مخاوف من العصيان المدني.. إن أمطرت في الجزائر فستغرق تونس

 بقلم نادية المسغوني-

على الرغم من المشاغل السياسية والاقتصادية المتراكمة، التي تَشغَل البلاد التونسية فان الوضع اليوم مثير للتَوجّس أكثر من أي وقت مضى في هذه الفترة الحسّاسة التي تسبق الانتخابات الرّئاسية، اذ يبقى الهاجس الأمني سيّد الموقف في تونس، ويكاد يكون حجر الزاوية في أغلب مشاريع الدولة واستراتيجيتها، ومحدداً لعلاقاتها الخارجية وخاصة الإقليمية.

وفي الوقت الذي يرتفع فيه عجز الميزان التجاري خلال الشهرين الأولين من سنة 2019 الى 2462.4 مليون دينار، بلغ العجز المسجّل مع الشقيقة الجزائر 420.5 ملون دينار.. رغم الارتفاع المسجل في نسبة الصادرات و الذي قدر ب 39% ..

أزمات اقتصادية تعجز الحكومة التونسية عن تجاوزها رغم سعيها الجاد للإحاطة بمواطن الخلل ورسم سياسات عمليّة على المدى القصير والمتوسط كحلٍ، ولعل أهم خطر فرض هذا الاختلال في الموازنات التجارية هو الاقتصاد الموازي أو ما يسمى بالاقتصاد الأسود، و لا يتوقف التهريب على المواد الغذائية والالكترونية والأدوية والمواشي والبنزين والقنب الهندي والذهب  بل أخطر من ذلك الى التجارة بالبشر والعملة والسلاح .

ولعل الظرف الحالي الذي تعيشه الجزائر، والصراع القائم بين الشعب والنظام واحتداد المواجهات الأمنية والمظاهرات والتلويح بالعصيان المدني من شأنه أن يجعل الظّرف سانحًا لمافيا التهريب لاغتنام فرصة الفوضى وتعزيز نشاطها،

اذ تمثّل المدن والقرى الحدودية التابعة لولاية الكاف (قلعة سنان، ساقية سيدي يوسف، دشرة نبر، سيدي رابح، سيدي أحمد الصالح …) و ولاية القصرين (حيدرة، فوسانة، فريانة، بوشبكة …) وبعض المسالك التابعة لولاية جندوبة، أهمّ مسالك تهريب الأسلحة على امتداد الشريط الحدودي الغربي.

واعتمادا على جملة من المعطيات التي أمدّتنا بها مصادر من دائرة الغابات بالمندوبية الجهوية للتنمية الفلاحية بالقصرين، تسنّى لنا تحديد جملة المناطق المعروفة أكثر من غيرها بنشاط التهريب عموما وتهريب السلاح بشكل خاص نظرا لكثرة المسالك الجبلية الوعرة وتنوّع التضاريس وكثرة المغاور والكهوف.

وتعتبر معتمدية فريانة من ولاية القصرين من أخطر مناطق التهريب، اذ تتصدر قائمة المناطق الحدودية المُنتهجة لتهريب السلاح، خاصّة على طول الحيّز الجغرافي الممتدّ من "فج الطين" وصولا لِ "الخيمة".

 وينخرط جل أهالي هذه المنطقة في منظومة التهريب، وهم على دِراية واسعة و دقيقة بمختلف المسالك و الطرقات التي يجب انتهاجها لتهريب بضائعهم دون تقاطع مع دوريات أمنية أو عسكرية خاصة في المنطقة الفاصلة بين قرية بوشبكة و "فج علي بن مبارك" .

والمعلوم أنّ هذه المنطقة باتت خطرا، حيث تُأكد مصادرنا أنها، ورغم المجهودات الأمنية، لازالت مَمرّا رئيسياً للمجموعات الجهادية المسلّحة التي جنّدت "الحاضنة الشعبية "حتى يزودونهم بمختلف المعلومات حول الشريط الحدودي والتحركات الأمنية والعسكرية.

معتمدية فوسانة، هي الأخرى، أحد المداخل المعتمدة لمجموعات التهريب لإدخال السّلاح والمتفجّرات والذّخائر وتستعمل في ذلك سيارات رباعية الدفع أو يتمّ الاعتماد على الحمير المدرّبة.

