“لاحڨ نشّاد”.. ويستمرّ الحلم المنشود نحو بلاد يطيب فيها العيش

لمّا كان المنشود حلما يصعب تحقيقه، صار الموجود شرا لابد من عيشه، ولكن ماذا إن كان هذا الموجود خانقا حدّ الموت فلا أنت بحيّ ولا أنت بميت تعيش بين منزلتين أحلاهما مُرّ. هذا عمق مسرحية "لاحڨ نشاد" للمخرج أنور حرزالي الذي كتب نصها.

"لاحڨ نشاد" عُرضت الجمعة أمام لجنة الشراءات بوزارة الثقافة، التي تكونت من قامات فنية كبيرة على غرار دليلية مفتاحي وجمال المداني وفوزية بدر، وذلك بدار الثقافة المغاربية بن خلدون بالعاصمة.

جدلية السيد والعبد

مسرحية "لاحق نشاد"، تدور أحداثها بين عالمين "الفوق" و"لوطا"، عالم عائلة السيد "سي الطيب" التي تقطن في الأعلى في "فيلا" كبيرة وفخمة لا يزورها سكانها إلا قليلا تظل مغلقة لسنوات يسكنها الغبار والذكريات، وعائلة "مرزوڨ" الخادم الذي يسكن هو وزوجته "ساسية" و ابنيه "شعيب" و "مريم"، في قبو "الفيلا" المظلم والبارد والمليء بالرطوبة.

المسرحية مرّت على 3 مراحل مهمة من تاريخ تونس، مرحلة الاستعمار عند الحديث عن المعمّر كلود وارثه الاستعماري المتمثل شكلا في "الفيلا" ومضمونا في شخص "سي الطيب"، الذي يتحدث بتعالي ولا ينظر في وجه من يعملون عنده، ثم مرحلة الدولة الوطنية فمرحلة الثورة، التي تجسدت في شكل برق ورعد وعاصفة هوجاء أرعبت الجميع وهزّت أسس الفيلا وجرفت ارث الاستعمار والاستبداد، ودفعت بالجميع للهروب نحو القبو، وهناك كانت المفاجأة حيث انكشفت بواطن الشخصيات والأسرار الدفينة والحقيقة المخبأة لسنوات..

أراد المخرج ايضا اثر زعزعة عروش الفيلا، أن يُبرز تثبث أبناء الوطن الحقيقيون بأرضهم، في حين أن السيد "سي الطيب" لم يكن يشغله شيء حينها إلا ايجاد وثائقه وجواز سفره لأن أول ما فكر فيه هو الهروب نحو ما يظنه أمانا وعيشا كريما..

كوميديا ساخرة

ما سبق ذكره يحيل على أن المسرحية هي عمل فني تراجيدي درامي، إلا أنها غير ذلك تماما فهي كوميدية طريفة ساخرة، دفعت المتابعين للضحك، خاصة مع شخصيتي شعيب ووالده مرزوق والعامليْن.

وتسلط المسرحية الضوء على الشباب التونسي المتمرد على واقعه، من خلال شخصية مريم ابنة مرزوق، طالبة الفلسفة المتخرجة حديثا والحاقدة طبقيّا وتكره عيشها في القبو وتطمح إلى الانعتاق نحو عالم أرحب يسع طموحها، ومن خلال شخصية شعيب هذا الشاب الذي يعاني صعوبة في النطق ويعجز عن التعبير والضائع بين ثنايا المزرعة دون هدف واضح ويتسلل دائما إلى الفيلا ليروي عطشه للاستكشاف وحب الاطلاع، ولا يمنع نفسه أحيانا من "سرقة" شي يعجبه، وشخصية اسكندر بن سي الطيب، طالب الفنون الجميلة والذي يستعد لانجاز الدكتوراه والمغرم بالتصوير الفوتوغرافي لكن والده البراغماتي الرأسمالي لا يحبذ ذلك ولا يقدّر مواهب ابنه.

دفع المخرج بشخصياته الشابه الى عيش صراعات كشفت عن حبهم للانعتاق والحرية، والتمرد عن واقعهم، لكن المفاجأة كانت في شخصية مرزوق هذا الاب الخاضع والطيّع لسيده، يخافه ويحسب له ألف حساب، ولا يلقي بالا لاحلام الشباب ويسخر منها أحيانا، لكنه في لحظة غضب من سيده ثار في وجهه وانفجر من داخله ما كان يكتمه لسنوات طويلة من مشاعر كره للاستعمار والاستعباد وطوقه للحرية والانعتاق، متحدّثا بكل حماس عن سماحه لأحد خرفان "سي الطيب" بالفرار وتجاوز السياج والهروب نحو المرج الفسيح وكأنه يرى نفسه فيه، وداخله يقول اهرب لا تلتفت وراءك.

كلمة المخرج.. "بلاد يطيب فيها العيش"

عن اختياره لـ "لاحق نشاد" عنوانا لمسرحيته، يقول المخرج أنور حرزلي: "إنّ العنوان مستوحا من أعنية تراثية تغنيها كل جهة بطريقتها الخاصة، وتكمن رمزيتها في أن منشود الشخص ضاع و"هو لاحڨ عليه"، والشباب التونسي ضائع ومازال في بحث مستمر عن ثمرة الثورة.. فالكثير منهم وراء البحر وهناك من هو ضائع في أوهامه ولم يجد الطريق بعد، والثورة أعطت أملا كبيرا لكن مازلنا نبحث عن بلاد يطيب فيها العيش اجتماعيا اقتصاديا..".

فريق مسرحية لاحق نشّاد 
إدارة الإنتاج: محمد المشرقي 
نص وإخراج: أنور حرزالي 
تقني الإضاءة: محمد علي الشحيمي
 توضيب ركحي: بشير الڨماطي 
تقني صوت:  وصال جمازي
 أداء:  
إبراهيم رابح _ علي القصيبي _ سمر الجيري _ شادية عاشور _ إسكندر المدنيني _ قاسم بن معيز  سفيان همايسية_ ياسين الطرابلسي

الشخصيات:
سي الطيب : صاحب المزرعة ورثها عن المعمر كلود بعد أن تزوج من إبنته جوليا و أنجبا إسكندر 
إسكندر : إبن سي الطيب فنان فوتوغرافي بصدد إعداد دكتوراه في الفنون الجميلة رغم أن سي الطيب يرفض ذلك و يحثه على التركيز على الارزاق و الأموال و استثمارها 
عائلة العبد
 مرزوڨ : مشرف على العمال بالمزرعة ، صاحب اعاقة جسدية ، يقيم هو و عائلته في قبوٍ مظلم تحت فيلا سي الطيب دخل المزرعة وهو مطارد و لم يخرج منها إلى حين زمن الحبكة تزوج هناك و انجب ابنين مريم و شعيب
ساسية :  هي زوجة مرزوڨ تقوم بجميع الأعمال الشاقة في المنزل و في المزرعة و تحث ابنتها مريم على الدراسة و النجاح لتخرجها من القبو المظلم و المزرعة المرهقة بعد أن يئست من شعيب ابنها الاخرس
مريم : فتاة جميلة طموحة تسكنها فكرة الحقد الطبقي غير قابلة بالوضع و خاصة خضوع والدها لسيده
شعيب : هو شاب اخرس ينطق بصعوبة بالغة مهووس بالسرقة خاصة حين يجد فرصة لدخول فيلا سي الطيب التي دائما ما يخفي اباه مرزوڨ مفاتيحها

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.