مدن الاسفلت.. القاتلة..

بقلم سيف سالم-
صوب أزقة المدينة المكتظة بالجثث المترنحة الفاقدة للحياة ترى المرء مثل شبح غريب خرج لتوه من كهف مهجور، الناس يمرون أمامي على عجلة من أمرهم، الوجوه المصفرة الشاحبة كصوص يهلع من فم ثعبان، وجوه باردة كالحجر، لا أحد يلتفت لك.
 
الخطوات ثقيلة مترنحة، المغازات مفتوحة وعامرة بالسلع والزبائن، منبهات السيارات تزعق كل حين. العاطلون يجلسون أمام المسرح البلدي وعلى المقاعد القليلة يمضغون علكة الوقت ويرشقون عيونهم في مؤخرات الصبايا المرحات.. لاشيء يوحي بأنّ هناك في مكان ما من هذا البلد عالم آخر، تحكمه التماسيح وكلاب الموت وسلالات منقرضة من مصاصي الدماء،،، لا شيء،، باعة الجرائد والمجلات  مثقفو حانات باريس، ميترو الأحزان الثقيل.
 
إن التفاصيل تذهب وتعود، وتلك التي مازالت عالقة بالذاكرة تتولد حسب الرغبة لأن أي محاولة لاستعادة ما نسي هي اصطدام مباشر بالنسيان أيها القراء الكرام.
 
سنكون أمناء في الذكر، إن المأساة موجعة الى أبعد حد والله، كمن فقد ذاكرته تماما ثم عادت له فيشهد تداخلا عظيما بين طياتها. واذا كان واقع الشباب في تونس يهم أحدا فوحدها اللحظات الأخيرة تبقى عالقة في ثنايا الذاكرة أيها الكرام.
 
شبح الفقدان خيم على العقول وجثم على الأرواح في هذا البلد، أصبحنا نسرج الأمنيات كل صباح وكدنا أن نقدم قرابين الى ملك الموت حين نرى الأحبة بخير، الوباء يحصد الارواح وكانه آلة الحصاد التي تأكل السنابل اليافعة في ظهور الحقول، عصا النظام تجفل الشباب عن الحياة وتدفعه قسرا الى الهجرة خارج البلد باحثا عن موطن يحتويه يكفل له العيش بأبسط مقومات العيش، جميعنا يعيش غربة داخل وطن نشأ فيه وولد فيه وترعرع بين ثناياه وحقوله، وأكل من من خبزه ورغيفه أيها الناس !!! أيها الشهداء هنيئا لكم لقد غادرتم الوطن بشرف ونلتم شرف تعبيد الأرض بدماء زكية طاهرة ولم تمنحو شرف المقابلة لهؤلاء الخونة الذين عبّدوا طرق المدينة بالاسفلت المقوى الذي يمنع تسرب أزيز كلمة الحرية وشعار الثورة !!!.
 
أيها الشهداء في مدينتنا إن لم يمت المرء بوباء فسيموت غرقا، أو يلقى حتفه بقنص حجر من على مستوى الرأس أو تعذيبا في قبو الداخلية، انها لعنة مدن الاسفلت الخانقة تزداد كل يوم في هذا البلد، ويزداد يقيننا بوجوب الهجرة والمغادرة إلى أي مكان، لا يهم ماهو، ما يهم انه يراعي حق الانسان في التنقل، في الأكل، في العيش، ليس أكثر، هذا كل شيء أيها العظماء..

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.