يا راغبا في رؤية حوريات الجنّة.. شاهد عرض الباليه الصيني

يسرى الشيخاوي-

من منّا لم يتساءل يوما عن ذلك العالم الغامض الذي تتواتر عنه الحكايا، وتظلّ الحقيقة معلّقة على جنباتها؟ سيل من الارتباك والإلغاز يحيط بالجنة، ذلك الفضاء السرمدي المفتوح.

مجرّد التفكير في الجنة وما تحويه مما لا عين رأت ولا أذن سمعت يكسر أبواب المنطق ويوغل بعقلك في متاهات الخيال، تتواتر صور أنهار الخمر والفاكهة والأعناب والحوريّات، اولئك الحوريّات الفاتنات، حوريات مسح الله بيده على وجوههن، ولكن من قال إن الجنة مسكنهن؟ ومن قال إن الله لم يوجد الحوريات على الأرض؟هن موجودات على البسيطة، يختلن بأجسادهن الناعمة، يعانقن الوجود ببسماتهن، وما على الراغب في رؤيتهن إلا مشاهدة عرض "الباليه الصيني".

على ركح المسرح الأثري بقرطاج، تحركت أجسادهن برقة فرسمت تفاصيل لوحة زيّنتها بألوان الحياة، لم يكنّ مجرد أجساد صارخة بالأنوثة، كنّ طاقة عظيمة فجّرت أبعاد المكان تحت أقدامهن وتجاوزت مدى الطين الذي خلق منه الإنسان. فسيفساء من الألوان والإيقاعات الموسيقية والخطوات، شدت إليها جمهور قرطاج طيلة ساعة ونصف، فتابعها بخشوع المصلي.

الفرقة المكونة من ثلاثين عضوا زادهم الفن، رسمت على الركح لوحات كوريغرافية زاوجت بين العصري والتقليدي وأوجدت وجها جديدا للتراث الصيني. وفي الشاشة خلف الركح صور تأخذك إلى الصين دون تذكرة مرور، تجوب بك المقاطعات حيث مزارع الأرز والجبال والزهور المبهرة.

راقصون وراقصات، تماهت حركاتهم وسكناتهم حتى يخيل إلى الناظر إليهم أنهم روح واحدة وجسد واحد قوامه النعومة والرقة.

بأزيائهن الملونة، وصور الزهور في الشاشة خلف الركح والنوتات الموسيقية الحبلى بروح الصين، بدت راقصات الباليه كحوريات نزلن من الجنة وحملن معهن بعضا من تفاصيلها.

تحت أقدامهن تجمعت أنوثة الكون، حركنها بأناقة ليحدث سكون ارتطامها بالأرض لحنا في القلب، حركن أجنحتهن فتأرجحت أجسادهن الفاتنة.

والباليه الصيني عرض لوحات جماعية وأخرى ثنائية وفردية، رسم لوحات الحب والاتحاد على المسرح، لوحات تتجلى فيها ثقة الراقصات في أجسادهن التي لم تكن مجرد عظام وكتل من اللحم بل كن لبنات هلامية جعلت منهن أثناء الرقص بنيانا مرصوصا.

تخيل للحظات أن يحملك جسد آخر بكل ثقلك على خصره، تخيل أن يحمل جسد واحد أجسادا أخرى، تخيل كل هذا الإيمان بالجسم ممرا إلى النشوة العليا.

نظرات ملؤها الحب وابتسامات لا تنقطع عن وجه أعضاء الفرقة الصينية وكأن الله رسم البسمة على شفاههم إلى الأزل، استدرجت الموسيقى مسامهم وخلاياهم فصارت أجسادهم أكثر سحرا وتناغما، تلفها الأضواء وتتفجر بين أذرعتهم حتى يبدون وكأنهم يحضنون النور المنبعث من بين أناملهم وأطراف أصابعهم.

يأسرك تناسق حركاتهم ودقة خطواتهم ويدفعونك إلى التوغل في ثنايا جيد كل راقصة وتغريك تلك الهالة الشفافة التي تحيط بالراقصات وحتى الراقصين الذين شاركوا في العرض، هالة تتخذ لها كل مرة لون لتعود في كل مرة على شكل زهرة الياسمين التي كانت مصدر إلهام البالي الصيني، الياسمين التونسي منه والصيني.

الباليه الصيني لم يكتف باللوحات الراقصة وإنما أدمج العزف والغناء، فتاة تعزف على آلة تشبه القانون تناغمت خطوات الراقصات مع حركات أناملها التي رقصت على وقع حوارها الباطني مع آلتها، وفي صوت أحد أعضاء الفرقة المخملي، حضرت الصين بمقاطعاتها وألوانها، ومغنية أخرى غنت بصوت أوبرالي وبثت دلالها وأنوثتها عبر حنجرتها.

باختصار، عرض البالي الصيني كان ابن الحياة، أسر الجمهور بتفاصيل الحب والأمل، وسما به إلى عوالم فاتنة حيث الفن دين والتناغم إيمان والنعومة شريعة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.