مية الجريبي: زهرة النضال الوطني التي رحلت في غفلة منا

مالك الزغدودي

تغادر مية الجريبي هذا العالم الذي حلمت أن يكون أفضل. رحلت صاحبة الابتسامة الدائمة وما تحمله من أمل في غد ستشرق فيه شمس الحرية الدافئة في زمن كان فيه الخوف سيد كل المشاعر.

مية الجريبي السياسية والحقوقية والنقابية لم تخفي يوما ما صورة مية المرأة الصادقة المدافعة الشرسة عن مبادئها عن الحرية والديمقراطية والمساواة التامة والفعلية.

*النشأة في مجال معارض
مية الجريبي فسيفسائية المولد ، من أم جزائرية وأب تونسي أصيل منطقة تطاوين سكن بوعرادة وهي مدينة صغيرة تقع شمال تونس تتبع إداريا ولاية سليانة. والدها من اليوسفيين (أنصار صالح بن يوسف ابان الصراع اليوسفي البورقيبي) وهو ما أوجد أرضية خصبة لتوجه ا الشابة القادمة من الريف التونسي البعيد فيما بعد نحو ممارسة العمل النقابي الطلابي فالسياسة وكذلك العمل المدني والحقوقي.
عرف شتاء بوعرادة البارد يوم 29 جانفي 1960 ولادة مية الجريبي. لتبدأ رحلتها مع الحياة وتخلد مرورها هذا بالنضال والمواقف التى سيذكرها التاريخ كأحد النساء المناضلات زمن الدكتاتورية وبعدها خاصة في المواقف المتعلقة بالديمقراطية وحقوق الإنسان عامة .

*رحلة نضالية طويلة ومتنوعة

“ساعتزل السياسة عندما اعتزل الحياة “، هذه المقولة تفسر اصرار مية الجريبي على النضال والمقاومة لأخر رمق ، تعاند وجع الحياة بالسياسة وتضع معنى حياتها في ممارسة قناعاتها السياسية.

ككل أبناء جيلها مثلت المرحلة الجامعية مرحلة نضال ضد طلابي في صفوف الإتحاد العام لطلبة تونس بكلية العلوم بصفاقس أين زاولت تعليمها العالي.

في أوائل الثمانينات قررت الفقيدة خوض تجربة النضال الحقوقي عندما انضمت إلى فرع الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الانسان بصفاقس، وكانت الرابطة أهم المنظمات المدافعة عن حقوق الإنسان وقتها.

كان هامش الكتابة في الصحف العمومية معدوم، وحرية التعبير والنقد وخلق مساحة حرة يمكن الكتابة فيها بعيدا عن الرقابة نسبيا هو ما سعت إليه الجريبي عندما ساهمت مع ثلة من المناضلين في تأسيس الجريدة الأسبوعية المستقلة “الرأي” و من ثم “الموقف” وهذه الأخيرة كانت أحد أهم جرائد المعارضة.

أصبحت أيضا عضوا في مجموعة دراسة حول وضع المرأة بالنادي الثقافي الطاهر الحداد لأن الدفاع عن حقوق المرأة كان هاجسا دائما يرافقها.

وشاركت في الجمعية التونسية لمكافحة السرطان كأنها كانت تعي مبكرا أن هذا الورم الأسود هو الذي سيسرقها من العالم بل لأنها انسان يحس أوجاع الأخرين . كما اسست صحبة آخرين جمعية بحوث عن المرأة والتنمية وإثر عودتها إلى تونس سنة 1983، شاركت في تأسيس التجمع الإشتراكي التقدمي مع ثلة من السياسيين منهم أحمد نجيب الشابي . ليتغير إسمه لاحقا إلى الحزب الديمقراطي التقدمي لتكون عضوا في مكتبه السياسي سنة 1986.

تقلدت مية الجريبي مسؤولة في اليونيسف بجمع التبرعات والاتصال من سنة 1986 إلى غاية 1991 ثم سنة 1996 أصبحت مكلفة بالدراسات بمعهد لعموري وهو مكتب دراسات و تسويق لتتقلد بعد ذلك في 2001 منصب المديرة العامة و المتخصصة في الدراسات النوعية.

سنة 2006 انتخبت على رأس الحزب الديمقراطي التقدمي خلفا لأحمد نجيب الشابي و أصبحت إثر ذلك أول امرأة تقود حزبا سياسيا في تونس والثانية في المغرب العربي على رأس حزب يتكون أساسا من رجال بعد الجزائرية لويزة حنون.

شاركت في عديد اضرابات الجوع التى كانت أحد أكثر الوسائل الاحتجاجية التى تعري النظام أما العالم وتكذب الصورة الزائفة التى كان يروجها.

في 23 أكتوبر 2011 تم انتخابها على دائرة بن عروس في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي . ودافعت من موقعها عن كل المبادئ التى أمنت بها في فترة حساسة من التاريخ التونسي بالدفاع عن مكاسب المدنية والحداثة والمساواة …

في 09 أفريل 2012 تولت مية الجريبي آخر مسؤولياتها السياسية كأمينة عامة للحزب الجديد ” الحزب الجمهوري ” خلال المؤتمر الخامس و الأخير للحزب الديمقراطي التقدمي.

وداعا مية الجريبي وداعا وأنت بين قلوب من يعشقون الحرية والإنسان ذكرى لا تغادر . وداعا مية الجريبي التى علمتنا أن نساء بلادي هم ترسُها و ياسمينُها . رحمة الله على روحك الطاهرة نحن بعد لن نعتزل حلمك بتونس أفضل ممكنة.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.