يُعد معبر رأس جدير من أهم المعابر الحدودية بين تونس وليبيا، وأحد أكبر المعابر البرية في إفريقيا، حيث يلعب دورًا حيويًا في التبادل التجاري بين البلدين، خاصة في نقل المواد الأساسية والبضائع من وإلى الجنوب التونسي والغرب الليبي.
مؤخراً شهد المعبر إغلاقًا خلال الفترة من شهر مارس حتى جويلية 2024، وذلك بسبب الوضع الأمني غير المستقر على الجانب الليبي، مما تسبب في اضطرابات اقتصادية واجتماعية لعشرات الأسر في الجنوب التونسي، وخاصة تلك التي تعتمد مداخيلها على التجارة عبر المعبر.
وبعد قرابة الثلاثة أشهر، تم توقيع اتفاق أمني بين تونس وحكومة الوحدة الوطنية الليبية يوم 12 جوان لإعادة فتح المعبر تدريجيا، وفي الأول من جويلية فُتح المعبر بالكامل، ولكن المعبر لم يسترجع حركته كالسابق مع فترات انتظار طويلة.
التداعيات الاقتصادية لأغلاق معبر رأس جدير تطورت الصادرات التونسية نحو ليبيا بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة، حيث ارتفعت 2650 مليون دينار 1 .
في هذا الصدد، يُعتبر معبر رأس جدير مصدراً مهماً للصادرات، حيث تُقدر حجم الصادرات التونسية عبر المعبر البري بحوالي 479 مليون دينار سنة 2022، وارتفعت لتصل إلى 480 مليون دينار سنة 2023، أي قرابة الـ 18 بالمائة من مجموع الصادرات، وفقًا لبيانات وزارة التجارة وتنمية الصادرات.
قُدّرت الخسائر خلال فترة إغلاق المعبر بحوالي 180 مليون دينار من إيرادات الصادرات، ويمكن أن تصل إلى قرابة الـ 300 مليون دينار في نهاية السنة، في حال لم يسترجع المعبر نسقه السابق، واستمرار فترات الانتظار الطويلة.
بالإضافة إلى ذلك، أثر الاغلاق ايضاً على المؤسسات التي تعتمد على هذا السوق للتصدير، خاصة في قطاعات مثل مواد البناء وتحديدا الاسمنت، والمواد الفلاحية (الفواكه)، و المستحضرات الأخرى مثل الشامبو وحفاضات الأطفال.
في هذا الإطار، يدعو المعهد العربي لرؤساء المؤسسات إلى إيجاد حلول بالتنسيق مع السلط الليبية لتسهيل عملية المرور عبر المعبر، وضمان انسيابية الحركة التجارية، بما يعزز التعاون الاقتصادي بين البلدين.
تداعيات الاغلاق على زيادة حجم الاقتصاد الموازي أدى إغلاق المعبر إلى تعطل حركة السلع والبضائع التي تمر ببعديها الرسمي والموازي،
وأثّر ذلك على المستهلكين الذي يعتمدون على هذا النوع من السلع، مما خلق فراغًا في السوق بسبب قلة العرض وزيادة الطلب، هذا النقص دفع الأسعار الى الارتفاع.
بحسب تقرير للبنك الدولي 3 ، فإن حجم التجارة الموازية عبر المعبر نحو تونس تقدر بحوالي 600 مليون دينار سنويا، وتشكل تجارة الوقود النشاط المهيمن، حيث تمثل 10 بالمائة من قيمة المبيعات، و30 بالمائة من الأرباح، ومن أبرز البضائع التي تمر الوقود، الأدوات
المنزلية، والأجهزة الكهربائية، والمعدات، والملابس، والفواكه.
رغم أن هذا الاغلاق ساهم في السيطرة على التجارة الموازية والتهريب في الجنوب التونسي والغرب الليبي، الا أنه فتح المجال للتجارة الموازية والتهريب عبر الحدود الجزائرية، حيث إن إجمالي التجارة الموازية والتهريب يساهم في خسارة في الإيرادات بقرابة الـ 1200 مليون دينار كان يمكن للسلط التونسية تحقيقها، بحسب تقرير للبنك الدولي 4 .
في الختام، إغلاق معبر رأس جدير كان له تداعيات اقتصادية واجتماعية مهمة، خاصة في الجنوب التونسي الذي يعتمد بشكل كبير على التجارة عبر المعبر، هذا الإغلاق سلط الضوء على مدى تداخل الاقتصاد الرسمي مع الاقتصاد الموازي عبر المعبر، إضافة إلى تضرر الأسر بشكل مباشر نتيجة لاضطراب تدفق السلع والبضائع.
للتغلب على هذه التحديات، يُعتبر تعزيز التعاون بين البلدين أمر حتمي لضمان استمرار حركة التجارة بشكل آمن ومستدام، بالإضافة إلى ضرورة تحسين البنية التحتية، وإنشاء منصات إلكترونية لتسريع الإجراءات الديوانية وتقليل البيروقراطية، وتقديم حوافز للمؤسسات الصغرى والمتوسطة الناشطة في الجنوب التونسي للاستثمار في المنطقة لتفادي آفة الاقتصاد الموازي.