مراكز إيواء النساء ضحايا العنف : مراكز لإيواء النساء أم صناديق سوداء؟

رشاد الصالحي-

يعتبر إحداث مراكز إيواء النساء ضحايا العنف من أهم المطالب التي رفعتها عديد الجمعيات والمنظمات نظرا لتنامي العنف ضد المرأة وخاصة العنف الزوجي واستجابة لضغط هذه المطالب تم مند 2016 إحدات عدد من مراكز لإيواء النساء ضحايا العنف بالشراكة بين وزارة المرأة وصندوق الأمم المتحدة للسكان الذي تقتصر مهمته على التمويل.

ومن أهداف هذه المراكز التي بلغ عددها 8 مراكز موزعة على عدد من ولايات الجمهورية،  تقديم كافة الخدمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة للمرأة المعنفة من أجل إحاطتها للخروج من الأزمة التي تمرّ بها بعد تعرضها للعنف الزوجي والأسري،، على أن لا تتجاوز مدّة الإقامة الثلاثة أشهر قابلة للتمديد. ومن المفترض أن يقع فيها إكساب المرأة  ضحية العنف بعض المهارات كالخياطة وصناعة الحلويات … لتأمين مستقبلها . لكن واقع بعض المراكز لا يعكس حقيقة الأهداف المنشودة من وراء بعث هذه المراكز
 
حقائق أون لاين  سلطت الضوء على بعض هذه المراكز أو  الصناديق السوداء  لتكشف حقائق مذهلة
(س.ج) كانت تبحث عن الأمان، وعن ملجأ يأويها. هي ضحية عنف زوجي بامتياز، في ظل سكوت وتقصير غير مفهوم للقطاع الأمني، هي مهددة بالقتل من قبل زوجها، فتم إرشادها باللجوء إلى مركز الإيواء.

وهناك تعرضت الضحية إلى مختلف أنواع  من الاستغلال من قبل العاملات بالمركز الذي تجاوزت مدة الإقامة فيه شهرا كاملا. حيث كلفت خلاله بمهام العناية بالأطفال المرافقين لضحايا العنف المقيمات بالمركز, وتم منعها من العمل، وإجبارها على القيام بعدة مهام هي في غنى عنها.

وإثر تحولها مع مرافقة اجتماعية لحضور جلسة قضائية أمام القاضي، تم طعنها من قبل زوجها في بهو المحكمة رغم تحذيرها بضرورة اتخاذ الإجراءات الحمائية اللازمة في الغرض. وللأسف الشديد فقد تخلت عنها المرافقة، تاركة إياها ملقاة على الأرض تسبح في دمائها وعادت أدراجها.

وقد تم نقلها على جناح السرعة إلى قسم الإنعاش. والمفاجأة الكبرى التي كانت تنتظرها هي تخلي مركز الإيواء عن كافة مسؤولياته تجاهها. والتنصل من القيام بالإجراءات الضرورية في هذه الواقعة، بذريعة عدم توفر الموارد المالية.

وهذه ليست الحالة الوحيدة ف (ب.ن) هي الأخرى تعرضت إلى اغتصاب زوجي مستمر، اتصلت  بأحد مراكز الإيواء. وبعد مرور فترة وجيزة من الإقامة، تمت هرسلتها،. فخيّرت الرجوع إلى بيت الزوجية الذي رأت أنه أرحم من المركز. (ع.ع) تم توجيها إلى مركز إيواء بعد أن تنكرت إليها عائلتها إثر إنجابها طفلا غير شرعيّ إلا أن العاملات بالمركز حاولن التخلص منها بدعوى أنها تمارس العنف وسلوكها غير قويم. لكن الحقيقة  أن هناك من المشرفات على المركز من ترفض إيواء النساء العازبات
ولا تنفي الضحايا أثناء إقامتهن بكون هذه المراكز توفر بعض الخدمات إلا أنها لا ترتقي لما يتم الترويج له من طرف الجمعيات والمؤسسات الحكومية خصوصا فيما يتعلق بالإطارات المشرفة على تسيير المراكز وكون كل الشكاوى المقدمة من طرفهن للسلط المعنية لا تأخذ بالجدية المطلوبة ولا يتم اتخاذ الإجراءات الضرورية في شأنها. وتدعو الضحايا اللواتي التقينا بهن النظر في الشكاوى المقدمة من طرفهن بجدية و إيلائها الأولوية المطلقة خصوصا وأنهن ضحايا عنف .     
مراكز الاستقواء ..
استشرى  العنف ضد النساء بمختلف أنواعه وخاصة الزوجي و الاقتصادي والرقمي منه بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة.  " رفقة الشارني" في الثلاثين من عمرها عمد زوجها إلى قتلها بخمس طلقات رصاص يوم 9 ماي 2021 رغم أن  الضحية  كانت قد تقدمت بشكوى تفيد تعرضها للعنف من قبل زوجها.  ولم تمر سنة ونصف  على هذه الحادثة حتى تم حرق (و.م) ذات الأربعين سنة من قبل زوجها يوم 29 أكتوبر 2022. وهو ما دفع بعديد الجمعيات النسوية في جهة الكاف إلى تنظيم مسيرة احتجاجية يوم السبت 5 نوفمبر 2022 تنديدا بالعنف المسلط  على النساء متهمة الحكومة بالتقصير في تطبيق القانون.

