يتعرّض له على الرغم من كونه ليس ملتحيا حتّى! وفي محاولة منه لفهم ما يعيشه منذ قرابة عامين، يعتبر الرجل أنّ الأمر يخفي وراءه مكيدة حبك خيوطها امّا عدوّ شامت أو عون أمن "يحبّ يظهّر روحو قدّام عروفاتو"! 

ماعادش تجي للمنستير! 

بدأت معاناة مهندس الإلكترونيك (و. م.) مع الإجراء الحدودي في عام 2013، حيث صار يتعرّض للتوقيف في كلّ نقاط التفتيش التي يمرّ عليها فيأمره الأعوان بمغادرة السيارة ويقودونه مكبّلا في الأصفاد الى حين يتمّ التثبّت في هويته. وظلّ الرجل على هذه الحال حتى أواخر 2014، عندما أخبرته الشرطة أن هناك إجراء حدوديا صادرا في حقه وأنّه ممنوع من السفر. وعلى غرار، (م. ق.) من بن قردان، أخبر محامي (و.م.) موكّله أنه ما من حكم قضائي صادر في حقه ويقضي بمنعه من السفر! 

ويتابع محدّثنا راويا مأساته، حيث يقول انه على إثر زيارة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي الى ولاية المنستير، تمّ تغيير "طاقم" منطقة الأمن بالجهة ليتحوّل 

واقعه الى معاناة يومية… حيث يذكر أنه توقّف مرّة قبالة مطار المنستير للحظات قبل أن يستأنف طريقه، غير أنّ دورية الأمن استوقفته للاشتباه بوقوفه… وتمّ تفتيش السيارة بمساعدة كلاب الشرطة المدرّبة ثمّ اقتياده الى مركز الأمن حيث أرغم على إمضاء إلتزام… 

قبل 3 أسابيع، أوقف (و.) وصحبه أعوان الأمن إلى منزله حيث حجزوا الحواسيب التي يمتلكها…وبعد التحقيق معه، أعادوها إليه وقالوا له "ديقاج"! ويقول محدّثنا ان التحقيق معه كان مشابها لما عاشه عندما أوقف من قبل في عهد بن علي… حيث سئل في المرّة السابقة عام 2010 :"مع شكون حكيت في الدين؟؟؟ لشكون عطيت كتبك؟؟؟…" وسئل في هذه المرّة:" شكون تعرف من أصيلي القصرين؟؟؟ تعمل في بحوث ع المونيتر؟؟؟" وكانت إجابة و. بأنه لا يعرف شخصا معيّنا أصيل القصرين وأنه مهندس مختصّ في الإلكترونيك لا في الفلاحة والزراعات! 

وبعد يوم من التحقيق معه، تلقّى محدّثنا مكالمة هاتفية من رئيس مركز المنستير الجديد، الذي طلب منه مدّه بنسخ من بطاقات التعريف الخاصّة بشركائه في الشركة التي فتحها مؤخّرا…وأمام رفض هذا الأخير، فاجأه رئيس المركز بأمر غريب:" ماعادش تجي للمنستير"…

"أنا أصيل المكنين من ولاية المنستير"، يقول (و.)، "فكيف يمكنني أن لا أزور مدينتي حيث أهلي وعائلتي"؟؟؟

الغريب أن تصرّف رئيس مركز المنستير كان متبوعا بمكالمة هاتفية ثانية من مركز الشرطة بالمكنين ذاتها، حيث أعلم رئيسه محدّثنا بأنهم "تلقّوا تشكّيات من كثرة تردّده على مدينة قصر هلال"… وبالنسبة لشخص أصيل المكنين ومستقرّ بسوسة، يبدو طلب المركز عدم مروره بمدينة قصر هلال الواقعة في طريقه أمرا في غاية الغرابة! 

خسر و. العديد من الحرفاء منذ بداية تجربته القاسية مع الإجراء الحدودي، حيث يقبع في كلّ  مرّة 4 أو 5 ساعات في مصلحة الإرشاد منتظرا "فيزا المرور" الأمر الذي يجعله يتأخّر كثيرا عن مواعيده ويضطرّ الى إلغائها. "ما عنديش قرار بتحجير السفر"، يقول "لم أحاكم ولا حتى أوقفت لجرم إرتكبته فما معنى كلّ هذا؟" 

للدستور قول آخر…؟ 

ينصّ الدستور التونسي في فصله الرابع والعشرين على أن "(…) لكلّ مواطن الحرية في إختيار مقرّ إقامته وفي التنقّل داخل الوطن وله الحق في مغادرته". 

وللداخلية قولها…

كانت ردّة فعل الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية محمد علي العروي تجاه إستفسارنا عن حقيقة التضييق على تنقل الأفراد داخل الجمهورية، أن ابتسم متسائلا بدوره:"وتوّة انتوما تصدّقوا حاجة كيف ما هكّة؟" 

العروي نفى أن يكون هناك إجراء يمنع المواطنين من التنقّل بين ولايات الجمهورية، موضحا أنّ ما يسمّى بالإجراء الحدودي هو إجراء أمني معمول به في كلّ دول العالم، حيث يقع التنسيق فيه مع السلطة القضائية بغرض متابعة تحرّكات أشخاص مطلوبين قضائيا أو عدليا ومرتكبي جرائم تمنعهم من مغادرة تراب دولة ما أو مرتكبي جرائم خارج حدود تلك الدولة وصادرة في حقّهم مناشير تفتيش دولية. 

وأوضح الناطق الرسمي باسم وزارة الداخلية أنّ الإجراء الحدودي المعروف باسم "S17" يعمل به على الحدود لمنع سفر أشخاص مشبوه بهم أو مطلوبين أمنيا وقضائيا وليس داخل ولايات الجمهورية، دون أن ينفي واجب الوزارة في حفظ الأمن عبر القيام بحملات تفتيش داخلية. وأضاف أن حكم تحجير السفر إجراء قانوني يصدره قاضي التحقيق، فمتى رفه هذا الحجر أعلم قاضي التنفيذ وزارة الداخلية بذلك. 

وشدّد محمد علي العروي على كون الوزارة ستواصل منع الشباب التونسيين من السفر إلى بؤر الإقتتال استنادا على وجود إثبات لاعتزام المعنيين التوجه للمشاركة في الأعمال الإرهابية. 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.