في امتناع سعيد عن”الصد بالوكالة”: أوروبا تبحث عن مخرج جديد للهجرة

 تحكتم العلاقات الدولية فقط لمنطق المصلحة، وتزداد حاجة دولة إلى أخرى إلا إذا اقتضت المصلحة ذلك، وتبقى خطابات العلاقات التاريخية والصداقة والشراكة مجرد جسور لغوية لتحقيق مآرب دبلوماسية، فيتغير خطاب وخيار كل قائد دولة بتغير الظروف وتغير مدى حاجته للآخر.. وهذه المسلمات الدبلوماسية تنسحب اليوم  على التطورات المتسارعة بين تونس ودول الاتحاد الأوروبي.

وحتما لا تُعدّ الزيارات المكثفة للمسؤولين والزعماء الأوروبيين إلى تونس خلال الفترة الأخيرة أعمالا خيرية أو حبا لمصلحة تونس، بل هي رحلات البحث عن مخرج جديد ينقذ القارة الأوروبية من التوافد المكثف للمهاجرين غير النظاميين على أراضيها، فقد باتت الهجرة كابوسا وهاجسا يضيق الخناق على الدول الأورومتوسطية.

وفي أقل من شهر، زار عشرات المسؤولين الإيطاليين والفرنسيين والألمان تونس وتحادثوا مع الرئيس التونسي قيس سعيد، وتصدرت الهجرة جل محادثاتهم المتعثرة في ظل تناقض الرؤى ودفاع كل طرف عن مصلحة بلده مع الحرص على لعب أوراق مالية واقتصادية على طاولة المفاوضات.

أوروبا التي طبّقت سياسة "الصد بالوكالة" أو ما يسمى "تصدير الحدود الأوروبية" مع دول شمال إفريقيا، تونس وليبيا، منذ عام ألفين وسبعة عشر، وجدت صدا من الرئيس التونسي قيس سعيد لمواصلة الاستمرار في تطبيق هذه السياسة التي تهدف أساسا لحراسة حدود القارة العجوز، وبات قادتها مجبرون على العمل على ايجاد صياغة جديدة للتعامل مع تونس في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية.

أي استراتيجية جديدة سيتم اعتمادها بين تونس والدول الأورومتوسطية في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية؟ ولمن ستؤول الغلبة ولمن ستتجه كفة المصلحة والربح: تونس أم أوروبا؟

وفي هذا الملف تحتاج أوروبا كثيرا إلى أن تدعمها تونس في مكافحة الهجرة غير النظامية، فيما تحتاج تونس  إلى أوروبا لتدعمها ماليا، وهو ما يعني أن الطرفان يتفاوضان بنفس القدر من القوة الدبلوماسية، وبقدر المصالح تأتي التوافقات، وسعيد لن يرضى بمواصلة حراسة حدود أوروبا مقابل الحصول على المال، وإيطاليا لن تقبل باستمرار وصول موجات المهاجرين إليها عبر البحر الأبيض المتوسط وانطلاقا من السواحل التونسية.

وسيعطل التكافؤ في المفاوضات بين طرفيها، مسار التفاوض، سلطة تونس لن تقبل الإغراءات المالية لتكون سدا منيعا وحديقة خلفية لإيطاليا وفرنسا، وهي التي توافد عليها مئات آلاف المهاجرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء نتيجة قبولها عام ألفين وسبعة عشر بتنفيذ استراتيجية الصد بالوكالة وهو ما سيضعف فرصة اقناعها بتلقي المال مقابل احتواء المهاجرين وقبول ترحيلهم إليها.

 دول أوروبا هي الأخرى لن تقبل بدورها استقبال المهاجرين وإيوائهم كما كان في السابق، نظرا لعدم امتلاك المهاجرين لشهادات جامعية ولا شهادات تقنية، كما أنها لن تقبل بترك ثروات بلدان افريقيا لشعوبها لكي لا يضطرون إلى الرحيل والهجرة بحثا عن حياة كريمة وخبز وماء.

وإزاء كل هذه الحيثيات، كيف ستحتم المصلحة على قيس سعيد قبول مقترحات أوروبا للمساعدة على مكافحة الهجرة غير النظامية ؟ هل ستمنح أوروبا جزءا من الأموال التي تسرقها من ثروات افريقيا لتونس لكي تعول مهاجري إفريقيا جنوب الصحراء؟ وهل تقبل تونس مناقشة ملف الهجرة ذو البعد الانساني من زاوية المال فقط، أم أنها ستكون لها كلمة حاسمة في هذه المسألة من زاوية أمنية واقتصادية واجتماعية وديموغرافية؟

دون أدنى شك، سيكون للاستراتيجية المرتقبة في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية بين الدول المتوسطية الأثر الكبير في المنطقة، سيما وأن هذه القضية باتت "باروماتر" دبلوماسي تتحدد وفقه طبيعة العلاقات بين الدول.

 

 

 

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.