وفي مسافة لا تبعد أكثر من 30 كلم عن معبر بوشبكة الحدودي غربا و مثلها عن ولاية القصرين شمالا  تقع القاعدة الامامية للتهريب " مدينة تلابت" على الطريق الوطنية عدد 15 الرابطة بين القصرين و قفصة، وهي ممر رئيسي نحو الجزائر..  

وتمثّل قرية "حيدرة" نقطة تقاطع ثلاثية (الكاف والقصرين والكويف الجزائرية)، تمرّ عبرها أغلب عمليات التهريب ويُرجّح، وفق مصادر متقاطعة، أن يكون مآل الأسلحة والذخائر المهرّبة جبل الشعانبي وجملة المرتفعات المتفرّعة عنه أو المحاذية له على غرار جبال سمامة وسلّوم ومغيلة و بوهرتمة.

ورغم المجهود الوطني لمقاومة التهريب، الذي تقوم به قوات الأمن وحرس الحدود والديوانة  في نقاط العبور ( جندوبة: معبر ببوش و معبر غار الدماء و معبر ملولة ، الكاف: معبرساقية سيدي يوسف و معبر قلعة السنان ، القصرين: معبر بوشبكة و معبر حيدرة  ، توزر: معبر حزوة و معبر تمغزة)  وعلى الطرقات، وكذلك وزارة التجارة بمراقبة الحدود وملاحقة المهربين، الا أنّ التهريب يمثل مورد رزق مئات آلاف العائلات التونسية القاطنة على الشريط الحدودي الغربي التونسي و مثلها على الشرقي الجزائرى و أن هذه العائلات أغلبها متصاهره وان توقيف التهريب بهذه المناطق هو أولا القضاء على قوت هذه العائلات، وثانيا  شرارة اندلاع مقاومة شعبية و احتجاجات اجتماعية من الجهتين الجزائرية و التونسية.

 

فان تحوّلت المظاهرات الجزائرية السلمية الى عصيان مدني واحتجاجات عنيفة، سوف يلجئ الجيش والدرك الى غلق المعابر الحدودية التسع تحسبا لأي خطر أو تسلل إرهابي وعليه فان الجانب التونسي مطالب بتشديد الرقابة وتعزيز أمن الشريط الحدودي الغربي والتركيز على العمل الاستخباراتي والكشف عن المخازن الكبرى ومداهمتها وحجز ما فيها من سلع وهو ما من شأنه أن يُولّدَ حالة احتقان قد تنشب عنها مواجهات أو احتجاجات..

 

وتفيد مصادرنا أن حركة التهريب منذ مدة تعتمد أساسا على التخزين (من الجهتين: الجزائرية و التونسية)  تحسُّبًا لأي طارئ و أن  المهربين بصدد تغيير أماكن مخازنهم استباقا لأي تمشيط أمني، ( خاصة المواد الغذائية و السجائر و البنزين والقنب الهندي ) .

وليس التهريب فقط مصدر قلقنا وتخوفنا، فعلى الحدود الجزائرية التونسية أكثر من معضلة، والإرهاب واحد منها، ويمثل تحرك المجموعات الإرهابية على الحدود الجزائرية التونسية هاجساً أمنياً مقلقاً بالنسبة للجزائر وتونس فهو يشكل تهديداً للأمن بمفهومه الشامل للدولتين. ومثلما تعمل شبكات التهريب على إقامة قوانينها وطرق تجارتها المخالفة لقوانين الدولتين، تهتم الجماعات الإرهابية بإقامة جمهورياتها في هذه المناطق، على الحدود أيضاً.

 

ولعل الجماعات الإرهابية، كما شبكات التهريب، سوف تسعى الى استغلال اضطراب و تآكل النظام الجزائري الحالي و خاصة التصدع داخل القيادات الأمنية و الاستخباراتية، لتنشط في الأوقات الملائمة، فللتذكير، قبل أن يكون قائداً لـ"كتيبة عقبة بن نافع" الإرهابية في تونس (المتمركزة في جبال سمامة و الشعانبي)، كان الجزائري خالد الشايب المكنى"لقمان أبو صخر"، كما شقيقه، مهرباً يعمل على الحدود.

وقد أثبتت الملفات القضائية أن الأدوار التي لعبها الإرهابيون ذوي الجنسية الجزائرية تعد أدوارا قيادية ومن درجة أولى خاصة بالمعسكرات التي تم إنشاؤها، فالمسؤول الأول عن الحركات الإرهابية في تونس هو الإرهابي الجزائري موسى أبو رحلة المكنى أبو داوود. كما أن القيادات الميدانية الرئيسية هي قيادات جزائرية مثل القيادي خالد الشايب المكنى لقمان أبو صخر و كذلك القيادي أبو عوف ويحي. 

