فرصة التطبيع تدفع واشنطن لنصرة منظومة ساقطة في تونس

بسام حمدي-

لا تدفع واشنطن صدقة سياسية لأي دولة أو منظمة أو حزب لا يخدم مصالحها، ولا تناصر القضايا والمواقف دون تبعات مهمة تنفعها هي والاحتلال الإسرائيلي، وما دفاعها عن الإسلام السياسي وكل أنظمة التطبيع مع الكيان الصهيوني إلا وجها من أوجه العلاقة الربحية الثنائية. ونصرتها المستميتة عن منظومة ساقطة في تونس لا ريب أنه ذو علاقة وطيدة بملف الاعتراف بالاحتلال الاسرائيلي كدولة قائمة يمكن التعامل معها دبلوماسيا واقتصاديا مع الغفران لجرائمها المرتكبة في فلسطين.

ودون أدنى شك، ومهما تغير قادتها، ترتبط السياسة الخارجية للإدارة الأمريكية بمدى تنفيذ الدول والمنظومات لتوجهاتها الإقليمية وخياراتها الدولية المناصرة للاحتلال الاسرائيلي والكيان الصهيوني، حيث تنبني مواقفها مع المتعاملين معها حسب مدى تقبلهم لمشروع التطبيع العربي مع الاحتلال المغتصب للأراضي الفلسطينية.

واشنطن لم تصف الانقلاب العسكري الذي نفذه الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي بالانقلاب، ومنحت الضوء الأخضر للمملكة العربية السعودية والإمارات بمد مساعدات مالية لنظامه الذي يطبّع سرّا مع الكيان الصهيوني وظلت داعمة له، لكنها في المقابل فرضت ضغوطات كبرى على رئيس الدولة التونسية قيس سعيد الذي اتخذ قرارات سياسية أنهت عقدا من الفساد والديمقراطية المغشوشة مرتكزا على أحد أهم فصول الدستور التونسي لمواقفه المعادية لخيار التطبيع مع الكيان الصهيوني.

أمريكا التي تستغل ثقلها ووزنها في مجالس إدارات المؤسسات المالية المانحة، صندوق النقد الدولي والبنك العالمي، تتخفى بأكذوبة تطلعها لإرساء السلام، وتعمل على إقامة علاقات تطبيع بين الدول العربية والاحتلال الاسرائيلي لاستكمال المشروع الأمريكي الاسرائيلي الرامي إلى دمج  الاحتلال في المنطقة.

وفي فترة اشتغالها على كسب المزيد من التأييد العربي للتطبيع المالي والاقتصادي والسياسي مع الاحتلال الاسرائيلي، وترقبها لضم تونس مع الدول المطبعة دبلوماسيا مع الكيان الصهيوني، سقطت المنظومة التي كانت تعول عليها، وهي المنظومة الحاكمة التي ماطلت في مناقشة مشروع قانون تجريم التطبيع وعرضه على المصادقة في جلسة عامة، وربما هي المنظومة التي وعدت الولايات المتحدة الأمريكية بتطبيع مرتقب مع الكيان الصهيوني على غرار ما حصل مع الإمارات والبحرين والمغرب.

واستماتت المنظومة التي حكمت تونس طيلة السنوات التي أعقبت التونسية في منع المصادقة على مشروع قانون تجريم التطبيع، وسقط مشروع قانون يجرم التطبيع تقدمت به حركة وفاء للمجلس التأسيسي سنة 2012 في زمن حكم "الترويكا"، وبقي مشروع قانون آخر قدمته سنة 2015 الجبهة اليسارية مطمورا وسجين رفوف البرلمان بعد ان تم التوافق على عدم ادراج المشروع بدستور 2014 واستبداله بقانون على حدة.

واستمرت المماطلة في تجريم التطبيع، رغم محاولة حركة الشعب إحياء مشروع تجريم التطبيع سنة 2017 بعد أن  تمكنت من جمع أكثر من 100 توقيع من مختلف الكتل البرلمانية، بهدف تسريع النظر في مشروع القانون، لكن دون جدوى.

حتما هي مسيرة تدفع واشنطن لنصرة المنظومة الأغلبية، النهضة وحلفائها في الحكم، بعد أن أسقطتها الإجراءات التي أعلنها قيس سعيد يوم 25 جويلية 2021، ودون هوادة تواترت أوراق الضغط الأمريكي على تونس وتنوعت بعد تجميد البرلمان التونسي، وسارع الأمريكيون إلى جذب تونس إلى ما قبل تاريخ 25 جويلية وإعادة البرلمان التونسي الرافض أغلبيته للتطبيع لسالف نشاطه.

أمريكا التي دعا وزير خارجيتها أنتوني بلينكن دولا عربية إلى الاعتراف بإسرائيل، لا تدافع عن الأغلبية الحاكمة في تونس من منطلق دفاعها عن الديمقراطية، لأنها تفتقد لكل مقومات الديمقراطية والهجوم على مبنى الكونغرس بعد هزيمة الرئيس السابق دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة خير صورة لأكذوبة الديمقراطية الأمريكية.

وإزاء كل هذه المعطيات، يمكن القول إن واشنطن لا تعادي قيس سعيد لأنه أيقونة ثورية قومية يهابه الإحتلال الإسرائيلي، بل لأن الأحزاب التي تحوزت على أغلبية برلمانية طيلة العشر سنوات الماضية قدمت لها تطمينات بتطبيع مرتقب، فأي مسار سينتهجه قيس سعيد في هذا المسار؟

آخر الأخبار

استطلاع رأي

أية مقاربة تراها أنسب لمعالجة ملف الهجرة غير النظامية في تونس؟




الأكثر قراءة

حقائق أون لاين مشروع اعلامي تونسي مستقل يطمح لأن يكون أحد المنصات الصحفية المتميزة على مستوى دقة الخبر واعطاء أهمية لتعدد الاراء والافكار المكونة للمجتمع التونسي بشكل خاص والعربي بشكل عام.