مالك الزغدودي-
تعيش البلاد التونسية على أعتاب الانتخابات البلدية يوم السادس من ماي الجاري، هي ثالث محطة انتخابية منذ الثورة والتغيير السياسي الذى عقبها ، فبعد انتخاب المجلس التأسيسي وما عقبه من انتخابات تشريعية لمجلس نواب الشعب ثم الانتخابات الرئاسية، تشهد تونس مرحلة أخرى وأكثر دقة، هي الانتخابات البلدية التى تكريس أحد مبادئ الدستور في الحكم المحلي والتنمية العادلة والشاملة .
وبعيدا عن فوضى الحملات الانتخابية الرنانة، ثمة واقع “مؤلم” يعيش وسطه التونسيون، فوسط أكوام القمامة التى تفسد صباحك كل يوم ، حشرة الناموس وهي تمتص دمك وتلسع جلدك لتُوقض أحلامك بواقع أكثر قابلية للعيش، الحفرة التى صارت بمنزلة صديق مقرب في أول الزقاق وأنت تتعثر بها كل ما اشتريت حذاء جديد كأنها فقط وجدت من أجلك، الإنارة العمومية التى بقيت وعدا شفويا أو صدى للحديث في مقهى الحي ،الملعب البلدي الغير معشب الذي ترك أثار محفورة على ركبتك أكثر من ما تركت الوعود الانتخابية في المحطتين السابقتين أثرا على أرض الواقع .
انتخابات فارقة في مسار اللامركزية في تونس ..
تفتيت السلطة من المركز إلى الأقاليم فالمدن ثم المحليات(البلديات) هي التصور او المقاربة العامة الذي لم يتبلور منها بعد سوى في جزأ منه وهو مجلة الجماعات المحلية . فهي القاصرة التى ستجر التنمية المحلية في سياق تصور اللامركزية والمساواة في التنمية وانصاف الجهات الأقل حظا أو مناطق الظل كما كانت تسمى سابقا.
السلطة ستنزل من القصر العالي شديد الحراسة والبعيد عن الشعب ، ومكاتب المسؤولين الفخمة الكبيرة كما صورتها أفلام السينما وروايات أدب الواقع ، حين والسيد المسؤول وراء مكتبه بكرشه المدورة ، ورجل أمام الباب دوره قول السيد المدير غير موجود “ارجع غدوة” حتى اقترحت بعض مواقع النقد الساخر صنع طابع بإسم “أرجع غدوة ” .
هذه السلطة برمزيتها وهرمِيتها سيتحول جزأ منها إلى أناس نعرفهم وأصدقاء لنا من أبناء الحي والبلدية فتعود السلطة إلى المحلي وتفتقد تلك الصورة القاتمة من البيروقراطية والفوقية التى عهدها التونسيون ، فهي اليوم ستخرج من محلياتهم لتعالج مشاكلهم اليومية والبسيطة مع أناس يعرفونهم ويشبيهونهم “منا وإلينا” يعرفون حفر الطريق وغياب الانارة العمومية وتصر الحديقة العمومية .
فماذا أعدت الأحزاب والمستقلون من برامج انتخابية لهذه المحطة المهمة؟
برامج انتخابية أم وعود شعراء ..
“أعذب الشعر أكذبهُ “، وأنت تسمع الوعود الانتخابية تسرق هذه المقولة القسم الأكبر من تفكيرك نظرا لارتفاع سقف الوعود الانتخابية عند أغلب القائمات المترشحة تقريبا في كل الأحزاب، أم ربما هناك متشائم يريد أن يصادر حق الحلم للناس بشبكة “وافاي” مجانية في كل البلديات التى ستربح فيها كما صرح رئيس الحزب، وأحد القائمات السياسية يعد المواطنين بتوفير مواطن الشغل وتشجيع الاستثمار وتحسين الوضع الاقتصادي للبلدية وعود تشبه تقريبا الوعود في الحملات الرئاسية والنيابية. فكأن السلطة ووعودها طيلة السبع سنوات تعود لاجْترار نفس الوعود طيلة السبع سنوات، هذه الوعود الحالمة ذات السقف العالي ربما تندرج ضمن دائرة ذكاء الناخبين .
يقال أنّ أحد مستشاري الرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك عاتبه بلطف على تقديم وعود يصعب تحقيقها فأجابه إجابته الشهيرة “الوعود الانتخابية لا تُلزم إلاّ من يصدقها”.
إذن هنا المشكل في من يتلذذ عذوبة الشعر الكاذب .