يسرى الشيخاوي-
على إيقاع موسيقى الاوركستر السمفوني التونسي، نفض مهرجان الجم الدولي للموسيقى السمفونية غبار الصمت عنه وأعلن انتصاره على كورونا وما لف لفها من عوائق وصعوبات حالت دون تنظيمه لدورتين متتاليتين.
في حضرة الفن والتاريخ، تلاشت كل تجليات الموت التي تسربت إلى قطاع الثقافة والفنون إبان جائحة كورونا وكان جمهور الجم على موعد مع جرعات من الموسيقى والحياة خلقها الاوركستر السمفوني التونسي ليزيد المكان شاعرية وجمالية.
قبل الخوض في تفاصيل افتتاح المهرجان الذي يحمل في طياته أكثر من رسالة لا بد من الحديث عن الرحلة إلى الجم التي فقدت بعضا من بريقها لغياب رحلات بالقطار لجمهور المهرجان لأسباب تتعلق بالبنية التحتية للسكك الحديدية، فهذا الغياب واضح وجلي في مدارج المهرجان التي لم تغص بالجمهور كعادة حفلات المهرجان ذو الخصوصية.
وعلى أمل رجوع رحلات القطار المخصصة لجمهور المهرجان، تظل مشاهد طوابير الجمهور المتوافد على مسرح الجم الأثري عالقة بالأذهان وأحد العناصر المشكّلة للوحة فنية ترتسم ملامحها في هذا الفضاء الذي يعد برزخا بين ثنائيات كثيرة، بين الحياة والموت، بين الواقع والخيال وبين الماضي والحاضر.
دعابات الصغار، أحاديث الكبار، الضحكات المتناثرة هنا وهناك، أصوات الدراجات النارية تحمل في ثناياها نغمات تتسرب إلى داخلك إن أنت أنصت إليها بقلبك، كل تلك الحكايات العالقة في زوايا مسرح الجم وأركانها تتحول إلى موسيقى.
سمفونية من الألوان والأصوات تداعب سمعك ونظرك
وأنت تصغي إلى عزف الموسيقيين على الركح يقودهم المايسترو مراد الفريني فيشكلون معا توليفة موسيقية تنهل من روائع المقطوعات السمفونية التي تعانق ألحانها فضاء المسرح فتغازل الشموع التي تضيء ردهاته.
ومع حلول الليل بردائه الأسود الفخم تحلت خدود الكون بحمرة أوجدها ضوء الشموع وتعالت النغمات الاركسترالية لتبلغ عنان السماء وتعلن ميلاد لحظات مارقة عن الزمان والمكان لا صوت يعلو فيها على صوت الحلم.
على الركح هل عازفون ينتمون إلى أركسترا وأصوات أوبرا تونس، والأركسترا السمفوني التونسي ليرسموا ملامح افتتاح انتظره عشاق الموسيقى السمفونية بعد سنتين من الغياب ووشحته الشموع التي تزين حيطان قصر الجم بلون الحلم والحنين.
وفي ثنايا الجم تعالت نغمات الموسيقى السمفونية وتسللت إلى كل تفاصيل المكان أنغام البيانو إذ غازلت أنامل العازف مهدي الطرابلسي وعاضدها أداء كل من
نسرين المهبولي وهيثم القديري وبهاء الدين بنفضل.
تفاصيل كثيرة جعلت من "العودة إلى الجم" استثنائية من ذلك انطلاق المهرجان قبل حصوله على منحة الدعم من وزارة الثقافة واعتكاف الهيئة المديرة على محاولة إيجاد حلول بديلة لطرد فكرة إلغاء هذه الدورة لعدم توفر الموارد المالية.
وهذه المحاولات التي أتتها الهيئة المدير تؤسس لنموذج المهرجانات التي تحاول أن تعتمد على مواردها الذاتية حتى لا تبقى رهينة دعم الدولة المتمثل في المنحة التي أكدت وزيرة الشؤون الثقافية حياة قطاط القرمازي التي افتتحت المهرجان أنه سيتم صرفها في القريب.
وبعيدا عن الصعوبات التي تهاوت على أعتاب المسرح الأثري حينما صار الافتتاح حقيقة، تشمل برمجة المهرجان، تسعة عروض عالمية وتونسية، وتتميز بحضور مهم للموسيقى السمفونية التونسية الأمر الذي اعتبرته هيئة المهرجان مؤشرا على الحركية والديناميكية في علاقة بهذا النمط الموسيقي.
ولعل الدليل على أهمية هذه العروض التونسية البرمجة في المهرجان هو الحرص على أن يكون عرضا الافتتاح والاختتام تونسيين، وسيكون الافتتاح مع عرض للاركستر السمفوني التونسي والاختام بعرض تونسي يكرم المرأة بالتزامن مع عيدها.
وفيما يخص بقية العروض التونسية الأخرى، فهي الاركستر السمفوني للصوليست واكسترا أكاديمية مسرح الأوبرا وحسان الدوس وأصدقاؤه، وأما العروض العالمية فهي منقسمة بين النمساوية والإيطالية
إذ تحضر النمسا من خلال عرضين موسيقيين مع مجموعة " شاك ستيو" و" أوركستر أوبرا فيينا"، وتحضر إيطاليا بعرضين يحتفي الأول ب"موريكيني" والسينما الإيطالية مع "أندريا غريمينالي" و"رباعي اوكتا جاز" وعرض للاوبرا الإيطالية.
*الصورة من صفحة المهرجان