قيس وليلة 25 .. الزومبيات ومسرحية السدّ (1/5)

 بقلم: أمين بن مسعود

إنْ صحّ الظنّ، وليس كلّ الظنّ إثم، فإنّ الرئيس قيس سعيّد الموله والعاشق بالمحاور الأدبية لباكلوريا الآداب، أتمّ فصليْ اشعار أبي الطيب المتنبي، ورسالة الغفران لأبي العلاء المعري، وأدخلنا معه في محور  رواية السدّ للراحل محمود المسعدي، حيث الصراع مع "آلهة الخصب والجفاف والقحط والغلاء والوباء والغباء" وزبانيتها من سدنة هيكلها المزعوم. 

 ولأنّ صراع رواية/ مسرحية السدّ، هو صراع وجودي صرف، بين غيلان البطل والآلهة صاهباء، فإنّ شخوص الرواية وأشخاصهم تحوّلوا إلى أشباه "زُمْبيات" –بغض النظر عن صحة وجهات النظر- يرون في الآخر الجحيم والشيطان ومآلات الشرّ والثبور وفي الذات الضياء والنور، فتحوّلت الرواية/ المسرحية وقد أجاد الراحل المسعدي حياكتها وتحريرها من فضاء التعددية والتنسيب وتأجيل المعركة في الفصول الأولى إلى سياق الاستقطاب والأحادية والمعركة المحتومة في الفصول النهائية.. 

وكم من مذياع – بشري وجِنيّ- أسرّ  لغيلان بأنّ الحرب محسومة الآجال والمواعيد والرهانات، وكم من مذياع – بشري ونصف شيطاني- أذاع لصاهباء أنّ غيلان سيترك المجال وسينسحبُ من المشهد كغيره من السابقين… سيما وأنّها اغتالت وقتلت وسفكت وروعّت….وأفسدتْ الحرث والنسل… وعرضت أبناء الوادي للأوبئة والجفاف والقحط.  

هل علينا ان نعود إلى نصوص التراث القديم والمعاصر، للبيان وإيجاد التماثلات القائمة وفهم المآلات القادمة، شخصيا بتُّ أرجح هذا الأمر لا فقط لأنّ رأسيْ الصراع ينتميان إلى "مدوّنة" أثرية وتراثية بالإمكان استقرائها بكل سهولة عند تقصي أثر المنطق والمنطوق، بل أيضا لأّنه في وقت الأزمات تكثر الأسئلة وتشحّ الإجابات وتبرز التماثلات في غير الراهن المعيش…  

فعندما نقفز إلى التشخيص والحُكم قبل التفسير والاستقراء والتحليل، فهذا يعني أنّ ما يهمنا ليس الفهم بل تسجيل الموقف، قد نفهم أن يصدر هذا المنحى من حزب سياسي أو منظمات مدنية ولكن أن يصدر من "نُخبة" فكرية وثقافية وإعلامية فهو غير مستساغ، فالجمهور يطلب من النخبةِ القيمةَ الإعلامية والفكرية والقيمية المضافة من فهمه للأحداث لا استنساخ بيانات الاحزاب والفاعلين السياسيين. 

وعندما يصيرُ الرأي العام محصورا ومحاصرا بين محوريْ استقطاب من الزومبيات الرافضة لأيّ حوار أو نقاش أو تنسيب أو تفكير والساعية فقط إلى عضّة سياسية مؤدلجة تحوّل المسافة النقدية إلى اصطفاف أعمى يقتل دمًى ويفرز دماءً، تكون مقاومة الزومبيات السياسية شرفا وعنوان قيمة رمزيّة، ويصبح البحث عن أفق فكري ثالث أو رابع بعيد عن مرمى سباق الزومبيات… استحقاقا وواجبا… 

وشرفُ صحافة الرأي، أنّها صحافة قبل أن تكون رأيا، وأنها رأي متنزل صلب الأخلاقيات والمقتضيات المهنية للصحافة، وقيمة الهدوء والرصانة والتفكريّة والبناء على الواقع والاستناد إلى الحقائق والنأي عن خطاب الكراهية كلها ارتسامات لابد ان تكون في الرأي الذي يريد ان يكون رأيا صحفيا.. وإلا فإنه ليس رأيا وليس صحفيا… 

*أمين بن مسعود. كاتب ومحلل سياسي تونسي 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.