في الامر لغز و اموال ونفوذ ولعبة أمم ومصالح. الرجل في ليبيا و وكلاؤه والمدافعون عنه ومهاجمه ومتهموه يتقاتلون ويتقاذفون في تونس بابشع النعوت.
لله درك يا أموال ويا نفوذ! من المؤكد ان للرجل طموحا واجندة لا محلية ليبية فقط بل اقليمية أيضا. بعيدا عن تبييضه أو تسويده (نسبة الى السواد) او تسييده (نسبة الى السيادة) من المؤكد ان عبد الحكيم بالحاج القائد العسكري السابق لطرابلس والذي دخلها فاتحا في عملية "فجر عروس البحر" يوم 20 أوت 2011 كان أول الداخلين الى باب العزيزية، الثكنة العسكرية الاكثر تحصينا في ليبيا فضلا على كونها حاوية لأهم ثروات العقيد القذافي العينية والتي تركها وراءه قبل خروجه من العاصمة الليبية.
تحول عبد الحكيم بالحاج في اقل من سنتين من اطلاق سراحه من سجون معمر القذافي في اطار العفو على اعضاء الجماعة الليبية المقاتلة الى رجل طرابلس القوي،.هناك شكوك قوية في كونه كان الوارث الاقرب لاموال القذافي واسلحته الاكثر فتكا.في اطار الموازنات الجديدة في ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي، اصبح لكل القوى المحلية والدولية اصدقاؤها في ليبيا. عبد الحكيم بالحاج كان صديق القطريين ومن حالفهم وهو ما يفسر علاقته الوثيقة بحركة النهضة في تونس هذا فضلا عن جذوره وشخصيته الاسلامية وهو ما سناتي عليه لاحقا.
ماذا يمكن ان يفعل بالحاج بكل الاسلحة وبكل المال الذي ورثته الكتائب التي يسيطر عليها في ليبيا ما بعد الثورة؟! هل يتصرف بكل النفوذ الذي فاز به بمنطق "مؤسس الجماعة الليبية المقاتلة"(التي كانت عضوا في تنظيم القاعدة) أم يتصرف بالحاج بماله وسلاحه بمنطق "المراجعات" و"التصحيحات" التي قام بها زمن سيف الاسلام القذافي؟!
عبد الحكيم بالحاج مخير في ان يتصرف بالنفوذ والسلاح والاموال التي غنمها بعد سقوط طرابلس بمنطقين مختلفين تماما. عبد الحكيم بالحاج بفكر الجماعة الليبية المقاتلة. وعبد الحكيم بالحاج بمنطق المراجعات والتصحيحات التي قام بها زمن العقيد الليبي معمر القذافي!
السؤال اللغز اليوم هو كيف يمكننا تصنيف عبد الحكيم بالحاج اليوم؟ هل هو مجرد ارهابي عاد بمنطق الثورة الليبية المسلحة الى معدنه الاول بمنطق تكفير"الجماعة الليبية المقاتلة التي كان أحد مؤسسيها، أم انه بالحاج جديد، صادق في "مراجعاته وتصحيحاته" التي قام بها زمن سيف الله القذافي وبالتالي فان حزب الوطن الذي اسسه بعد الثورة الليبية ليس الا مواصلة لتلك المرحلة لا بمنطق التكفير بل بمنطق التفكير؟!
المفارقة ان قناة الجزيرة القطرية التي احتفلت بعبد الحكيم بالحاج وقدمته للرأي العام العربي والعالمي قدمت لنا عبد الحكيم بالحاج بصورتين مختلفتين على المباشر في اقل من عامين. انقلاب في الصورة يعبر عن انقلاب موقفها من نظام معمر القذافي في ظرف عامين بمنطق المصالح واتجاهات السياسات الدولية.
خرج عبد الحكيم بالحاج على قناة الجزيرة طوال العقد الماضي في مناسبتين متناقضتين، الاولى سنة 2009 كان فيها حليق اللحية يلبس الزي الليبي التقليدي يتحدث فيها بإطناب عن سيف الله معمر القذافي ودوره في انجاح الحوار وانجاز كتاب مراجعات الجماعة الليبية المقاتلة التي نبذت العنف وحمل السلاح عبر مؤلف"المراجعات التصحيحية في مفاهيم الجهاد والحسبة والحكم على الناس". بالحاج وقتها اشاد بالمراجعات التي شجعها وقتها كل من القيادي الاخواني علي الصلابي والشيخ القطري- المصري يوسف القرضاوي.
الصورة الثانية التي خرج فيها بالحاج على قناة الجزيرة كانت في الايام التي تلت السيطرة على طرابلس من قبل الثوار الليبيين في شهر اوت 2011، عمد وقتها عبد الحكيم بالحاج الى اطلاق لحيته ولبس زيه العسكري وتحدث وقتها تحت صوت طلقات الرصاص عن"تحرير طرابلس من بقايا نظام الطاغية معمر القذافي".
بزيه العسكري ونفوذه وكتائبه التي سيطرت على طرابلس هل انقلب ايضا عبد الحكيم بالحاج على المراجعات التي قام بها؟! أم انه مازال يرى في المراجعات والتصحيحات التي قام بها او التي"فرضت" عليه في زمن القذافي مسلكا صحيحا في علاقة لرؤيته للجهاد وحمل السلاح ؟!
بكلمات قليلة هل ما هو محل اعراب "مراجعات مرحلة القذافي" في تفكير عبد الحكيم بالحاج اليوم؟
لا يعلم بالسرائر الا الرب في سمائه، غير ان ما سيحدد هوية عبد الحكيم ابالحاج مستقبلا، في اعتقادي، هو علاقته بتنظيم انصار الشريعة بفرعه الليبي الموالي لفكر تنظيم القاعدة في ليبيا. ما سيحدد لنا هوية عبد الحكيم بالحاج مستقبلا هو قدرته على مواجهة الكتائب و المليشيات المسلحة التي تكفر الليبيين اليوم وتقوم بعمليات الاغتيال المنظمة والتي تصف الجيش الليبي بالكافر والطاغوت. هل سيواجه عبد الحكيم بالحاج "صاحب المراجعات" ورئيس حزب الوطن السياسي والقانوني هؤلاء ويخوض معهم معركة تحرير ليبيا من الفكر التكفيري ام انه سيتحالف معهم؟!
للذين يدافعون عنه في تونس او الذين يتهمونه، نعتقد ان مآلات ومستقبل عبد الحكيم بالحاج القوي والثري والنافذ، هو ذاك، أي تموقعه في معركة استقرار ليبيا وتطهيرها من المليشيات المسلحة التي لا تهدد استقرار هذا البلد فقط بل المنطقة المغاربية باكملها. نحن نترقب تموقع عبد الحكيم بالحاج حتى نصنفه لا قولا وفرقعات اعلامية من المعجبين به ومادحيه بل هناك .. فعلا في ارض الواقع في المحنة التي يعيشها اشقاؤنا الليبيون.
