4
بقلم: طارق القيزاني
حصل التوافق الصعب ونجت حكومة الفخفاخ بأخف الأضرار وهي في طريقها لنيل الثقة بالأغلبية المطلوبة، غير أن لا أحد يعلم الشروط والكلفة مقابل ذلك، وهذا أمر قد تكشف عنه نوايا أحزاب الائتلاف في الأشهر الأولى من عمر الحكومة الوليدة.
مع ذلك فإنه من المهم التوقف عند الجدل الذي أثير حول اللجوء الى الفصل 97 من الدستور الذي خطه جزء هام من حكام اليوم عندما كانوا يمثلون الأغلبية الحاكمة قبل 2014، لجهة أن التفكير بتفعيله في غير موضعه يتجاوز مجرد مناورة سياسية لسحب البساط من القصر الرئاسي.
تنظر حركة النهضة، أو أنها تسوق، لهذه المناورة كونها تنضوي تحت يافطة الاختلاف في الرأي داخل الدستور، لكن الخطورة الأكبر أنها قد تخفي رغبة جامحة ومستمرة منذ سنوات في الإبقاء على مؤسسات الدولة في حالة ارتهان وحماية المصالح في الحكم بشكل دائم وبأي طريقة ممكنة، بما في ذلك اجهاض المحاولات المتكررة لانتخاب المحكمة الدستورية.
من السذاجة التسليم بأن الأمر لا يخرج عن مجرد اختلاف في الرأي وتعدد في القراءات المتاحة للدستور، لأن ما طرح أمام أنظار مقرر الدستور أيام حكم الترويكا الحبيب خذر، لا ينطوي على حد أدنى من الإلمام القانوني، إذ أنه لا يتجاوز في أقصاه معارف طالب سنة أولى بكليات الحقوق التي تدرج مادة القانون الدستوري في أولى سنوات دراسة العلوم القانونية والسياسية.
فكيف لرئيس البرلمان اليوم وخلفه مقرر الدستور ومعهم مستشاري أكبر حزب في البلاد من رجال قانون ومحامين وحقوقيين، يسمحون بضرب فصول الدستور ببعضها البعض والقفز من منطوق الفصل 89 من أجل إسقاط مضمون الفصل 97 بشكل استعراضي ومتعسف، باتجاه سحب الثقة من حكومة استنفدت رصيدها الكامل من الشرعية الانتخابية، بمجرد اعلان نتائج انتخابات 2019.
إن إدارة مؤسسة أصلية يعهد لها بالتشريع من قبل نواب منتخبين، كان يفترض أن يكونوا مؤتمنين على إرادة الشعب وعلى تطبيق ما شرعوه من فصول في الدستور لا الالتفاف على مضامينه ومناقضة أنفسهم بدعوى التعددية. والاختلاف مع من أصلا وهم شركاء في صياغة هذا الدستور.
فالانقلاب العلني على الدستور أو البحث عن مخارج مطوعة داخله بدعوى الاجتهاد في القراءات القانونية، لا يؤدي في النهاية إلا إلى نتيجة واحدة، هي اختطاف الدولة ونسف التطبيق المبدئي للقوانين.
ليست حادثة الفصل 97 اجتهادا وإنما هي ثقافة حكم مخيفة تشرع لمبدأ الغنيمة. وبمثل هذا المبدأ لا يمكن الوثوق في بناء ديمقراطية مستدامة وفي التداول الطبيعي على الحكم وتوفير فرص متكافئة للتونسيين.
ولأن الأمر يتعلق بالتأسيس لثقافة زاحفة في الحكم يجري تعميمها داخل مؤسسات الدولة، فإن البرلمان، السلطة الأصلية ومحور النظام السياسي في تونس اليوم، هو من يفترض ان يكون المسؤول الأول عن ترسيخ أسس هذه الثقافة.
لا تجيز البرلمانات في الديمقراطيات العريقة توظيف السلطة العليا لخدمة مصالح شخصية مثل إصدار جوازات سفر دبلوماسية. ومثل هذا الأمر يضعنا أمام بدعة تونسية لا سابق لها في الأنظمة المقارنة، وحتى في مضمون اتفاقية فيينا للعلاقات الديبلوماسية الموقعة في عام 1961.
ولكن بعيدا عن ذلك، فمثل هذه الثقافة تتنافى من حيث المبدأ مع فلسفة الوكالة والنيابة عن الشعب، فإجازة نائب لنفسه امتيازات بقوة السلطة لما هو ليس متاحا لعامة الشعب، هو كحال الربان الذي يقفز من المركب للنجاة بنفسه غير مبال بمن كانوا في عهدته من الركاب الذين ائتمنوه على حياتهم.
وعلى عكس الإدعاءات المبررة لحادثة الجوازات، فإن من مظاهر ممارسة السيادة الوطنية واحترام الأعراف الدولية، هي أن تيسر السفارات الأجنبية في أي دولة، سفر وتحرك نواب الشعب والسياسيين في الحكم، وعكس ذلك يفترض ان يؤدي الى معاملة بالمثل، وإلا فإنه من باب أولى وأحرى أن يكون لعامة الشعب الحق أيضا في حرية التنقل وجواز سفر يعفيهم من قيود الفيزا!
*طارق القيزاني صحفي تونسي