وقد أقدمت الجزائر على حفر خنادق في عدة نقاط حدودية، خصوصاً في منطقتي تبسة وسوق أهراس المقابلة لمنطقتي الكاف والقصرين في تونس، لمنع تحرك الإرهابيين والمهربين، ونشرت 28 مركزاً أمنياً متقدماً على طول الحدود لمراقبتها. كما نشرت، بطلب تونسي، قوات عسكرية إضافية على الحدود، لتعزيز عمليات مراقبة الحدود والقضاء على المجموعات المسلحة. وساهمت هذه الخطوات الأمنية والعسكرية المشتركة في تقييد حركة المجموعات المسلحة والقضاء على عدد من عناصرها. وكان أبرز هذه العمليات القضاء على زعيم "كتيبة عقبة بن نافع"، لقمان أبو صخر، وشقيقه ومجموعة من مرافقيه في منطقة قفصة الحدودية عندما كان قادماً من الحدود الجزائرية.

ويعتبر التنسيق الأمني والاستخباراتي بين الجزائر وتونس هاما في مجال ملاحقة العناصر الإرهابية ومراقبة تحركاتها وتبادل المعلومات بشأنها بشكل آني، اذ تم توفير قنوات تواصل عسكري مباشر للتحرك بسرعة عند رصد أي تحرك للمجموعات المسلحة على حدود البلدين. وتستفيد تونس من الخبرة العسكرية والتجهيزات التي يمتلكها الجيش الجزائري، الذي قضى أكثر من عقدين في محاربة المجموعات الإرهابية. وعزز التحاق عدد من المسلحين الجزائريين بـ"كتيبة عقبة بن نافع" التي تنشط في تونس، من ضرورات التنسيق الأمني بين البلدين، إضافة إلى مراقبة الحدود بينهما، والحدود المشتركة مع ليبيا قرب منطقة برج الخضراء، حيث تعمل المجموعات المسلحة على استغلال الصحراء الشاسعة لتهريب السلاح والمسلحين من ليبيا إلى تونس أو الجزائر.

ونتساءل عما اذا سقط النظام الجزائري الحالي و استمرت المطالب الشعبية بالمنادات برحيلهم  أو احتدت المواجهات و آلت الى ما لا يحمد عقباه فما مصير أمننا، خاصة و أن مصادرنا تأكد أن الفريق قائد صالح مُصرّ على المرور الى العهدة الخامسة و هو بانتظارمدى تطور الاحداث في حين أن بعض الجنرالات الفاعلين بالجيش الجزائري و بدعم من فرنسا و أمريكا يَتبنوّن قرار التعجيل بتطبيق المادة  102عبر المجلس الدستوري وعدم أهلية بوتفليقة، خوفا من العصيان المدني و فقدان النظام كاملا  .. 

 

صحيح أن الإرهاب خسر كل رهاناته في تونس، كما كان قد خسرها في الجزائر، مع فارق الظروف التي أخرجت ظاهرة التمرد المسلح في البلدين، وأضحت تحركاته مقاومة بائسة وغادرة وتلاشت حاضنته الشعبية نوعا ما، لكن الضيم السياسي خاصة وان اُغلقت المعابر التسع وضَيّق الأمن الطرق الفرعية فقد يلجؤون إلى العنف، كلّما زاد اختناقهم، كلما زادت عزلتهم وتقلّصت شعبيتهم بالإضافة الى ذلك فغياب البدائل المعيشية بالنسبة لسكان المناطق الحدودية، قد يفجر احتجاجات وأحداث عنف لن تحتملها البلاد في ظلّ الظروف الحالية.. 

ان هذا الاشكال يضع المركز السياسي، في الجزائر كما في تونس، الهوامش الموجودة على الحدود ضمن الخطط الأمنية أكثر منها ضمن خطط التنموية، ويسبق العامل الأمني فيها كل عامل اخر، وطالما أن هذا القصور السياسي قائم، فإن مناطق الحدود ستبقى أيضاً قيد الصراع، إما بين الدولة والمجموعات المسلحة، أو بين الاقتصاد الرسمي وشبكات التهريب، وفي كلتا الحالتين خسارة وإرهاق مؤكدان.

 *نادية المسغوني باحثة مختصة في الشأن الجزائري

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.