“كابوس أنشتاين” لأنور الشعافي.. عن جمالية السخرية من الواقع

 يسرى الشيخاوي- 

"كابوس انشتاين"، عمل مسرحي للمخرج أنور الشعافي يتماهى فيه الفلسفي والفني والحسي، اصطفى له نصا للأديب التونسي كمال العيادي "الكينغ"، وترجمه إلى كتابة ركحية ترشح جمالية.

سفر آخر في عوالم التجريب، ووقع آخر للحركات الممثلين وخطواتهم على الركح، وسخرية أخرى من واقع يحاكي سجنا بأبواب كثيرة يردّي كل باب إلى سجن آخر، ولعل أبرز السجون في يومنا الواقع الافتراضي. 

تسارل عن مصير الإنسان ووجوده وسط سطوة التكنولوجيا على حياته، تنبني على وقائعه مشاهد المسرحية المختلفة التي يبدو الممثلون في أغلبها مشاهدها وكأنهم جسد واحد، نفس الحركات والخطوات والإيماءات، ونفس الإيقاع.

بأسلوب ساخر وبنص عربي بسيط أُختيرت كلماته بعناية، يحملك الممثلون في جولة داخل عقل "ألبرت انشتاين" وهو يخوض حلما انقلب إلى كابوس، وما أشبه كابوسه بواقع اليوم.

الجولة تنطلق حينما يشارف "انشتاين" على عقده السابع ويأبى أن يستوعب انه بلغ من الكبر عتيا، وعلى اعتاب هذا الرفض يتوه في حلمه ويسافر صاحب نظرية النسبية عبر الزمن، ويجد نفسه في عالم غير عالمه، عالم مسكون بالتناقضات.

"أنشتاين" في عهد الجاهلية يواجه اكتشافات لم يعرفها عصره بعد، الموقف مثير للضحك وخالق لوضعيات كوميدية لكنه في الحقيقة يشرّح الواقع اليوم ويغوص في قضايا الزمن والتحولات التي تطرأ عن تحدّيه. 

فحلم السفر عبر الزمن قد يتحوّل إلى كابوس، تماما كما حلم الانقطاع عن الواقع الموجع إلى الافتراضي المسكّن لوجعه، مآله كابوس يضعك وجها إلى وجه مع مفارقات كثيرة وبين الجد والسخرية تتجلى هالة من الوهم. 

"أنشتاين" أمام أناس من عهد الجاهلية يتحدّثون عن "خيمة الانترنت" وعن فايسبوك وتويتر وعن تناحر واقتتال من أجل  علامة إعجاب، في لحظة بين الحلم والكابوس صارت العبقرية عبئا وعقابا.

هل يمكننا فعلا أن نتحدّى الزمن؟ هل يمكننا أن نتجاوز الواقع؟ هل التكنولوجيا وسيلة لتخطي الوجع؟ هل العالم الافتراضي ملاذ من أدران الواقع؟ أسئلة كثيرة تتواتر عليك وأنت تتعقب أثر تداخل الازمنة وتقف ساكنا أمام حيرة " أنشتاين".

وعلى إيقاع أفكار "أنشتاين" تجاول عبثا أن تجيب عن أسئلتك، وتتوه بين شخصيات مارلين مونرو وحباب وعلقمة، وتلاحق أثر التناقضات في زي الشخصيات وخطابهم  في نص مسكون بالنقد.

هي معالجة فنّية طريفة لمسألة وجودية، لا تخلو من إضحاك بعيد عن التهريج والابتذال، إضحاك يدفعك إلى التفكير والتفكّر في واقعك الذي صرت أرجوخة بيده وبيد التكنولوجيات الحديثة.

وأنت تفكك رموز مشهد صارت فيه مارلين مونرو غانية تسقي أعيان القبيلة الخمرة وترقص رقصاتها المعهودة، في مشهد سوريالي أتقنت الممثلة آمال العويني تفاصيله في كوريغرافيا موشّحة بالجمالية. 

والجمالية في مسرحية "كابوس أنشتاين" تمتد من النص إلى الأسلوب الاخراجي والموسيقى المرافقة لبعض المشاهد واداء الممثلين الذين أبدعوا في المشاهد الكوريغرافية وترجموا تناغمهم وانسجامهم على الخشبة.

البشير الغرياني، وعلي بن سعيد، وياسين الفطناسي، والمنصف العجنقي، ولطفي ناجح، وآمال العويني، وكمال زهيو، آدم الجبالي وأسامة الشيخاوي، ممثلون وهب كل منه روحا طريفة وعميقة في ذات الآن للشخصيات التسع التي ملأت الركن تفكيرا ونقدا. 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.