شيوخ يطلبون من الله وقتا إضافيا!

تونس تعاني من مفارقة عجيبة. شباب في عمر الزهور يتطلعون الى الموت انتحاريين.. وشيوخ،أطال الله في أعمارهم، يريدون من الرب وقتا اضافيا.. جلوسا على كرسي القصبة!
تناقض عبرت عنه الثورة منذ سنتها الاولى لما تجمع في شارع الحبيب بورقيبة جيل جديد من التونسيين، شباب متحررون ، لتوصل صناديق الاقتراع الى السلطة تونسيين كانوا يحتاجون الى رعاية نفسية وصحية بعد عذابات ومحنة منافي وسجون.
من هناك بدأت جذور التنكر لثورة شبابية عصرية متوقدة اضحت في اقل من عام ثورة شيوخ قروسطية مترهلة أو،  في احسن الحالات ، ثورة تريد استعادة وبعث جيل في أرذل العمر يرمم هياكله العظمية المتداعية.
عندما يجد ملايين الشباب التونسيين اليوم انهم مخيرون بين مرشحين لرئاسة الوزراء افضلهم تخلى عن عكاز شيخوخته الى حين، يصاب الكثير منهم بالاحباط. عندما تجبر الاحزاب السياسية للبحث في التاريخ السياسي عن مرشحين لقيادة البلاد فلا تجد غير العجز والشيوخ ، بعضهم لا يتحرك الا بعقار أدوية وبعضهم زهايمريون نسوا محتويات عشائهم الاخير، نجزم ان عقلية احزابنا هي جزء من الازمة وليست طريقا الى الحل!
ما في الامر شك، في أقل من عامين سطا الجيل القديم على مكتسبات الجيل الجديد. الذين يريدون ان يُفرضوا على التونسيين كحاكمين في القصبة لم يخترهم الشعب التونسي ولا يريدهم جيل الشباب. مقارنة بسيطة بين الشيوخ المترهلين الذين يجلسون في قاعات مقر وزارة حقوق الانسان وبين صور الشباب الهارب المفتش عنه في احداث سوسة والمنستير تكشف حجم المفارقة التي يعيشها التونسيون. جيل جديد ضائع بين العمليات الانتحارية وهارب من البلاد بقوارب الموت في عرض البحر.. وجيل وعقلية قديمة تحتكر وتستأثر بحكم البلاد.
في قضية حاكم القصبة القادم بالذات ، نحن نعتقد ان مهمته ستكون اشبه بالذي يحرث في البحر  على ضوء قائمة الاختيارات الموجودة ، والتي بُنيت على حسابات وولاءات سياسوية لم تراع مصلحة البلاد. طرد النهضة من الحكم لا يعني تعويضها بحكومة يقودها الرجل المريض.والرجل المريض – للتذكير – هو الوصف الذي اطلق على  الامبراطورية العثمانية زمن بداية اندثارها. تونس ليست امبراطورية ولن تندثر ولكنها تتطلع الى الرجل أو المرأة القوية التي تستطيع إنقاذ البلاد وقيادتها الى مرافئ الامان.
في الوقت الذي دخلت فيه البلاد مرحلة حاسمة في مقاومة الارهاب،التونسيون يتطلعون الى رئيس حكومة يعطي من ساعات يومه وصحته جهودا مضاعفة لا نعتقد ان غالبية المرشحين اليوم قادرون على الوفاء بها.
الذين يعقدون المقارنة بين الفترة الانتقالية التي عاشتها البلاد في السنة الاولى من الثورة والمرحلة الحالية غير مقدرين لطبيعة المرحلة وتغير ملامحها والتحدي الرهيب لشوكة الارهاب.
عودا على بدء، لا نتمنى لغالبية المرشحين لمنصب رئاسة الوزراء الا شيخوخة مريحة وتقاعدا مترفا بعيدا عن جلبة صوت الرصاص والانفجارات و اخبار الزيادة في الاسعار وارتفاع معدلات البطالة. اما اذا اصرت بعض احزابنا السياسية على اجبارنا على الاختيار بين المشايخ فلا بديل لنا الا تكرار مثل الكلبة التي قضت على نفسها و على قومها فذهب الامر مثلا مرسلا بين القبائل العربية : على نفسها جنت براقش!

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.