   
الأرقام الصادرة عن وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن تشير إلى  أن قرابة  80 % من حالات العنف ضدّ المرأة مصدرها الزوج. كما تؤكد  أنها تتلقى سنويا قرابة 20 ألف تبليغا عن حالات عنف ضد النساء.

ولمقاومة هذه  الظاهرة تم سنّ قانون 58 لسنة 2017. وبضغط من المجتمع المدني والمنظمات أحدثت سنة 2017  ستة مراكز لإيواء النساء ضحايا العنف بمختلف الولايات  بطاقة استيعاب لا تتجاوز 10 أسرّة للنساء و 6 أسرّة للأطفال  في إطار شراكة مع منظمات أممية وجهات مانحة مهمتها الأساسية التمويل.

ومن أهداف هذه المراكز تقديم كافة الخدمات النفسية والاجتماعية والاقتصادية اللازمة للمرأة المعنفة من أجل إحاطتها للخروج من الأزمة التي تمرّ بها بعد تعرضها لمختلف أنواع العنف، على أن لا تتجاوز مدّة الإقامة الثلاثة أشهر قابلة للتمديد. ومن المفترض أن يقع فيها إكساب المرأة  ضحية العنف بعض المهارات كالخياطة وصناعة الحلويات ..كما تم إحداث 10 مراكز للاستماع والإرشاد والتوجيه بمختلف جهات البلاد.
دور الجمعيات لغز محيّر 
ما أن ينتهي دور الجهات المانحة  لهذه المراكز إلا وتضطر للإغلاق والبحث من جديد على مصدر تمويل يمكنها من فتح أبوابها من جديد وهنا مكمن الداء. فقد أكدت الدكتورة (ف. ح. س) أستاذة القانون ورئيسة سابقة لمركز إيواء. تحفظت عن ذكر اسمها، في تصريح للشروق أن وزارة المرأة كان لها إشراف صوري عند إحداث المراكز الأولى للإيواء. وهو ما فسح المجال للجمعيات الشريكة للتحكم في زمام الأمور بحكم إشرافها الكلي على المراكز. و شدّدت الدكتورة على الدور الذي لعبته الجمعيات في وضع برامج وقائية وحمائية لفائدة الضحايا، وتأمين جملة من خدمات التعهد بالضحايا، من استقبال وتوجيه وإحاطة نفسية واجتماعية، وتعهد قانوني وتنسيق مع مختلف الهياكل الحكومية والجمعيات العاملة في المجال، وحول إنفاذ مقتضيات القانون عدد 58 والتكوين حول مختلف الآليات. 

إلا أن هذا لا ينفي حسب الدكتورة من وجود انتهاكات مختلفة مسلطة على النساء ضحايا العنف. ذلك أن بعض الجمعيات العاملة في المجال ترفض رفضا قطعيا إيواء النساء العازبات ضحايا العنف، ممارسة التمييز بمختلف أنواعه على الضحايا، وإخضاع الضحايا لرغبات المشرفات على المراكز، الممارسات التهديدية، الضغوطات النفسية والاجتماعية، المقايضات، التقصير في أداء الخدمات، وغيرها من الاخلالات التي من شأنها أن تعكر الحالة النفسية للضحية، والتي تجعلها تخير مغادرة المركز على البقاء فيه وأضافت الدكتورة أن هذا لا ينفي تعرض المراكز من حين لآخر إلى عمليات تحيل وتمويه من قبل النساء بهدف الضغط على السلط الجهوية والمركزية بإيجاد الحلول الكفيلة، والاستعجالية لإعانة العائلة خاصة منها التي تعاني من وضع اجتماعي واقتصادي صعب.

