بقلم: صهيب المزريقي
مهما يكن من غرابة في انتصار إرادة العدم على إرادة الاقتناع، فإن عدم الوجود أفضل من الوجود عند العامة»، هكذا تكلم نيتشه حول الوجود و إرتباطه السياسي خاصة أمام إعتلاء السلطة من قبل الأشقياء و التعساء بفعل الصدفة فوق رؤوس الشعب حتى أصبح الحكماء ضعفاء والأسياد أغبياء ، اليوم و مع تفاقم الممارسات المنتهكة لحقوق الإنسان من قبل النظام البوليسي التونسي و التي خال الشعب أنه قطع معها بعد فجر يوم الرابع عشرة من يناير جانفي لسنة إحدى عشرة و ألفين من تضييق على الحريات الفردية و القناعات الشخصية ومن ظلم و إستبداد بوليسي من إيقافات عشوائية و مشاهد تذل بكرامة الفرد و مواطنته عوض المعاملة اللائقة التي نص عليها دستور جانفي 2014.
و لعل آخرها في مشهد متداول على صفحات التواصل الإجتماعي من إعتداء بوليس على أحد الرعاة بمجرد مرور قطيعه أمام الولاية و كأن الأخيرة قد مرت أمام "عرش الجبار" على حد تعبير أبي العلاء المعري في مشهد أظهر تعنيف الجبيبير شرطي الجبار على الراعي قابله ذل الأخير و بكاءه في صورة تعاطف معها الشعب التونسي برمته و شدت إنتباهه و أدخلت الخوف فيه ، ليس من البوليس بل أنه في عيد الثورة و ذكرى القطيعة تمارس مثل هذه النذالة على أبن الشعب الكادح الذي لم يطالبكم بحقه في العمل ولا الصحة ولا التنمية و لا أي حق من الحقوق اللصيقة بالحياة.
إن الباحث في أصل هذا السلوك و التصرف سيعلم حتما بأن بعض رجال الشرطة يتطبعون بطباع حاكمها و أن العنف الذي مورس هو نتاج هوس الطبقة السياسية الحاكمة بعرشها و كرسيها و خوفها من أي تحرك شعبي و لعل الحجر الصحي المفروض لم يكن بالمرة قرار صحي و إنما كان سياسيا بإمتياز و الدليل على ذلك أنه قبل 24 ساعة صرحت الدكتورة نصاف بن علية أنه لا مجال للحجر الشامل . ولعل المدة المتخذة باعثة للريب و إلا هل في 4 ايام فقط سيقضى على الخطر أو يتم الحد في إنتشاره ،قطعا لا و الدليل أن أيام الحجر شهدت إرتفاع عدد المصابين إلى أربعة آلاف مصاب .
إذن هو قرار سياسي للقطع دون الإحتفاء بالثورة من طبقة سياسية لا تمثل الشعب إنما تمثل فقط نفسها و عائلتها و أبناء حزبها و لا ترى في الدولة إلا غنيمة وجب تقسميها كما يقول الدكتور محمد عابد الجابري في كتابه العقل العربي السياسي من خلال تشريحه للأخير أنه يشتغل وفق ثالوث تراثي ينظم فعله السياسي وهو العقيدة و العشيرة و الغنيمة.
و من منطلق الغنيمة كانت الطبقة السياسة مهوسة بالتحركات الشعبية و الإحتجاجات الٱجتماعية لأنهم يحملون عقيدة أنا و بعدي الطوفان وهو ما جعل تفكيرهم هوبزي مبني على عقيدة الحاكم التنين الذي يبتلع كل شيئ ليسيطر على كل شيئ مقابل أن لا يملك الشعب شيء.
و كما قلنا أن بعض أعوان الشرطة على طباع حاكمها فقد أثر ذلك على طباع الأخيرة في التعامل مع الشعب و إن صح التعبير أكثر مع الرعية و القطيع لأن في الدولة التينينية لا يوجد مواطن إنما عبيد و الشرطة أسياد العبيد و من هذا المنطلق بنى العقل البوليسي تصوره و ممارساته مع الشعب و تصور نفسه صورة التنين المطلق مبلورا ذلك في عنه و استبداده و إرهابه للمواطنين.
أيضا لعل المقوم الأساسي للاستبداد و الحيف البوليسي هو نقص المعرفة و الوعي و البعد الأكاديمي و التكويني لدى البعض ممن يمارس الإستبداد خاصة مع الدكاترة المعطلين عن العمل و القيمين المطالبين بحقوقهم الشرعية فإستشعر البوليس حينها ضربا من إحتقار النفس علميا و هو يقف أمام من يفوقه أكاديميا و من درسه و أطره يوما ما فإلتجأ للعنف كسبيل لإثبات وجوده أمامهم و كأن فمه ملآن وهو يصيح" أنا هنا " أنا صاحب السلطة أمامكم . و أخيرا إعتداءه على جرحى الثورة الذين ضحوا بأنفسهم في سبيل غد أفضل للدولة التونسية فتعترضهم قوى الجلاد لتكبح صوتهم و تحجم مطالبهم الشرعية.
و لعل في نظري أن كتلة العقد المتراكمة في شخصية بعض أعوان البوليس اليوم هي نتاج لممارسات أسلافهم من قمع و تعذيب و قتل و تسميم للأفواه الحرة المعارضة و سحلهم و إلقاء البعض منهم من الطوابق العليا لوزارة الداخلية على غرار عمر السحيمي و إغتيال فوزي السنوسي الذي سممته قوى البوليس في أحد المقاهي بالعاصمة وغيرهم .
و لعل هذا الخطأ يكمن معيار و مقياس قبول الأعوان مقارنة بالعقل الغربي الذي يكون رجال أمنه على احترام المواطن و القانون و علويته و لعل محاكمة رجال الأمن في حادثة الإعتداء على مصور في أحد الغرف في نزل بباريس هو أكبر دليل على نظم تحترم مواطنيها و نخبتها و مثقفيها و يبقى السؤال الذي طرح نفسه و لا زال متى يعلم البوليس التونسي أنه أمن جمهوري و ليس أمن نظامي يجعل منه يرتمي في حضن كل نظام ؟؟؟
*صهيب المزريقي: ناشط سياسي