في كنيس الغريبة بجربة: هنا يحافظ يهود العالم على أسطورتين والمنارة والحجر المقدس

جواهر المساكني-

على بعد بعض الكيلومترات من وسط مدينة جربة وفي قرية صغيرة كانت تدعى “الحارة الصغيرة” والآن”الرياض”، انطلق توافد عائلات بأحلى ما لديهم من لباس ووضعت نساؤهم أغلى حليهنّ، فيما ارتدى الرجال بمختلف أعمارهم قبعات صغيرة بيضاء اللون تسمى “الكبي” او ارتدوا الشاشية التونسية، إلى كنيس الغريبة لاحياء موسم الزيارة اليهودية السنوية.

الآلاف من اليهود من داخل تونس وخارجها، توافدوا منذ صباح يوم الاربعاء 2 ماي 2018، الى كنيس الغريبة بمناسبة انطلاق موسم “الحج” اليهودي السنوي وأداء احتفالات “الخرجة الصغرى” و”الخرجة الكبرى”.

على طرفي ممر ضيق يؤدي إلى ساحة الاحتفال، انتصب باعة الحلي وزيت الزيتون، في أجواء احتفالية امتزجت فيها الأغاني التونسية القديمة بأغاني لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ، لتضفي رونقا طربيا للحج، في ذلك الوقت كان بعض الزوار بصدد القيام بطقوس الزيارة، بينما انزوى البعض الآخر لمتابعة الاحتفالية التي أقيمت في الساحة.

ويحظى كنيس الغريبة، الذي يزوره اليهود مرة كل سنة، بمكانة خاصة لدى يهود تونسيين والأجانب باعتباره أقدم معبد يهودي في إفريقيا وأحد أقدم المعابد اليهودية في العالم الذي يعود عهده الى عام 586 قبل الحساب الافرنجي، حسب لافتة معلّقة داخل الكنيس، كما توجد به نسخة من التوراة تعود إلى أكثر من ألفي سنة.

في كنيس الغريبة سيكون أكثر شيء جالبا للاهتمام هو ما يحمله الزوار في أيديهم، فكل اختار ابتياع شيء مميز لتقديمه هبة للكنيس، فثمة مثلا من حمل باقة ورود خضراء، والآخر يهدي قطع قماش (غطاء رأس) باهظة الثمن، فيما اختار اخرون تقديم لوحات فنية جميعها تباع في مزاد علني.

وتنطلق الاحتفالات في الجانب الأيمن من المعبد، عبر ترديد أغان في ساحة كبيرة يتجمع فيها اليهود مع توافد عدد من المسلمين أصيلي جربة، وتزامنا مع اجواء الاحتفال بالرقص وتقديم أكلات تقليدية يهودية وشرب”البوخة”،وهو نوع من الخمور المحلية، يتم في الساحة الكبيرة بيع عدد من اللوحات تحوي صورا فوتغرافية بمبالغ مالية تراوحت بين الألف دينار و700 د في مزاد علني، وهي طريقة رمزية لتوفير هبات وتبرعات للكنيس.

 

ويتداول زائرو الكنيسة اسطورتين مختلفتين عن “الغريبة”، الأولى تقول ان فتاة يهودية طردها أهلها من حومة السوق، كانت تعيش في كوخ بمفردها ولا تتحدث مع أحد ولا يقربها أحد. اطلقوا عليها اسم “الغريبة”وتوفيت في ظروف غامضة، ويوم وفاتها شاهد القرويون دخانا كثيفا يتصاعد من الكوخ الذي احترق وتحول رمادا فيما لم تتضرر هي ولم تلحقها ألسنة النار وظل جثمانها سليما، ومنذ ذلك الوقت رجّحوا انها من أصحاب البركات فبنوا لها كنيسا يصلون ويتباركون فيه.

أما الأسطورة الثانية، فتقول بأن المعبد بني تعظيما لحجر مقدّس كتب عليه 10 كلمات مقدّسة يهودية (لا تقتل، لا تسرق، احترام الوالدين…) جيء به من أرض غريبة ، فوقعت تسمية المعبد بالغريبة نسبة إلى الحجر المقدس في المعبد الذي جاء من بلاد غريبة.

وسط الساحة توجد عربة “المنارة” -و هناك من سماها “الكروسة”- مغطاة بقطع من الأقمشة ثمّ تباع في مزاد علني، وقد بيعت في هذه السنة بمبلغ مالي يفوق الـ 5 آلاف دينار يقع تخصيصه لترميم الكنيس ومساعدة عدد من العائلات اليهودية الفقيرة،حسب ما تداوله الزوار، ثم تغادر “المنارة” معبد الغريبة ليطوف بها اليهود في الحي المجاور للكنيس رافعين أغاني وأناشيد باللغتين التونسية والعبرية.

أما في الجانب الأيسر وهو المكان المخصص للصلاة والتّعبد، فتعترضك لافتة علّقت بباب الكنيس ومكتوبة بأربع لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية)، تطلب من الزائرين تغطية الرأس ونزع الأحذية قبل الدخول للتعبد وتلزمهم باللباس اللائق، ويقوم زوار المعبد باشعال الشموع في الجهة المخصصة للصلاة وقراءة اجزاء من التوراة والدعاء.

وفي ركن آخر، تقوم نساء متجملات بوضع البيض في مكان مخصص له جوف مغارة صغيرة قرب الحجر المقدّس مكتوب عليها كلمات باللغة العبرية يقولن انها أمانيهن التي يرجون تحقيقها في العام المقبل، فمن النساء المتزوجات من طلبن الصحة والعافية للعائلة اما العازبات فقد رجوْن الزواج العاجل.

وبرؤوس مغطاة وعيون غزتها الدموع، يقبّل الزائرون من اليهود الحجر المقدس للاغتسال من الذنوب والاعتراف بالأخطاء والتقرب من “الرب”،ويقع في هذه المرحلة الفصل بين النساء والرجال.

ويختتم الموسم في اليوم الثاني (أمس الخميس) وهو ما يطلقون عليه يوم “الربّ شمعون”،وهو أحد كبار الكهنة اليهود ،أو “الخرجة الكبرى”  وتقام في هذا اليوم الطقوس ذاتها بأكثر عدد من الزائرين وتنتهي بتقديم الهبات المالية إلى أحبار الكنيس.

وشارك بالزيارة السنوية لمعبد الغريبة هذه السنة أكثر من 5 آلاف يهودي، من بينهم تونسيون يهود قاطنون بجربة او مقيمون بالخارج منذ سنوات، كما سجّلت العديد من الجنسيات العربية والأوروبية حضورهم قادمين الى جزيرة الأحلام للاحتفال والتّعبد في أجواء تميزت بيقظة أمنية وتعزيزات مكثّفة وحضور لرئيس الحكومة ووزيرة السياحة ووزير الشؤون الدينية وشخصيات سياسية على غرار عبد الفتاح مورور و علي بنور بالاضافة الى شخصيات فنية تونسية.

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.