من أجل تفعيل حق النفاذ إلى المعلومات العموميّة!

القوانين والمراسيم لا قيمة لها بدون ثقافة التفعيل. وغياب التفعيل الجدي للمرسوم المتعلق بحق النفاذ إلى الوثائق الإدارية يُعتبر أحسن مثال على ذلك. فتفعيل هذا المرسوم سيكون خطوة عملاقة نحو بناء ديمقراطية شعبية حقيقية. فبعض المعلومات التي نجدها في الصحافة تخضع لمنطق التسريبات و "تدبير الراس" من خلال العلاقات الخاصة لبعض الإعلاميين والنشطاء مع المتمركزين في مناصب إدارية مهمّة. وعادة ما تكون هذه التسريبات انتقائية وممنهجة لخدمة مصالح ضيقة أو لخدمة طرف سياسي معين وليس من باب المسؤولية الأخلاقية وقداسة العمل الصحفي. ولو أن ما ذكرناه في الأخير يتداخل نوعا ما مع ما تسمى "الصحافة الاستقصائية" التي تعتبر اختصاصا صحافيا مهما، لكن لها قواعدها وأخلاقياتها التي لا وجود لها اليوم على الساحة الإعلامية.

 

يُعتبر النفاذ إلى المعلومات العموميّة من الآليات الأساسية و الضروريّة لممارسة السياسية و الإعلام و الأنشطة المدنيّة، إذ تعتبر المعلومة العامّة الدقيقة و المحيّنة أساسا لكل نشاط حزبي أو جمعياتي أو مؤسساتي أو إعلامي، و كان المرسوم عدد 41 لسنة 2011 المؤرخ في 26 ماي 2011 والمتعلق بالنفاذ إلى الوثائق الإدارية للهياكل العمومية، نقطة تحوّل قانونيّة في هذا المجال، إذ أنّه لأول مرة في تاريخ تونس تشهد المنظومة القانونية التونسية قاعدة عامة تعترف بحق النفاذ إلى الوثائق الإدارية. و نظرا لغياب التقاليد السياسيّة و الإدارية المناسبة، ظلّ هذا المرسوم بعيدا عن التفعيل و لم تقع الاستفادة منه لخدمة أهداف "الثورة" و تحقيق عدالة انتقالية و انتقال ديمقراطي حقيقي.

إن تفعيل حق النفاذ إلى المعلومات العموميّة يستوجب إصلاحات إدارية هيكليّة بتوفير آليات تتيح لكل شخص طبيعي أو معنوي كالشركات والجمعيات والأحزاب والصحافيين الحق في النفاذ إلى الوثائق الإدارية من خلال منظومة معلوماتيّة توفّر المعلومة الدقيقة والكاملة والمحيّنة سواء على مواقع الواب أو بإصدار نشريات رسميّة، إضافة إلى إقرار حق الشخص الطبيعي أو المعنوي في التقاضي، إذا لزم الأمر، من أجل الاستفادة من هذه الآليّة. ويعتبر دور الإعلام و مؤسسات المجتمع المدني والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية محوريا في تفعيل هذه الآليّة وإرساء التقاليد الضرورية لذلك، لأن الشفافية مرادفة للصدق والنزاهة والثقة، والعمل في الخفاء منذر بالالتفاف على مطالب الشعب والعودة للاستبداد. إنّ الهدف من النفاذ إلى المعلومات العموميّة لا يقتصر على مجرّد الإطلاع أو المراقبة والمحاسبة، بل يعتبر ذلك أساسيا للإعلام حتى يقدّم مادّة إعلامية ثريّة و فاعلة ومُساهمة في دفع التنمية والتطوّر بعيدا عن التخمينات والشكوك والأعمال الفضفاضة و المفرغة من محتواها، كما أن الأحزاب السياسيّة  تحتاج إلى هذه المعلومات من أجل ممارسة الرقابة والمساهمة في صنع القرار إضافة إلى صياغة البرامج السياسية الجدّية التي تتطلب الإلمام الدقيق والمستمر بجميع المجالات، وبالتالي تقترب أكثر من المواطن وتساهم في توعيته وإدماجه  في منظومة التنمية الشاملة.

 إنّ الحكام والإداريين بطبائعهم لا يحبّذون الآليات التي تسمح بالنفاذ إلى المعلومات العمومية و يسعون جاهدين إلى تمييعها أو غمرها أو إفراغها من محتواها لأنها  تهدد مصالحهم الحزبية وتقلل من نفوذهم وتمنعهم من تمرير عديد المشاريع تحت الطاولات السياسية والإدارية بالتحالف مع البرجوازيّة الانتهازية. ونحن على أبواب صياغة دستور جديد، على الأحزاب "الثورية" أن تتحرّك وتقترب أكثر من المواطن ومن مؤسسات المجتمع المدني من أجل الحثّ على دسترة حق النفاذ إلى المعلومات العموميّة لما لهذه الآلية من دور محوري في  مقاومة الاستبداد والفساد والمحسوبية إضافة إلى دفع التنمية و التأسيس لعدالة اجتماعية حقيقية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*كاتب وباحث تونسي 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.