وهذا لا يمنع من وجود بعض الحالات التي عبّرت عن استفادتها من الفترة التي قضتها في مركز الإيواء  ف (ن.ب)  التي تعرضت إلى عنف زوجي غادرت إثره بيت الزوجية بعد أن باتت حياتها مهددة أكّدت أن تغييرا ايجابيا حصل في حياتها بعد إقامتها في المركز وتلقيها تكوينا في مجال الحلويات مما ساعدها على صناعة الحلويات وتسويقها الشيء الذي وفر لها دخلا ماليا محترما مكنها من ضمان لقمة العيش، كما لعبت بعض الجمعيات مثل جمعية النساء الديمقرطيات وجمعية النساء التونسيات
 للبحث حول التنمية ومنظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان  دورا كبيرا في الدفع نحو ضمان وضعية معيشية آمنة للنساء ضحايا العنف وتمكينهن اقتصاديا من بعث مشاريع مستقلة توفر لهن الاستقلالية المادية.
وفي هذا السياق أكّدت الناشطة في المجتمع المدني ذكرى الكلاعي لحقائق أون لاين  أن منسوب العنف المسلط على المرأة في ارتفاع وقد يعود ذلك إلى أن قانون 58 لم ينضج بعد في ذهنية المجتمع التونسي في غياب البنية التحتية من مراكز مختصة ومراكز إيواء والفضاءات الخاصة التي من المفروض أن تستقبل المرأة ضحية العنف. فمراكز الإيواء تطرقت إليها الاتفاقيات الدولية والقوانين والوزارة والمجتمع المدني. ولكنها تكاد تكون غير موجودة. فبعضها نابع من اجتهادات المجتمع المدني. فهذه المراكز تفتقد للقانون الأساسي مما يفقدها فعاليتها في تونس. وإن كانت هناك بعض التجارب فهي محدودة كمركز المنستير وتونس. فكثيرا ما لم تف وزارة الإشراف بوعودها. ففي الكاف مازلنا ننتظر بعث مركز للإيواء    
صندوق إنقاذ لم لا ؟ 
وإزاء هذه الوضعيات، كان لا بدّ من إيجاد حلول وهو ما أشارت إليه الدكتورة (ف.ح.س) مؤكّدة أن ضحية العنف لا ترغب بالمكوث طويلا بالمركز.

فهي تبحث عن حلول ثابتة، تكون الدولة فيها فاعلة. فلا بد  من العمل على النهوض بالوضع الاقتصادي للنساء ضحايا العنف. ذلك أن الضحية تبحث في مرحلة أولى عن الاستقلالية المادية بهدف النهوض، والمضي قدما نحو الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي.

 وفي هذا الإطار تقترح الدكتورة بعض الحلول، منها إمكانية عقد وزارة الإشراف لاتفاقيات شراكة مع مختلف القطاعات الخاصة بهدف تخصيص جزء من انتداباتها لتشغيل النساء ضحايا العنف.

ولا بد من تدخل الاتحاد العام التونسي للشغل في هذا الشأن وممارسة دوره في تمكين الضحايا من عمل لائق، ورفض كافة الممارسات التمييزية ضدهن في مختلف القطاعات التشغيلية ، كما يمكن بعث صندوق إنقاذ يعمل بصفة استعجالية وفورية لضحايا العنف ضد المرأة، وتفعيل شهادات التكوين التي تتلقاها النساء ضحايا العنف بالجمعيات. وعقد اتفاقيات شراكة في هذا الصدد مع وزارة التكوين المهني والتشغيل،  وتمكيهن من إجراءات مبسطة بهدف تمويل مشاريع تكون ضامنة لمستقبلهن المعيشي، وتكون الأولوية لمن هن في حاجة مالية ماسة، تسهيل إجراءات الإعانات الاجتماعية، وتمكين الضحايا من اعانات فورية تمكنهن من تسيير شؤونهن، وتوفير الضروريات. توفير آليات رسمية وفعالة تتماشى مع مختلف الوضعيات. بعث خلايا مخصصة لضحايا العنف في مختلف القطاعات وخاصة منها الحساسة على غرار قطاع الصحة والأمن والعدل، انتداب إطارات مختصة ومهنية وتتمتع بالكفاءة ومدربة في مجال مقاومة العنف ضد المرأة لتسيير مهام مراكز الإيواء. كما على وزارة المرأة أن تقوم بمراقبة الجمعيات الشريكة في الإشراف على المراكز مراقبة جدية ودورية والإصغاء للضحايا المقيمين بالمراكز والنظر بجدية  في كل الوضعيات والإشكالات والإخلالات القائمة.

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.