بسام حمدي –
لا تُسيّر الدول بالشهوات ولا الرغبات، والواقع سيفرض حتما على الحاكم الكثير من الاكراهات، وكل ذلك معلوم، لكن التسويف الدائم للحكام دون قراءة هذه الحتمية ودون تنفيذ لتسويفاتهم يضعهم تحت طائلة المحاسبة والاتهام بتبني وعود كافور الاخشيدي لأبو الطيب المتنبي.
عكس ما وعد به رئيس الجمهورية قيس سعيد فور لحظة مسكه بكل دواليب السلطة التنفيذية، من مراعاة للشعب وضمان كرامة معيشية له، تسير حكومة الرئيس،وتخطط لمزيد تضييق الخناق على التونسيين الذين احتلت جيوبهم مؤشرات الفقر والبطالة واستبدت بهم الوعود السياسية الزائفة التي تخيب أمالهم في كل مرة وتثنيهم عن التوق إلى الحياة المنشودة التي يطيب فيها العيش لتنعدم الثقة في كل مرة في طرف سياسي ما.
ربما الإكراهات الاقتصادية الداخلية والدولية هي التي دفعت الحكومة إلى السير نحو الترفيع في أسعار الكثير من المواد المعيشية في تونس وكذلك الترفيع في الضرائب، لكن التونسي لن ينسى المثل العربي الذي استند إليه قيس سعيد أيام حملته الانتخابية وهو مثل وعود كافور الاخشيدي، ومؤكد أنه سيحاول مقارنة الوعود التي أطلقها بعد 25 جويلية 2021 مع التوجهات التي ستتبعها حكومته، ليجد تطابقا بين وعود الاخشيدي ووعوده للشعب بالرخاء والنماء.
سعيد الذي لم يخضع للاملاءات السياسية الخارجية ومضى في تطبيق مشروعه السياسي، ضاق الخناق الاقصادي عليه في فترة فتح فيها جبهات نزاع سياسي متعددة، فانصاع وحكومة نجلاء بودن لخيارات المؤسسات المالية المانحة من خلال التخطيط لتطبيق الكثير من الاجراءات سنة 2022 في اطار تطبيق إملاءات تشترطها هذه المؤسسات على تونس لمنحها قروض ومساعدات مالية.
السياسة تسيّر الاقتصاد؟ أم الاقتصاد يسيّر السياسة؟ ربما توضح الاجابات عن هذين السؤالين حقيقة ما آلت إليه الأوضاع العامة في البلاد،فالقول أن السياسة تسير الاقتصاد يقودنا بالضرورة إلى الإقرار بأن تونس تفتقد ومنذ حوالي عشر سنوات إلى سياسات وتوجهات اقتصادية واضحة بسبب عدم الاستقرار السياسي وهو ما يدفع كل حكومة تقود السلطة تلجأ إلى الخيارات السهلة التي تحصل بها موارد مالية، ألا وهي الزيادات في الأسعار والضرائب ورفع الدعم، أما إذا ما اعتبرنا أن الاقتصاد يسيّر السياسة، فيصح هنا القول أن تونس فاقدة لجزء من سيادتها المالية والاقتصادية برضوخها في كل مرة إلى املاءات صندوق النقد الدولي التي يعنونها بالتوصيات والحال أنه يشترطها على الدولة، ويتضح هنا أن الاقتصاد هو الذي يسيّر السياسة ويضع سياسيي البلاد خاضعين لاكراهات الاقتصاد.
وتفسر الخيارات الاقتصادية التي تخطط لتنفيذها حكومة نجلاء بودن الكثير من النقاط الهامة المتعلقة بالترابط ما بين الاقتصادي والسياسي، فكل وزراءهذه الحكومة ما هم بسياسيين، وقراراتهم وتوجهاتهم ستكون تقنية بحتية لا تكتسي أبعادا اجتماعية ولا اقتصادية، وحكومة التكنوقراط دائما ما تتبع سياسات عامة يطغى عليها الجانب التقني أكثر من الجانب السياسي والاجتماعي.
وفي الكثير من الأحيان، لا تعترف حكومات التكنوقراط بشعارات "الكرامة والشغل" بل إنها تتعامل مع الأرقام والمؤشرات وتضعها أساسا في الحكم واتخاذ القرارات، وهذا ما جعل حكومة نجلاء بودن تبرمج لتطبيق الكثير من القرارات وفرض الزيادات دون أن تنبته إلى أن توجهاتها ستخلّف غليانا واحتقانا شعبيا حادا سيتسبب في تآكل الشرعية الشعبية والسند الاجتماعي الذي اتكأ عليه رئيس الجمهورية قيس سعيد لإقرار إجراءات 25 جويلية 2021.
كل الخيارات الاقتصادية المرتقبة في سنة 2022، ستمس ثقة التونسيين في قيس سعيد الذي أسند اجراءات 25 جويلية إلى شرعية شعبية قوامها المطالبة بتحسين الوضع الاجتماعي والتنموي، وكأن الرئيس بدأ باتباع هذه التوجهات الاقتصادية المناهضة لمطالب الشعب في أكل شرعية 25 جويلية.
مفارقة صعبة، حُشرت فيها حكومة نجلاء بودن، بين محاولة توفير موارد مالية وسن اجراءات تتماهى وخيارات المؤسسات المالية الدولية، وبين محاولة المحافظة على ثقة الشعب في خيارات قيس سعيد وتوجهاته التنموية والشعبية، لكن ويبدو أن خيارات مشروع قانون المالية لسنة 2022 توحي بأن الشعب هو من سيدفع فاتورة إجراءات 25 جويلية، وستكون الفاتورة باهضة.