لا حديث هذه الأيام الا عن طبول الحرب التي بدأت تُقرع في ليبيا. حرب قد تحدث تغييرات جذرية في مشهد ليبي تمتزج فيه المصالح وتتغير فيه التحالفات بين الفينة والأخرى ، في بلد لا صوت فيه يعلو فوق صوت الرصاص. داعش أو ما يسمى بالدولة الاسلامية، هذا المارد الذي يزحف من رقعة جغرافية الى اخرى ومن بلد مسلم الى آخر تحت أنظار كبرى الدول وأعظمها والتي ترصد تحركاته وتمدده عبر أقمارها الصناعية المتطورة، يلوح عصيّا على أعدائه أو هكذا يبدو نظريا! أعداء، ولكن ليس بالفطرة، لأن أعداء اليوم هم الذين أخرجوا هذا المارد من القمقم وهم الذين دفعوه الى الإطلال برأسه البشع وفسحوا له المجال حتى يفسد في الأرض ويتخذ من تقتيل البشر ونحر الرجال كما تُنحر الماشية قرابين يقدمها لهم عرفانا وولاء وخضوعا.

 أعداء اليوم أدركوا أنه على المارد ان يعود الى قمقمه، ولو مؤقتا في انتظار تهيئة موطئ القدم الجديد له، وأنه قد آن الوقت ليقطفوا ما زرع من فوضى ودمار وخراب في العراق وسوريا وليبيا. سياسة الارض المحروقة التي انتهجتها هاته القوى اتت اكلها وبات من السهل اليوم اختراق تلكم الدول ذات الموقع الاستراتيجي اقليميا واقتصاديا خصوصا، باسم مكافحة الارهاب وملاحقة الدواعش.

القضاء على الإرهاب، هذه الكذبة التي ما فتئت توهمنا القوى العظمى بها لتبرير حروبها وسياسة الدمار التي تنتهجها في منطقتنا العربية، لا تعدو ان تكون الشماعة التي تعلق عليها هذه القوى الاستعمارية تجاوزاتها وانتهاكاتها وسياستها التدميرية. هي الشجرة التي تحجب غابة كثيفة من الكره والحقد والطمع والجشع.  

النفط المدفون في اعماق اراضي بلاد العرب، هذه اللعنة الأبديّة ما زال يسيل لعاب القوى المتنطّعة في زمن شحّت فيه الموارد وكسد فيه الاقتصاد العالمي. الذهب الاسود الذي يسعى كل طرف الى الاستحواذ على منابعه حوّل ربيع العرب الى شتاء قاتم وقاس. لقد كُتِب على هذه الأمة أن تكون حلبة صراع وأرض المعركة بين الجبابرة الطامعين وساحة تجارب لأحدث اسلحتها الفتاكة. في فلسطين ولبنان مرورا بالعراق والصومال واليمن وصولا الى سوريا وقريبا ليبيا، الدم يٌراق ويسيل كما تنهمر الدموع من عيني طفل بريء ينوح فجعا  لفقدانه عائلته تحت القصف في حمص السورية.  الموت مباح في هذه الربوع التي اصبحت الحرب فيها تذكرنا بجرائم الابادة الجماعية في رواندا والزائير وافريقيا الوسطى وغيرها من مناطق النزاع التي تُسحق فيها الذات البشرية وتُنتهَك الحرمات باسم الذود عن الدين أو الوطن والعشيرة والقبيلة.

القتلة في ارض العرب اليوم، يدَّعون أنهم مسلمون ينطقون الشهادتين ويصلّون ولكنَّهم لا يصومون عن سفك دماء الابرياء.  هم يزكون بأرواحهم ويقدِّمونها زلفى لأولي نعمتهم الذين يزوِّدونهم باعتى الاسلحة وأحدثها وأفتكها وأشرسها. أسلحة لاتثبت جدواها ولا نفعها إلا في الجسد العربي، فتمزقه كما تمزِّق الأسود فرائسها وتقطِّع أوصاله وتستبيح دماءه كما استباح، على امتداد عقود، حكًّامنا العرب المتواطئون شرف هذا الوطن الملعون.     

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.