15
يسرى الشيخاوي-
السينما فعل نقدي بالأساس،عين على الآفات التي تنخر المجتمع والعقليات التي تعود بنا سنوات إلى الوراء، وحفر في عمق الوعي المجتمع لنبذ كل الكليشيهات وكسر التابوهات، فالسينما تتجاوز الحواجز المادية وتصنع من الصورة أجنحة تحلّق من خلالها نحو التغيير.
ولن يكون للواقع معاني مغايرة إن لم يُبعث في كيان ما يمتدّ من رحمه ولكنّه لا يشبه كثيرا ولا يسري معه في خطّ متواز، وهذا الكيان قد يكون صوتا أو صورة او بعضا من الصمت، ولن تتولّد معاني جديدة للواقع إن لم تقم الثورة على أعتابه، كأن تعرّيه وتشرّحه وتمرّر أصابعك على مكامن الداء بل وتغرسها فيه وتستلذّ بالوجع، هي السينما تنبش في الوجع وتمدّ منه جسرا نحو الأمل.
وليس أشدّ وجعا من أن تغتصب إمرأة "اغتصابا حلالا"، من أن يصير جسد إمرأة خارطة للمسات إرهابيين، من أن تُحرم إمرأة ابنها بعد ان حملته وهنا على وهن، من ان تحاول إمرأة الصراخ جاهدا فلا تجد صوتا، من ان تختزل المرأة في نهدين ومؤخّرة.
كل هذا الوجع حاول المخرج النوري بوزيد ان يصوّر بعضا منه في فيلم "عرائس الخوف"، الذي عُرض في افتتاح أيام قرطاجالسينمائية في دورة نجيب عياد، هو فيلم يعكس عدم رضا عن واقع عايشته تونس في الفترة الماضية، واقع "التسفير" و"جهاد النكاح" وما بينهما من تنمّر وتعصّب ورفض للآخر.
هو فيلم مستوحى من الواقع،ولكنّه لم يكن بالعمق الذي يستوجبه الحديث عن مسألة جهاد النكاح وعن ضحاياه وإن نجح الممثلون في بعض المواجع في نقل الوجع الذي من الممكن ان تخلّفه هذه التجارب في نفسية الفرد خاصة في ظل نبذ المجتمع له.
ولئن يقاوم "عرايس الخوف" في بعض جوانبه النسيان ويلقي الضوء على تاريخ غير بعيد، لكن قد يبدو للبعض ان الفيلم تأخّر بعض الشيء خاصة وأنّه في بعض المواضع يعيد إنتاج الواقع على شاكلته فبعض الأسئلة ظلّت معلّقة ولم ينجح الفيلم الروائي في الإجابة عنها.
ولا يخلو الفيلم من انتصار للمرأة وقضاياها ومقارعة للصور النمطية التي تحشرها في الزاوية، وصوّر معاناة الشابتين " زينة" و"دجو" العائدتين من الموت، شابتين تمكّنتا من الهرب من براثن الإرهابيين ولكن عادت كل واحدة منهما محمّلة بوجع لا تمحيه الأيام.
وفي الفيلم تشابك بين السياسة والثقافة والمجتمع ذلك ان ظاهرة الإرهاب وليدة ليست وليدة نفسها فهي تمتد من مجالات عدّة وتعود عليها بالوبال في مراحل لاحقة، ولكنّ ذلك لا ينفي أن هذا التشابك كان سطحيا في بعض مستوياته.
ويظلّ النوري بوزيد في فيلمه محافظا على نفس نهجه وأسلوبه، يعرّي الواقع بكل ما فيه من قبح وسوداوية وينتصر لقضايا المرأة ومؤمنا بالاختلاف سبيلا للثراء، ولكن كان بالإمكان احسن مما كان.