قارون.. والإمام ابن فرحون.. و عرض كافون

قاتل الله اللغويين ..المتأخرين منهم و المتقدمين …صدعوا رؤوسنا بالحديث عن اللفظ ووزنه ،،و المشتق وعمله ،، وضعوا فيها ألوانا من التآليف ، و عدّة من التصانيف ..و زعموا ـ فيما زعموا ـ أنّهم أحاطوا  بأوزان التصغير ،، و أسالوا من الحبر الكثير،، يرُومون بيان إفادته حينا طلب التعظيمِ و أحيانا معنى التحقير..

و زعموا ـ لا حُرمنا فضائلهم ـ أنّ " فَـعْـلُون" من أوزان التصغير ..وهو من الصّغر ينقلبُ بتدبير "أهل الصناعة" الماكرين صغارة..فيضحي صنوا للقماءة و الحقارة ..

واستدلت الجماعة على ما تقول ، بفيض من متون المنقول ، و أحصوا أعلاما على هذا الوزن نحوَ حَمدون وزيدون ،و كذا خلدون وبيضون ، وداعبوا من استبانت فيه السنّ فدوّنوا اسم: شيخون .بل لعلّهم ـ والله أعلم بما يسرّون ـ تمنّوا فتح السين من سحنون، وفتح الفاء من فرعون ! 

تفلّت منهم فرعون فانفلقت من الأسماء أمامهم بحار ..أسعفهم محمد بن إسحاق بن يسار، فقد زعم أن عمّ موسى كليم الله هو قارون..وناكفه ابن جريج فقال بل هما من أبناء العمومة. وبكّتهما الأعمش فقال : بل ما قال رب العزة في سورة القصص : " إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى".

ولست أشك أن القائمين على المهرجانات الصيفية،و بخاصة أيام  قرطاج السنويّة، ممّن يعرفون فعلون العتيق قارون، مثلما تراني على ثقة أنهم يتلون قول الجبار في سورة غافر  "وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآَيَاتِنَا وَسُلْطَانٍ مُبِينٍ إِلَى فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَقَارُونَ فَقَالُوا سَاحِرٌ كَذَّابٌ." 

ولا ريبَ أنّ الجماعة تعرف مآل قارون، معرفتها ما جمع من المال، فقد خُسفَت الأرض به  و بداره،ولكن الصّحبَ حائرون ..ماذا تُراهم يفعلون، وهم في بريق المال يفنُون؟ ثمّ كيف السبيل إلى التعامي عن إغراء فعلون ؟ جَرَدوا قائمة من يتفنّنون ، و على المسارح يَطربون، والركحَ و المدارجَ يملؤون ..من تُراهم يجدون؟؟  لا أحد غير كافون !!  

فتى فيه بعض من محمود بذرة الجنون، لا يستنكف أنفُه ريح المزابل المأفون ، بل لعلّه "يُقنّبُ"عفنها المهنّد المدفون !ومعاذ الله، معاذ الله أن يكون في كلمِ مايُنشدُ المستهجنَ أو المأبون (1)، و الدهماء والعامة شيبا و شبانا من حوله يهتِفون و معه يهزجون. سيعطّر ليلتكم في قرطاج ، و سيمحو عن ذاك المسرح خطيئة استقبال مرسيل خليفة وسيدفن عارا خلفته فيروز  و يُطهّر الموضع من دنس كاظم الساهر وووو…

طوبى للطاقم المفنان الذي انتدبته السيدة لخضر وزيرة الثقافة لإدارة المهرجان ،،     وشكرا لأننا سنودّع بفضل كافون و رفاقه في الليلة الخضراء الموعودة (بلطي و زياد نيقرو و أرميستا) سنوات اليُبسِ ، و ذكريات الجدب و الإمحال و البؤسِ .

ولإنه عصر السنبلاتِ الخضر، أقرؤوا منّا كافون وعُصبَتَه السلام ، و أبلغوه أن فَعلون القديم ابراهيم بن فرحون (2)(بمناسبة حملات افرح بيّ ) شيخ المالكية و قاضي المدينة هو من خط كتاب "الديباج المذهّب" الذي تحتاجه إدارة مهرجانكم و كتاب "تبصرة الحكام" الذي لا ريب أن معالي الوزيرة ستوليه الاهتمام ، و تطلع عليه في قادم الأيام . 

رحم الله أحمد التنبكتي (3)ذكر ابن فرحون في كتابه : "نيل الابتهاج بتطريز الديباج" ، فقال في هذا الفعلون :  عاش ولم يملك دارا ولا نخلا، إنما يسكن بالكراء ويأكل بالسلف والدّيْن. 

أمّا كتاب بلدي الجديد ،فعنوانه فريد : " كافون ينال الابتهاج قبل الغناء في قرطاج " !!

هوامش
(1) المأبون = مأْخوذ عن الأُبَن، وهي العُقَدُ تكونُ في القِسيّ تُفْسِدُها وتُعابُ بها (لسان العرب)و القسيّ هي الكتّان      

(2) ابراهيم بن فعلون = فقيه مالكي تولى قضاء المدينة ت 799 هـ . 

(3) أحمد التنبكتي = عالم دين سوداني ت 1036 هـ    

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.